اسم التفضيل: للمصريين ولع باسم التفضيل، ولهم في ذلك تعبيرات لطيفة وتشبيهات بليغة، أعرض للقراء أهمها؛ فهم يقولون: "أبرد من مية طوبة" يقولونه للسمج الثقيل الروح، وإنما اختاروا طوبة؛ لأنه أكثر الشهور بردا، وأهل الجزائر يقولون في مثله "أبرد من الثلج"، والعرب الجاهلون يقولون: "أبرد من عضرس" والعضرس البرد أو حب الغمام، والمولَّدون يقولون: "أبرد من استعمال النحو فى الحساب"، ويقولون أيضا: "أبرد من شيخ يتصابى وصبي يتمشيخ"، ويقولون: أبغض من وِش التاجر يوم كساد السوق"، وأصله مثل عربى وهو "أبغض من وجوه التجار يوم الكساد"، وفى مثله يقولون: " وأصله مثل عربي وهو ،"أبغض من ريح السدب للحيات يوم كساد السوق" والسدب محرفة عن السداب، وهو نبت زهره أصفر ورائحته ليست قوية، وهم يدعون أن رائحته تطرد الحيات والثعابين، ولذلك نجد في كثير من البيوت نبات السدب مزروعا في "القصاري"، وعلماء النبات والحيوان هم الذين يستطيعون أن يذكروا لنا الرأي الصحيح في ذلك، ويقولون: "أبخل من كلبة يزيد" ولم أدرِ من يزيد هذا؟ هل هو يزيد بن معاوية أم غيره؟ وربما كان أصل المثل أبخل من كلبة ميت يزيد، وميت يزيد هذه قرية من قرى المنوفية "مشهورة بالبخل"، وكلابها أبخل منها حتى يحكوا عن بخلهم وبخلها حكايات كثيرة. والعرب من قديم تصف الكلب بالبخل فتقول: "أقبح من قرد، وأبخل من كلب"، وفي ذلك يقول الشاعر: وأقبح من قرد وأبخل بالقرى من الكلب أمسى وهو غرثان جائع والعرب القدماء يقولون: "أبخل من مادر" ومادر هذا رجل من بني هلال، بلغ بخله أنه سقى إبله فبقي في أسفل الحوض ماء قليل، فبال فيه حتى لا ينتفع به أحد من بعده، ويقولون: "أثقل من جبل الجيوشي"، وهو جبل بالقاهرة قرب القلعة وتشبيه الثقل المعنوي بالجبل معروف مشهور، فأهل الجزائر يقولون: "أثقل من جبل" والعرب تقول: "أثقل من أُحد"، ويقولون: "أثقل من الكانون"، قال الحطيئة يهجو أمه: أغربالا إذا استودعت سرا وكانونا على المتحدثينا وقد اختلف الشراح في تفسير هذا البيت فقال قوم: إنه يريد بالكانون الموقد، وهو ثقيل؛ لأن العرب كانت تضع حجرين على الجبل وتوقد بينهما النار، فالجبل أحد دعائم الكانون، ومن أجل هذا سموه ثالثة الأثافي، وقال بعضهم: إنه يريد بالكانون شهر كانون؛ لأنه في قلب الشتاء. وللمصريين تعبيرات كثيرة في الثقل فيقولون: "أثقل من آخر يوم في رمضان"، و"أثقل من المطاب بالدين"، والموظف يقول: "أثقل من آخر يوم في الشهر"، والمرأة تقول: "أثقل من الحماة"، و"أثقل من أخت الزوج". وإذا شكت امرأة لأخرى قالت الأخرى لها: ""تشكين ولا حما ولا أخت زوج"، ويقول العامة أيضا: "ليس أثقل من الإنسان على الإنسان" وهم ينظرون في ذلك إلى قول الشاعر: عوى الذئب فاستأنست بالذئب إن عوى وصوَّت إنسان فكدت أطير ويقول شاعر في وصف ثقيل: وثقيل قال صفنى أنت فى الوصف جليل قلت قولا باختصار كل ما فك ثقيل ويقولون أيضًا في هذا المعنى: "أثقل من الهم على القلب" وهو تعبير ظريف، وبعضهم ينطقه "أكثر من الهم ع القلب". وفي عكس ذلك يقولون: "أخف من ريش النعام" يقولونه في الخفة واللطافة، يعبرون به عن الإنسان وعن الكلام وعن كل شيء ظريف، ويقولون: "أجوع من كلب العرب"؛لأن أغلب العرب الذين يسكنون على حدود المدن المصرية فقراء فكيف بكلابهم، وأهل الجزائر يقولون: "أزلط من فار الجامع" ومعنى أزلط منتوف الشعر، ومنه قول المصريين رأسه زلط؛ أي لا شعر فيها، ومثل قول أهل الجزائر قول الفرنسيين "أفقر من فأر الكنيسة"، والعرب تقول في ذلك: "أجوع من كلبة حومل" وحومل هذه امرأة من العرب كانت تجيع كلبة تحرسها، فكانت تربطها بالليل لحراستها وتطردها نهارا وتقول لها: التمسي لنفسك لا مُلتَمَس لك، فلما طال ذلك على الكلبة أكلت ذنبها، ويقولون: "أقل موال ينزه صاحبه" يعنون بذلك أن الإنسان إذا حفظ موالًا ولو كان تافهًا وأحبه كان سببًا في سروره إذا غنَّاه، ويقولون: "أَمَرُّ من الصبر وأَمَرُّ من الحنظل"، وأَمَرُّ هنا من المرارة، والصبر مادة مُرَّةٌ، وفي ذلك يقولون: "أَمَرُّ من الصبر سؤالك للئيم"، و"أمر من الصبر سؤالك لغير مولاك"، ويقولون: "أمسخ من الطبيخ الشايط"، والطبيخ الشايط هو الطعام الذي يحترق على النار فيسوء طعمه وتفسد رائحته، يضربونه مثلًا لكل شيء كريه لا طعم له ولا معنى له. وعلى الجملة فقد أولع المصريون والعرب من قبلهم باسم التفضيل جريا وراء المبالغة.