«الحب يحررنا .. ويقول لك أنا أقف بجوارك وخلفك .. ومعك». تقولها الشاعرة الأمريكية مايا انجيلو. وهي التي تذكرت في يوم ما كيف أن جدتها أحاطتها بكل الحب من كل جانب وقالت للطفلة التي كانت لا تتكلم الا قليلا :» لا تهتمي بما يقوله الناس عنك وان الله اذا أراد وأنت اذا اجتهدت ستكونين أستاذة .. تدرس للطلبة وتعلمهم»ومنذ أيام أصدرت هيئة البريد الأمريكية طابعا للبريد احتفاء بمايا أنجيلو وتقديرا لها.والطابع الذي يحمل بورتريها لها تضمن أيضا عبارة:«ان الطائر يغني ليس لأن لديه ردا (أو اجابة على السؤال المطروح) بل لأن لديه أغنية». وواكب صدور الطابع يوم ميلادها ال87 في 4 أبريل. والشاعرة الأمريكية السوداء رحلت عن عالمنا العام الماضى (في يوم 28 مايو) ولها 36 كتابا، سبعة كتب منهم تناولت فيها تفاصيل حياتها الثرية بنشاطاتها المتواصلة في قضايا سياسية واجتماعية عديدة. كما حصلت على 65 درجة دكتوراة من جامعات مختلفة. فعلا كما قالت وتذكرت - فان حب الجدة بلا حدود حررها من الصمت والعزلة والوحدة .. فانطلقت كامراة وكاتبة ومناضلة وعاشقة للحياة وحاضنة للدنيا ومن فيها.وكانت الشاعرة الكبيرة مايا انجيلو قد عاشت في القاهرة في بداية الستينيات. وقد أتت الى العاصمة المصرية مع زوجها آنذاك فاس ماهكاى أحد نشطاء حركة التحرير بجنوب أفريقيا والذي كان على اتصال بالقيادات المصرية وقد التقى بالزعيم جمال عبد الناصر وتناول القهوة معه.وذلك حسب ما جاء في كتابها «قلب امراة». ويشمل هذا الكتاب صفحات عن حياتها في القاهرة وشوارعها وتعرفها على المصريين بالاضافة الى بدايات تعلمها للغة العربية. وقد عملت انجيلو محررة ب«آراب أوبزرفر» الصادرة حينذاك باللغة الانجليزية. وقد عاشت في 5 شارع أحمد حشمت بالزمالك.وفي القاهرة أيضا التقت ولأول مرة بنلسون مانديلا الزعيم الإفريقي عام 1962. وقد توطدت بينهما الصداقة فيما بعد وامتدت لسنوات طويلة.. حتى وفاته.
منذ أيام أيضا تحدد موعد عرض فيلم كارتون «النبي» عن الكتاب الشهير المعروف لجبران خليل جبران. والفيلم سيبدأ عرضه في دور السينما بدءا من 7 أغسطس القادم. والفيلم من انتاج النجمة العالمية «سلمى حايك» (المكسيكية ذات الأصول اللبنانية) واخراج روجر أليرز (مخرج الفيلم الشهير «الأسد الملك»). ويعد هذا الفيلم وحسب ما قيل «المشروع الحلم» الذي راود خيال سلمي حايك وطاردها لسنوات حتى حققته .. وانتجته وشاركت فيه بصوتها. و»النبي» للشاعر اللبناني العالمي جبران خليل جبران صدر بالانجليزية عام 1923 بالولاياتالمتحدة. ومنذ صدوره حتى الآن أعيد طبعه عشرات المرات وقد ترجم لأكثر من 40 لغة. ويقال إن عدد نسخه المباعة تجاوز ال100 مليون. وقد توفى جبران يوم 10 أبريل 1931 وهو في ال48 من عمره. جبران الذي يكتب:«جلست بقرب من أحبتها نفسي أسمع حديثها، أصغيت ولم أنبس ببنت شفة، فشعرت أن في صوتها قوة اهتز لها قلبي اهتزازات كهربائية فصلت ذاتي عن ذاتي، فطارت نفسي سابحة في فضاء لا حد له ولا مدى، ترى الكون حلما والجسد سجنا ضيقا.سحر عجيب مازج صوت حبيبتي وفعل بمشاعري ما فعل وأنا لاه عن كلامها بما أغناني عن الكلام». ثم يستكمل جبران في كتابه «الموسيقي»: «تأثيرات قلب حبيبتي، رأيتها بعين سمعي فشغلتني عن جوهر حديثها بجواهر عواطفها المتجسمة بموسيقي هي صوت النفس». وكتاب «الموسيقي» هو أول ما نشره جبران عام 1905 في نيويورك ويعد من مؤلفاته المكتوبة بالعربية وعددها ثمانية كتب منها: «الأرواح المتمردة» و»الأجنحة المتكسرة». كما أن جبران له ثمانية مؤلفات كتبها بالإنجليزية أشهرها «النبي».
