نبضة إلهية غامرة كبيرة ينبض بها قلبى, ولايشعر بها غيرى.. تغمرنى بالحب والحنان, فأمنحه طاقة لمن حولى, فتمنحهم بعضا من السعادة, فأغفو كل ليلة على وسادتى مرتاحة البال.. نبضة غالية تسير كمجرى الدم فى نفسى, علمتنى القيم فى الأيام الخوالى, ولم تبارحنى حتى الآن, فوددت لو أعلمها لكل من أصادفه, وفى كل مدرسة, وللعامة فى الشارع, ولآخر نفس فى صدرى لأجيال وراءأجيال.. نبضة غالية تدق فى رأسى دقا, تحثنى على حب الوطن دوما, فأكتب عن هذا الوطن الغالى الذى لم أحب غيره, ولم أبرح ترابه يوما, وأتطرق فى حبه شعرا فى كل مقال. إنها أمى العظيمة التى علمتنى كل ذلك - ربة البيت - والتى قلما فارقت الكتب والجرائد يدها, وبحكمتها وحنكتها, وبشكيمتها القوية ساعدت في العمل السياسى التطوعى, وربت سبعة من الأبناء، التى كانت تخدمهم صباح مساء، فأمى التى رحلت منذ خمسة عشر عاما لم ترحل ولم تبرح روحى، فمثلها لاينسى حتى لوكان لديها الزوج والأبناء . وفى كل عيد أم أجلس معها جلسة خاصة جدا فى خلسة من أسرتى الصغيرة، وعندما يقدم لى أولادى الهدايا ويقبلوننى, يهتز كيانى, وأتذكرها بحضنها الذى لايشبهه أى حضن، وكلامها الذى لايشبهه أى كلام، وصوتها الذى لايشبهه أى صوت، ودعائها الذى لايشبهه أى دعاء، وأتذكر عندما كنت صغيرة –وحتى فى صبايا- عندم كنت أطوقها كانت تزيح ذراعى عنها وتقول: ستخنقيننى بحبك, فكنت أغافلها وأمسك بطرف جلبابها حتى أستطيع النعاس. أمى.. وأبلة الناظرة وكان أبى - رحمه الله- يسعى سعيا حثيثا لنحيا حياة كريمة, ولكنها كانت الواعية على بناتها الخمس، وكم من مرة أتلفت فأجدها أمامى فى الفصل تتابع تقدمى، وعندما ينادى باسمى في الفصل أن هناك من يستدعينى وبسرعة عند أبلة الناظرة، أجدها بأناقتها المعهودة وشعرها الفضى القصير - حتى كانوا يظنون أنها الست المفتشة- وبوجهها الأبيض الباسم تأخذنى لنكمل معا باقى اليوم في نزهة خارج المدرسة، وفى شبابى وتدربى بجريدة "الأهرام" كثيرا ما كانت تجرى خلفى حتى لا أذهب دون إفطار لتضع البيض المسلوق فى فمى, وكوب اللبن من ورائه حتى لاأصاب بالدوار. وعندما تزوجت, وذهبت لأضع مولودى كانت عجوزا, وأكدوا أننى سأنجب أنثى، كانت خلفى, وفوجئت أنه صبى جميل، حملته عنى فرحة, رغم مرضها, وقامت على خدمتى حتى تعافيت. ماذا أقول عن أمى الراحلة في عيد الأم - وكل الأمهات الراحلات- لايسعنى ومع السيدات فى مثل عمرى إلا الدعاء مع الدموع المنسابة مع الذكريات, التى تخصنا وحدنا, وقد لايعلم عنها الأبناء شيئا، وقد يتذمرون ولايطيقون حتى سماعها.. رحمك الله يا أمى, وليكن الله فى عون كل الأمهات اللاتى رحلت أمهاتهن, عندما يسمعن أغنية فايزة أحمد الرائعة, التى تهز الوجدان, والتى تردد فيها كلمات أغنيتها الشهيرة.."يارب يخليك يا أمى..ياست الحبايب ياحبيبة". "رحمك الله يا أمى..ياست الحبايب ياحبيبة".