أخذت «الأمية» مساحة عريضة من البحث والاهتمام.. وانعقدت المؤتمرات لمناقشة القضية.. واستُحدثت الادارات الخاصة بمحو الأمية وتعليم الكبار.. وقامت الدولة بتمويل البرامج للحدَّ من استشراء الأمية ودفْع المواطن إلى اكتساب القدرة على المساهمة فى مجريات الحياة بوطنه.. ورحنا نعقد الآمال على هذه المجهودات لعَّلنا نزيل وصمة تلحق بنا وعائقا يقف فى طريق التقدم.. ونبنى قدرات أهدرتها الأمية ومدارك لم تقو على معايشة ما يطرأ من متغيرات فى قضايا السياسة والثقافة والدين وأن نستعيد الوعى بآداب الحوار لتخرج من دائرة «العراك» كلما تحاورنا. رحنا نحلم بهذا البناء الجديد.. لكن الحلم الذى داعب العقول ظل غائبا.. فالاحصاءات تشير إلى أن معدَّل الأمية لم يتغير وأن الجهود المبذولة لحل المشكلة لم تُسفر عن شيء ذى بال.. فالتسرب من التعليم والارتداد إلى الأمية يمثلان عائقا متجددا ومتواصلا لتقليل نسبة الأمية فى مصر.. كيف ننجح فى حل المشكلة.. وكيف نسد الفجوات الهائلة فى جسد التعليم.. وما السبيل القويم والصادق لتجنيد الطاقات فى الفكر والتعليم والإعلام والممارسة اليومية لكى نقضى على الأمية؟ فالأمة المتعلمة هى «الأمة المتحضرة» وإن الإفادة من منجزات العلوم والمعرفة ترتبط بتمثلها وطرائق التعامل معها ووسائل استيعابها.. فلم تعد الأساليب الحديثة حكرا على أحد.. ولا وقفا على أمة دون أخرى.. وأصبح الجميع بدءا من العقل المفكر وحتى اليد التى تمسك بالآلة مطالبين بالتعرف على هذا الجديد وفق القدرة والوظيفة. ولعل المشهد السياسى الذى نعيشه الآن دليل على أننا نحتاج إلى وقفة وطنية تجاه هذه القضية.. فنحن نفتقد تجاهها الوعى بالمتغير الثقافى والسياسى والتربية السياسية والصدق فى العمل والأخلاق للهدف العام». إننا للأسف نقوم فى فورة انفعالية وإعلامية بحشد الجهود وإقامة الندوات وتدبيج المقالات واعلان التوصيات ويضم «الملف» ذلك كله.. ويضاف إلى غيره من الملفات التى عرفت طريقها إلى القبو المظلم.. إنه العيب الذى لم ننجح فى التخلص منه وهو الانفعال الذى يخبو كموجة عفيَّة سرعان ما تهدأ حتى إذا وصلت إلى الشاطئ ماتت. والأمية فى مجال الثقافة أكثر خطورة على العقل والهوية الثقافية للأمة.. وإذا كانت الأمية تعترض جوانب التقدم.. فإن قيم الثقافة هى أدوات العقل والحركة نحو المعارف وآليات السلوك. الأديب محمد قطب