ولا يمكن أن أتذكر «جبران العظيم « ولا يمكن أن يمر «يوم 9 أبريل» دون أن يأتي في البال «لويس جريس».. والاعتراف والعرفان بالجميل له. ففي بداية عام 1981 ومع مرور 50 عاما على وفاة جبران اقترحت على «لويس جريس»رئيس تحرير مجلة «صباح الخير» آنذاك أن أعيد اكتشاف جبران خليل جبران بقراءة جديدة لحياته وأعماله. وظهرعدد 9 أبريل 1981 ليضم بين صفحاته حماس شاب (في العشرينات من عمره) لفكرة اكتشاف جبران من جديد وأيضا احتضان «لويس جريس» للفكرة وأيضا تحمسه لما هو آت من قلب شاب وعقل متحرر.. وقد شاركه في هذا الاحتضان الأستاذ «علاء الديب». وتمر السنوات الا أن الحب يبقى حيا ونابضا ومشعا في الذاكرة وفي الوجدان.. الحب الذي حررني (ويحررني حتى الآن) من الصمت والوحدة..
وحكاياتي مع «لويس جريس» عديدة وشيقة.. منها ما عشته معه ومنها ما حكاه لي. والحكاية التي أتذكرها وأحكيها هنا أسميتها «سناء و لويس و 20148». وسناء طبعا هي الفنانة العظيمة سناء جميل ولويس هو لويس جريس الصحفي الكبير والأستاذ ومربي الأجيال من الصحفيين والحالم الأبدي الذي لا يكل ولا يمل من الحلم والحديث عنه ومطاردته. أما 20148 فكان رقم تليفون سناء في بداية الستينيات من القرن الماضي.ويروي لويس الحكاية قائلا كان يناير 1960 والمناسبة كانت حفل توديع خديجة صفوت السودانية التي تدربت في مجلة روزا اليوسف وكانت تتطلع لإصدار مجلة نسائية في الخرطوم (خديجة فيما بعد أصبحت أستاذة في جامعة أوكسفورد).وكانت خديجة قد تعرفت على لويس العائد من رحلة دراسة وتدريب صحافة في الولاياتالمتحدة ودعته للحفل الذي أقيم في شقة سناء جميل. وبما أن لويس كان في أمريكا وعاد للقاهرة ولروزا اليوسف في سبتمبر 1959 لم يكن يعرف سناء جميل الممثلة التي جاء ذكر اسمها على لسان خديجة كممثلة في فيلم «بداية ونهاية» من اخراج صلاح أبو سيف فذهب الى السينما حفلة الساعة ثلاثة ليشاهد الفيلم قبل ذهابه الى منزلها
في نهاية الحفل وفي لحظة الفراق سألت سناء لويس: معاك تلات تعريفة (أى قرش نصف) وكما يروى لويس: .. وقتها دورت في جيبي وقلت «معايا قرشين وأخرجت القرشين و مديت ايدي» فقالت سناء خليهم معاك علشان تكلمني بكره في التليفون. وأنا تليفوني 20148.
وبالطبع لويس تكلم معها وتكررت اللقاءات وبدأت قصة حب .. ثم تم زواج امتد أكثر من أربعين عاما. أستاذنا لويس (من مواليد 1928) بالمناسبة يذكر رقم التليفون حتى الآن 20148.
سناء جميل واسمها الحقيقي ثريا يوسف عبد الله هي التي حددت موعد الزواج وهو الأول من يوليو 1961. وقتها قال احسان عبد القدوس للويس: أوعى تفتكر انك متجوز واحدة ست وبس .. أنت متجوز موهبة. أما صلاح جاهين فقال له: انصب طولك .. أنت متجوز أعظم امرأة في مصر. أما لويس عوض فقد سمع منه لويس جريس نصيحة غريبة: لا تجعلها تقرأ الكتب. خليها تجلس مع الذين يقرأون الكتب ودعها تمتص الثقافة من كلامهم،لأن قراءة الكتب تخلي الممثل يكتئب والاكتئاب عدو التمثيل.
سناء حسب كلام لويس جريس لم تقرأ الكتب السياسية وشاركت في جلسات ونقاشات كانت تعشق شعر أبو قاسم الشابي وكانت تحفظ الكثير من قصائده وترددها أحيانا .. وبالطبع كانت تحب أشعار عبد الرحمن الأبنودي وصلاح جاهين. سناء ولويس عاشا معا 41 عاما. وقد توفيت سناء يوم 22 ديسمبر 2002. وأكيد الأستاذ «لويس» له حكايات عديدة مع العظيمة سناء ومع الصحافة ومصر وأهلها.. ننتظر أن نقرأها في مذكراته التى نتمنى أن نراها قريبا.
وطبعا ونحن في معترك الحياة لا يتركنا الكاتب الأمريكي مارك توين في حالنا عندما يقول لنا تنبيها وتحذيرا «بعد عشرين عاما من الآن سوف يصيبك الاحباط بسبب الأشياء التي لم تفعلها وليس بسبب الأشياء التي فعلتها. اذن تخلص من حبال سفينتك وابحر بعيدا عن الميناء الآمن .. وافرد شراعك للرياح، استطلع واحلم واكتشف». وهنا أضيف: نعم تحرر وانطلق .. فالعمر لحظة.