إن حضارة بلاد الرافدين والحضارة الآشورية من أعرق الحضارات ، وترجع الى 7000 سنة قبل الميلاد، مثلها مثل الحضارة الفرعونية التى تعد الوحيدة الباقية الشاهدة على عظمة دولة شرقية إسلامية.. فهى حضارات تشهد على عظمة الخالق عز وجل وعبرة لكيفية تعمير الإنسان فى الأرض...فكيف تطمس باسم الإسلام ؟ ويقول الله عز وجل فى كتابه فى سورة العنكبوت آية 20 «قل سيروا فى الأرض فانظروا كيف بدأ الخلق» وفى سورة الأعراف آية 185 يقول تعالي: «أو لم ينظروا فى ملكوت السموات والأرض وما خلق الله».من هنا نرى كيف يحثنا القرآن ويدعونا الى قوة الملاحظة والتدبر والتفكير، وقد دعانا عز وجل أن نتخذ من قصص السابقين عظة وعبرة وأن نستفيد من سرد سيرتهم، ولم يأت فى أى آية قرآنية ما يحرم التصوير وصناعة التماثيل، فى حين أن عددا من الأحاديث الشريفة جاء واضحا فيه كره وتحريم صناعة التماثيل، وقد اعتبره العلماء خوفا من الردة وهم حديثو العهد بالإسلام. وما يؤكد عظمة الإسلام فى هذا الشأن، أن مصر حينما فتحت على يد عمرو بن العاص لم يمس الآثار بسوء سواء معبدا أو تمثالا، بل بنى مسجد أبى الحجاج فى حرم معبد الأقصر.كيف يدعونا عز وجل بالسير فى الأرض والبحث عن آثار الأمم ويدمر بشرا باسم الإسلام آثار وحضارة شعوب؟ ..كيف يذكر الله فى كتابه قصص« عاد وثمود ومدين وتوضح الآيات الكريمة الازدهار الحضارى الذى عاشوا فيه والمساكن والقصور لنتعظ ونعتبر بقصص الأسلاف...ثم يطمس آخرون سيرة حضارات وشعوب؟ إن الإسلام صريح فى توضيح تحريم عبادة التماثيل وأن يسترجى منها خير أو شر كما فى سورة الأنبياء آية 51-59، ولم يكن يوما يأمر بتدمير حضارات البشر الذين خلقوا ليعمروا فى الأرض. إن فن النحت الإسلامى لم يكن مماثلا للنحت المصرى أو الإغريقى فكان أغلبه محورا عن الطبيعة التى تصور مجردة ، ولم ترتبط التماثيل الإسلامية بالدين والتقاليد الجنائزية حيث إنه لم يكن فنا دينيا وإنما فنا دنيوى وهى تماثيل غير مثقلة بمعان أو رموز بل تعبر فى بساطة عن الحياة اليومية، وقد خرج النحت الإسلامى من البيوت والقصور الى الميادين العامة، وعرفت تماثيل الحلوى والحقول وجميعها يثير البهجة. وقد ظهرت التماثيل الآدمية والحيوانية والطيور فى الفترة من القرن 4 حتى 6 هجرى (10م/12م)، فنجد ان حسن الباشا فى كتابه »المنطق« قد ذكر انه فى صحراء الشام عثر على تماثيل آدمية لنساء ورجال مشكلة بأسلوب محور وهى تعد أقدم نماذج للنحت الإسلامى فى العصر الأموى (41 132ه/ 661- 750م)، كما ورد فى مجلة الحوليات الأثرية 1906م مقالا عن سليم عادل عبد الحق بعنوان «فن الحدائق عند العرب» إن القصور فى العصر العباسى (132 656ه/ 750 1258م) كانت حدائقها تتميز بالترف وتنتشر الصور والتماثيل فى أرجائها. ويذكر ثروت عكاشة فى كتابه «التصوير الإسلامى الدينى والعربى» أنه جاء فى تأسيس مدنية بغداد (145 147ه / 763- 752م) ان المنصور بنى المدينة و قبة خضراء فوق إيوان الجامع وعلى رأس القبة تمثال على صورة فارس فى يده رمح، وسميت القبة والتمثال باسم «تاج البلد» وقد تحطم التمثال فى 336ه /941م. ويرد عن المقريزى ان باب الصلاة فى قصر أحمد بن طولون و الذى كان يخرج منه الى مسجده كان عليه تمثالان لأسدين من الجص ولذا سمى «باب السباع»، كما يذكر المقريزى أن خمارويه- ابن طولون كان له حجرة فى اتجاه مدرسة الكاملية (مسجله أثر رقم 428) بأن جدرانها مزينة بتماثيل هناك العديد من الامثلة التى ذكرتها المصادر والمراجع لتوضح النهج الإسلامى وموقفه من التصوير والنحت. فالإسلام بما فيه من تسامح شجع المسلمين على العناية بالفن الجميل وكل ما يتصل بمباهج الحياة ما دامت لا تتعارض مع أصول الدين، وحث الإسلام والقرآن المسلمين على التأمل والإبداع، ففى صورة القصص آية 77 قال تعالى: «وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة ولاتنس نصيبك من الدنيا وأحسن كما أحسن الله إليك» و فى سورة الاعراف اية 37 قال عز وجل: «قل من حرم زينة الله التى أخرج لعباده والطيبات من الرزق». وإذا رأينا راى المسيحية فى التصوير والنحت، فنرى انه كانت تؤدى وظيفة تعليمية ووعظية كتصوير قصة السيد المسيح على جدران الكنائس وفى الكتب الدينية. أما بالنسبة لموقف اليهودية فى صناعة التماثيل، فقد حرمت عبادتها. وقد جاء فى أسفار اللاويين وسفر الخروج يؤكد موقف اليهودية العدائى من فن النحت والتصوير. وورد فى سفر الخروج »لا تضع لك تمثالا منحوتا، ولا صورة مما فى السماء من فوق وما فى الأرض من تحت، وما فى الماء من تحت الارض ولا تسجد لهن ولا هن لأنى انا الرب الهك اله غيور. فالإسلام دين واسع الأفق دين السماحة والابتكار والحث على العلم، لم ولن يكون أبدا أداة هشة فى ظل بدعة من بدع الغرب. إن ما يحدث من طمس للحضارة الشرقية القديمة جرم كقتل النفس البريئة . لمزيد من مقالات د. إنجى فايد