فى قلب عمليات التغير السياسى والاجتماعى العاصف والهادر بالعنف والإرهاب تطرح ولاتزال المشكلات الكبرى، والأزمات الممتدة والاحتقانات فى جسد الدولة العربية وهياكلها، ويمتد الجدل حول غالب القضايا الاجتماعية المزمنة، كالفقر وتهميش المعسورين، والتفاوت فى توزيع الدخل القومى على القطاعات الرئيسة فى التراكيب الاجتماعية، والخلل والتباين فى الإنفاق العام على جغرافيا الأقاليم التنموية كما فى المثال المصرى لصالح القاهرة والإسكندرية ومحافظات الدلتا، مع تهميش محافظات الصعيد.. الخ وهكذا عشرات القضايا والمشكلات فى القطاعات الصحية، والتعليمية المتدهورة، وأزمات المدن المريفة، والإسكان.. الخ.. ونادرا ما تطرح واحدة من أهم قضايا السياسة والتنمية، وهو وضع المرأة المصرية والعربية فى إطار عمليات الانتقال السياسى العنيف، والتى تمس المرأة ومكانتها الاجتماعية والسياسية على الرغم من أنها أحد أبرز محركات التغيير والتحول الاجتماعى. قامت المرأة السيدات والفتيات بدور بالغ الأهمية فى السعى إلى كسر القيود السياسية والأمنية والبيروقراطية على المجال العام السياسى فى مصر وتونس واليمن، من خلال حركتهن الجسورة الرامية للتحرر من الأغلال الذكورية فى الأسرة والمدرسة والجامعة والعمل والدولة والنظم السياسية التسلطية، وذلك من خلال الحركة النشطة على المجال العام الافتراضى/ الرقمى من خلال خطاب المدونات، ثم خطاب التغريدات على مواقع التفاعل الاجتماعى على تعددها، لاسيما الدور البارز الذى لعبته فتيات وسيدات «الطبقات الوسطى العليا»، والوسطى الوسطى، اللائى يمتلكن بعضا من رؤى التحرر، من خلال التفاعل النشط مع ما يجرى فى عالمهن الافتراضى الكونى من نظريات نسوية وما بعدها ومن استعاراتهن لهذه الأطر النظرية وتطبيقاتها على الواقع التاريخى للمرأة فى مجتمعات ودول جنوب العالم بعد شماله. من هنا نستطيع القول إن دور بعض الطلائع النسائية الشابة فى الإطلالة على رؤى التحرر ما بعد النسوى فى التراث النظرى والتطبيقى الغربى وفى شمال العالم، مدّ بعضهن بأدوات وأسلحة ومناهج للتحليل رائدة أضفت على أفكارهن ومقارباتهن ثراء وعمقا سمح لهن بأن يطرحن روئ عميقة فى السياسة المصرية وفى بعض البلدان العربية كتونس والمغرب والجزائر. من ثم قامت الطلائع الشابة من الفتيات العربيات المجيدات بدورهن فى تحريك الركود السياسى المصرى فى ظل نظام مبارك، والتجريف الذى قام به لهن، وللكتلة الجيلية الشابة من الذكور أيضاً. تمثل هذا الدور البارز فى قيامهن بإنتاج خطاب التغريدات وقبله خطاب المدونات النقدى الذى تبنى منظومات حقوق الإنسان، ونقد الفكر الدينى المحافظ والمتزمت إزاء المرأة، ونقد النخب السياسية العجوز التى أزاحت الموهوبين والأكفاء من الأجيال الشابة، واستبعادهم على نحو ممنهج من نظام التجنيد للسياسة وللمواقع القيادية فى الدولة، بل وحجب الفرص السياسية والثقافية عنهم. ثمة دور بارز لعبته طلائع من الفتيات والسيدات فى التعبئة والحشد السياسى على الواقع الافتراضى، وفى استثارة نخوة، بعض الشباب فى ضرورة التحرك سعيا وراء التغيير السياسى والاجتماعى الإصلاحى، الذى تطور بعد 25 يناير 2011 إلى منحى ثورى يهتم بالسياسة والعدالة الاجتماعية والتغيير الهيكلى الشامل للدولة والتعليم والصحة من خلال الثقافة المدنية الحديثة وما بعدها. أن هذا الدور البارز لم يقتصر فقط على الخطاب النقدى على الواقع الافتراضى، وإنما امتد للتحرك والدعوة إلى الإضراب العام فى 2008، ثم الفعل السياسى من خلال التظاهرات التى تمت فى 25 يناير 2011 وما بعد، وتصدرهن حركة وسياسة الشارع والميادين فى التحرير وفى غالب المدن المصرية. استمرت هذه الأدوار وتعرضن للايذاء والضغوط، وبعض أشكال التحرش الوقح والبذىء ولم ينل ذلك من عزمهن الأنثوى والسياسى فى ضرورة المشاركة الفعالة. إن دور المرأة المصرية والتونسية بالغ الأهمية خلال السنوات الانتقالية.. المصريات لعبن دورا محوريا فى رفض ونقد نظام جماعة الإخوان المسلمين، وكن من طلائع أحداث 30 يونيو وما بعد. التونسيات كن القوة السياسية والاجتماعية التى أدت إلى تغيير نظام النهضة من خلال قوتهن التصويتية الفاعلة، واختيارهن لحزب نداء تونس العلمانى الذى يرفع لواء الدولة المدنية الحديثة. التونسيات يشكلن عصب الطبقة الوسطى المتعلمة، وتحركن دفاعا عن حقوقهن التاريخية التى شملت إصلاحا تاريخيا لقانون الأسرة، ودورهن الاجتماعى والثقافى التحررى، منذ دولة الحبيب بورقيبة. أصبحت المرأة العربية منسية وحقوقها وأوضاعها متردية فى عديد البلدان على الرغم من ارتفاع نسب تعليمها الجامعى وما بعده، ودورها فى إعالة وتأنيث بعض الأسر العربية.. الخ. أن أوضاع المرأة العراقية والسورية بالغة الخطورة فى ظل اضطراب الأوضاع السياسية، والهجرة القسرية للملايين خارج البلدان وتعرضهن لعسر الحياة وغياب فرص العمل والحياة اللائقة فى حدودها الدنيا. لا شك أن وضعيات المرأة العربية فى مناطق الاضطراب والعنف السياسى والدينى باتت بالغة الخطورة، وأدت إلى الإساءة إلى القيم الإسلامية الفضلى، على نحو يتطلب ضرورة الدعوة إلى مؤتمر عربى وعالمى للدفاع عن المرأة العربية ودراسة أوضاعها المتغيرة والخطيرة يمكن أن تتبناه الدولة المصرية، أو الجامعة العربية. إن هذه الأوضاع الخطيرة تدهم المرأة العربية، بينما بعضهن على قلتهن حققن انجازات أكاديمية وعلمية بارزة، وأخريات يتصدرن المشهد السردى والروائى العربى باقتدار، وبعضهن يبدعن أبرز ملامح قصيدة النثر العربية ومع ذلك تبدو قضايا المرأة منسية فى أروقة النخب السياسية الفاشلة، وفى دهاليز الأحزاب الكرتونية التى غادرها الفكر الخلاق، والفعل السياسى والحركى المبدع. لمزيد من مقالات نبيل عبدالفتاح