حرام وألف حرام أن تهدر ثروتنا البشرية بهذه الصورة العبثية بدون أن نقدر على وضع حد لهذا النزيف المستمر، الذى يعد أشد فتكا وخطرا من الإرهاب الجبان المتربص بمصرنا وشعبها. فنحن ندور فى دائرة مفرغة، فلا يكاد يمر يوم دون وقوع حوادث سيارات مفجعة تزهق فيها أرواح الآلاف سنويا قرابة 13 ألف شخص ، ورد الفعل أصبح محفوظا عن ظهر قلب، حملات مرورية على الطرق السريعة للكشف عن السائقين الذين يتعاطون المخدرات، وما إذا كانت رخصتهم سارية أم منتهية، والختام يكون بتصريحات نارية للسادة المسئولين يؤكدون فيها نيتهم الصادقة الخالصة تطبيق قانون المرور بصرامة، ثم تذهب السكرة، ونمضى فى حال سبيلنا، وتعود ريمة لعادتها القديمة إلى أن نستيقظ على فاجعة مروعة مؤلمة ككارثة المريوطية التى وقعت أمس الأول السبت». ومما يزيد الحسرة والألم أن المعدلات العالمية لحوادث الطرق هى 20 قتيلا لكل 100 كيلو متر، بينما تصل فى المحروسة إلى 131 قتيلا، تلك الأرقام المفزعة الدالة تفرض على الدولة وقفة جادة مع النفس الآن وليس غدا، وأن تتمخض تلك الوقفة عن خطوات عملية تنقذنا من حوادث السيارات بأسرع وقت ممكن. فالدولة مسئولة مسئولية كاملة عن حماية أرواح مواطنيها، فالقضية تمس الأمن القومى ولا تهاون فيها، والتقاعس عن علاجها يشكل جريمة تستحق العقاب الشديد. وبداية الاصلاح ستكون من اجابة الحكومة على التساؤل التالي: هل طرقنا مطابقة للمواصفات الدولية، وتتوافر فيها اشتراطات الأمان والسلامة المتعارف عليها فى دول العالم؟ حالة الطرق فى مصر بائسة، فهى مليئة بالعيوب والتشققات، ويفتقد معظمها العلامات الارشادية، بالاضافة لعدم وجود خدمات الاسعاف والمطافئ وخلافه. فحادث المريوطية لم يكن الأول فقد سبقة عدة حوادث فى الجزء الذى سقطت فيه السيارة المنكوبة لترعة المريوطية، اذن يوجد فيه عيب ما فى التصميم لم يتم تداركه، وحتى عندما تقرر توسيع الطريق الدائرى فى الاتجاه المؤدى للسادس من أكتوبر، للتخفيف من الاختناقات المرورية ، فإن الجهة المنوط بها التنفيذ خلفت وراءها بقايا الحفر، ناهيك عن عدم استواء الطريق، فكيف تم تسلمه بهذا الوضع الذى لا يمت بصلة بهندسة الطرق، فالطريق أقرب للعبة «السلم والثعبان»، حيث يتعين عليك الدوران واللف تفاديا للمطبات والحفر. وبالمناسبة هل من العدل والانصاف بقاء ترعة المريوطية الكائنة قرب اهرامات الجيزة، المعلم السياحى الأشهر، والاكتفاء بتغطية بعضها وترك بقيتها لاستغلاله كسلة مهملات تلقى فيها الحيوانات النافقة، والزبالة، ومخالفات البناء، وماذا عن موقف المحافظة والحكومة حيال ذلك؟ ونأمل مراعاة شروط السلامة والأمان عند مد شبكة الطرق القومية الجديدة البالغ طولها ثلاثة آلاف كيلو متر، وأن تزود باعمدة انارة كافية، وأن تضاء بالليل وليس فى وضح النهار. اما عن غياب الصيانة الدورية فحدث ولا حرج، فهى فريضة غائبة، فلو كانت موجودة ومتواصلة لما ساءت أحوال الطرق، ومواصلاتنا العامة، وما آل إليه مترو الانفاق شاهد حى على عدم اكتراثنا بها، فالتفكير لا يتجه إليها إلا حينما تقع الحوادث الناتجة عنها، وللأسف تجرى بصورة تجميلية، أو لنقل لإثبات أنها فاعلة مع أن الكثير منها يتم على الورق وليس على أرض الواقع، ونقص التمويل ليس عذرا ولا مبررا، فموازنات الوزارات وبالذات وزارة النقل يتحتم أن تتضمن بنودا للصيانة الدورية، ومحاسبة من يهملها ومعاملته كشريك فى ارتكاب جريمة استنزاف قوتنا البشرية «الكنز الواجب المحافظة عليه وتنميته». والباعث على الغضب والاستفزاز سماح المحليات بالبناء على جنبات الطرق السريعة، فعلى مدى اليوم يعبر نهر الطريق البشر والحيوانات، ثم تقع الكارثة، ويتجمهر الناس مطالبين بكوبرى علوي، وبعد انشائه لا يستخدم. الاصلاح أيضا لن يتحقق بدون صياغة برنامج صارم يحدد اجراءات منح رخصة القيادة التى يحصل عليها بعضنا دون أن يغادر منزله، خصوصا فى الأرياف، فسهولة الحصول عليها بالرشاوى والاكراميات يعنى تهديد حياة اهلنا، كيف لا ونحن سمحنا لشخص يتصف بالرعونة وعدم اجادة القيادة بالجلوس خلف مقواد السيارة. فحياة الناس ثمينة وعلى الحاصل على رخصة القيادة استيعاب تلك الحقيقة، ولا تزال ترن فى اذنى عبارة سمعتها قبل سنوات عديدة من ضابط مرور ياباني، عندما كان يسلمنى رخصة القيادة بعد اجتيازى الاختبار فى المرة الثالثة لخوضه،: « حياة المواطن اليابانى غالية، ولا نملك رفاهية التفريط فيها، فرجاء قد سيارتك بحذر والتزام». وجانب من واجب الشرطة منع السيارات المتهالكة المستخدمة على وجه الخصوص فى المناطق الشعبية والعشوائية ويقودها فى الغالب أطفال صغار لا يعيون من أمرهم اى شئ، وكذلك المملوكة لوزارة الداخلية، وأن يكون التأمين على السيارة الزاميا وليس شكليا كما هو حاليا، حينها سيحرص كل مالك سيارة على الانصياع وعدم الاضرار بالآخرين. إن تقدم مصر الحقيقى سيتم انجازه، إذا نجحنا فى معالجة أزمة المرور، ذلك الداء الذى عجزنا عن مواجهته، ويجب أن تصبح هذه المهمة شغلنا الشاغل، إلى جوار اخراج اقتصادنا من كبوته، وتذكروا مقولة احد رؤساء وزراء إسرائيل الذى قال صراحة إنه على إسرائيل الانزعاج والقلق إذا نجحت مصر فى التغلب على أزمة المرور، فحافظوا على دماء وأرواح المصريين من أجل بناء مستقبل أفضل. لمزيد من مقالات محمد إبراهيم الدسوقي