بات عنصر الوقت المحدد الطاغى على المشهد السياسي، ورغم ذلك لا توجد أدنى التزامات سواء رسمية أو حزبية بتلبية متطلبات هذا المحدد من حيث الاستعدادات والإجراءات المنظمة لاستحقاقاته بما فيها انتخابات مجلس النواب. فعقب الحكم بعدم دستورية بعض مواد القانون الناظم للانتخابات أمهل الرئيس عبد الفتاح السيسى القوى الفاعلة بالمشهد حكومة وأحزاب مهلة شهر للانتهاء من التعديلات الضرورية للبدء فى إجراءات تلك الانتخابات إلا أن هذا الوقت مرر مرور الكرام دون انجاز لتلك المهمة. والتعديلات المقترحة على الدوائر الفردية والقوائم كان بالإمكان إنجازها فى اقل من مهلة الرئيس، إلا أنه لم يحدث، فهناك قدر عال من الارتباك . وزاد من عبء المشهد التلميحات التى أشار إليها رئيس الحكومة إبراهيم محلب عقب أولى جلسات الحوار المجتمعى مع الأحزاب للتوافق السياسى حول التعديلات الواجب إدخالها على قانون الانتخابات، بإمكانية عقد الجولة الأولى من الانتخابات البرلمانية قبل شهر رمضان القادم، الذى يصادف العديد من الإشكاليات التنظيمية مثل تزامنها مع مواعيد امتحانات الثانوية العامة وانشغال الأهالى وكذلك المدارس حيث المقار الانتخابية . الدكتور فريد زهران نائب رئيس الحزب المصرى الديمقراطى الاجتماعى أكد وجود مؤشرات جعلته لا يثق فيما قالته الحكومة من إمكانية بدء الانتخابات قبل رمضان. وبنى تقديره على مؤشرات سابقة من قبيل التأكيد الحكومى على إجرائها قبل نهاية العام الماضى أو بعده، ثم توقيت شهر مارس كموعد تال لها، وتم تأجيلها لعدم دستوريتها، ناهيك عن الاجتماعات التى عقدت مع القوى السياسية لتعديل بعض القوانين والتوافق حول إجراء الانتخابات، فقد تم تقديم تلك الاقتراحات من قبل ولم تأخذ بها الدولة ولم تعرها أى اهتمام. وأضاف زهران أن المجتمعين يوم الخميس الماضى لم يتوافقوا على شيء يرضى جميع الأحزاب، وتصريحات محلب مختلفة ومتناقضة عن تصريحات وزير العدالة الانتقالية، فأيهما نتفاعل معه. لذا فإذا كانت الحكومة جادة فى تنفيذ الاستحقاق الثالث فلابد أن تقوم به، وتكون حاسمة فى تعديل القوانين ومراعاة آراء القوى السياسية، والتى قدمنا خلالها تعديلات ومجموعة من القوانين والاقتراحات تخدم الحياة السياسية والعملية الديمقراطية، ولكنها «حبيسة الأدراج». فيما خفف نبيل زكى القيادى بحزب التجمع من حدة الانتقاد السياسى للحكومة، وقال إنهم بحالة طوارئ واجتماع دائم استعدادا للسباق البرلماني، سواء قبل شهر رمضان أو بعده، لكننا نرى أن الانتخابات لن تتم إلا بعد هذا الشهر لأن هناك اجتماعا بعد غد مع بقية القوى السياسية والأحزاب مع رئيس الوزراء لمناقشة باقى الاقتراحات، ولن ندرى هل هو الأخير أم هناك اجتماعات أخري..؟ وبعد ذلك تقوم اللجنة بالأخذ بهذه الاقتراحات ومناقشتها وعرضها، والتصديق عليها كل هذا يأخذ وقتا.وأضاف زكى أن حزب التجمع فى أثناء حضوره مع رئيس الوزراء وجد رؤى مختلفة وآذانا صاغية لتقبل ما تطرحه الأحزاب، خاصة فى تقسيم الدوائر إلى 8 قطاعات، لكن تصريحات وزير العدالة الانتقالية المتناقضة معها جعلتنا نقلق بعض الشىء، ولكننا بانتظار اجتماع الثلاثاء وما سينتج عنه من أفكار وآراء. فيما اعتبرحزب الجبهة الوطنية إجراءها قبل رمضان فرصة مواتية لإنهاء الاستعدادات الداخلية لهذا الاستحقاق الانتخابي، وأكد المستشار يحيى قدرى النائب الأول لرئيس حزب، عضو المجلس الرئاسى لائتلاف الجبهة المصرية أن الائتلاف لديه العديد من الترتيبات الجاهزة للانتخابات البرلمانية بالفعل، فأمور اختيار المرشحين ودعمهم وتخطيط الدعاية الانتخابية قد تمت مناقشتها من قبل ولن يكون التغيير عليها طفيفًا مما يجعل المدة المقبلة قبل إجراء الانتخابات كافية. إلا أنه حسب تأكيده لا يتوقع أن يكون رمضان موعدا نهائيا، إنما سيحدث تغيير فيه حسب تطورات الأوضاع بمصر حسب توصيفه. فيما أكد مروان يونس، عضو الهيئة العليا أن حزبه مع إجراء الانتخابات البرلمانية سريعًا حتى يتم تنفيذ الاستحقاق الثالث من خارطة المستقبل المصرية، والتى تؤدى بدورها إلى استكمال بناء الدولة، وأن تأكيدات محلب بإجرائها قبل رمضان يعكس اجتهاد الدولة لإنجاز هذا الاستحقاق أنه شعر بهذا الشعور خلال لقاء الخميس. فى حين توقعت نور الهدى زكى عضو تحالف «صحوة مصر» أن الانتخابات البرلمانية لن تتم إلا قبل شهرى أغسطس أو سبتمبر، فرئيس الجمهورية عبد الفتاح السيسى أعطى مهلة شهر لتعديل القوانين التى بها «عوار دستوري» وحكمت الدستورية العليا بعدم دستوريتها، ومع ذلك انتهت المهلة المحددة وبدأنا نرى اجتماعات للقوى السياسية والأحزاب مع رئيس الحكومة للنقاش وطرح تعديلات على بعض القوانين والقوائم الانتخابية، وشاهدنا ما شاهدنا من آراء وعدم توافق بين الأحزاب، وفى النهاية نجد أن اللجنة التى قامت بوضع القوانين الانتخابية ، ووضعتنا فى هذا المأزق هى التى ستقوم بالتعديل، فهذا ليس منطقيا بالمرة. وأضافت زكى أن الإجراءات الناظمة لانتخابات مجلس النواب الأخرى سيتم الطعن عليها مستقبلا، لذا يجب أن تكون هناك نية صادقة وقوية من الدولة والحكومة لتعديل جميع القوانين حتى لا يتم الطعن عليها بعد الانتخابات أيا كان توقيتها، ومنها قانون مزدوجى الجنسية، وانتقال المرأة من ترشحها كمستقلة ونجاحها فى الانتخابات إلى أحد الأحزاب. واتهمت نور الهدى القوى السياسية بكونها لا تريد سوى تحقيق مصالحها بالوقت الراهن، والاستحواذ على أكبر عدد من المقاعد بالبرلمان دون الالتفاف لمشاكل وهموم المواطن والذى يريد استكمال الاستحقاق الثالث من خارطة الطريق، وهذا ما تم من خلال طرحهم لتقسيم القوائم إلى ثمانية بدلا من أربع. فيما رأى الدكتور عمرو الشوبكى الأمين العام لتحالف الوفد المصري، إنه من الأفضل إجراء الانتخابات البرلمانية بعد شهر رمضان حتى لا يحدث أى انقطاع خلال فترة إجراء الانتخابات البرلمانية، مضيفا أنه يفضل ألا يحدث أى انقطاع كبير بين المرحلة الأولى والمرحلة الثانية من الانتخابات. كما استبعد تكتل القوى الثورية إجراء الانتخابات قبل رمضان، واعتبر أن تصريحات محلب غير دقيقة، رجح أمين عام التكتل صفوت عمران أن التعديلات الدستورية على قوانين الانتخابات تحتاج لمدة طويلة لن تقل عن 3 أشهر خاصة فى ظل خلافات بين لجنة التعديل بقيادة المستشار الهنيدى وزير العدالة الانتقالية والأحزاب، فاللجنة لديها تحفظات وترفض إجراء تعديلات واسعة على القوانين بينما ترفض الأحزاب هذا التوجه وتتمسك بإدخال تعديلات جذرية على تلك القوانين ما سيمد مناقشة تلك التعديلات مدى زمنى أكبر، قبل التوافق عليها ورفعها للحكومة لإقرارها وإرسالها لقسم الفتوى والتشريع بمجلس الدولة للموافقة عليها قبل عرضها على الرئيس لإقرارها بشكل نهائي. واعتبر أن إجراءات الانتخابات لن تتم قبل شهر أغسطس على أن يتم الاقتراع فى شهرى أكتوبر ونوفمبر القادمين على أفضل حال. وكما كشف عن وجود اتجاه لزيادة مقاعد البرلمان إلى 600 مقعد مقسمة إلى 450 فردى و120 قائمة و30 يعينهم الرئيس لافتا إلى أن الخلاف حول المقاعد الفردية ما بين العودة إلى دوائر 2010 فى الفردى بمعدل مقعدين لكل دائرة وهى 222 دائرة مع استحداث 6 دوائر جديدة، أو زيادة 30 مقعدا على الدوائر التى ظلمت فى التقسيم السابق ويتم الإبقاء على دوائر المقعد والمقعدين والثلاثة مقاعد، وان كان الأقرب العودة لدوائر 2010، كما سيتم تقسيم القوائم إلى 8 قطاعات متساوية بمعدل 15 مقعدا لكل قطاع بدلا من التقسيم السابق الذى كان يضم 4 قطاعات فقط، مشيرا إلي الأقرب رفض اقتراح بعض الأحزاب بتقسيم الدوائر 50% فردى و50% قائمة حيث أن توسعة الدوائر الفردية سيفتح الباب أمام عودة الإخوان والحزب الوطنى فى ظل تفتت القوى المدنية. ووصف محمد سامى رئيس حزب الكرامة، توقيت رمضان، بكونه توقيتا إجباريا لن يكتب له النجاح وأعتبر أن الانتخابات لن تتم إلا بعد عيد الفطر مشيرًا إلى أن دخول المدارس واستعداد الشعب لشهر رمضان المعظم سيحول دون إتمام العملية الانتخابية للبرلمان المقبل. ويكشف هذا الجدل فى شق هام منه جزءا من افتقاد الثقة بين الأحزاب والحكومة، فكل منهما يلقى بالمسئولية على الآخر فى تضييع الوقت والارتكان لرفاهية الانتظار السياسي، فكلاهما على حق، لكون المسئولية هنا شاملة، والخاسر استكمال إجراءات الانتقال السياسي.