بماذا خرجنا من المؤتمر الاقتصادى فى شرم الشيخ؟ فزنا بصفقات واتفاقيات اقتصادية بمليارات الدولارات، ومواقف ناصعة الوضوح عبرت فى مجملها عن ثقة دولية واقليمية متزايدة فى صحة المسار الذى تنتهجه مصر، وفى سياساتها الاصلاحية المعلنة فى الآونة الأخيرة، استعدنا وهج وبريق مكانتنا وتأثيرنا فى المنطقة وما يتصل بها من ترتيبات ترمى للمحافظة على أمنها واستقرارها، وحصدنا اعترافا لا لبس فيه بأننا نخوض معركتنا مع الإرهاب والتطرف ليس حماية لأمننا القومى، وإنما صيانة لأمن ومستقبل الأمة العربية، فمصر تمثل العمود الفقرى الذى إذا اصيب - لا قدر الله - بمكروه فإن العرب سيعانون معاناة لا حدود لها. لكن التساؤل الملح، ماذا بعد شرم الشيخ؟ فالمؤتمر يعد حدثا فارقا واستثنائيا فى المشهد المصرى بعد ثورة 30 يونيو، وشأنه شأن احداثنا المصيرية هل سنكتفى بالكلام عن الانجاز الباهر الذى حققناه من خلالها، ام ستتجه ابصارنا واسماعنا لتعظيم الاستفادة منه وما نتج عنه من زخم ودعم اقتصادى وسياسى فاق التوقعات، فمشكلتنا التاريخية المزمنة حتى الآن أننا لا نحسن استغلال الفرص المتاحة، فنحن مطالبون بألا تفتر الهمة، وأن توضع خطة تنفيذية واضحة للمشروعات التى تم الاتفاق عليها، وجزء من هذا البرنامج يرتبط بالشفافية، إذ أن المصريين سينتظرون بفارغ الصبر ثمار ومردود المؤتمر على ظروفهم واحوالهم المعيشية، ولاشعارهم بالجدية يجب أن نطالعهم شهريا بما انجز، والعقبات الحائلة دون الالتزام بالجدول الزمنى الموضوع وما توفر من وظائف وفى اى مجالات، مثلما نفعل مع قناة السويس الجديدة. ففى نهاية كل أسبوع يعقد المسئول عن القناة الجديدة مؤتمرا صحفيا يحدد فيه بشكل دقيق معدلات وتطورات شقها. هذا الاجراء سيقطع الطريق على المشككين والمغرضين وأصحاب الهوى - وهم كثر - الذين يكرهون مصر ولا يريدون رؤيتها تتقدم خطوة واحدة للامام، فضلا عن أنه سيزيد من حجم ومساحة المصداقية والثقة فى الحكومة والنظام ككل، خاصة وأننا أمام قيادة تولى اهتماما فائقا، لا تخطئه العين المتابعة، بالمكاشفة والمصارحة، اتضح ذلك جليا فى كلمة السيسى بختام المؤتمر والبعد عن المنهج الذى ظل سائدا فى عهود سالفة بتجميل الصورة من الخارج، بينما ينهش الفساد وسوء الادارة اعمدة مؤسسات الدولة. ولذلك علينا الانتباه لحقيقة أن نجاحنا فى المرحلة القادمة سيكون مرهونا بتحطيم اصنام الروتين التى كثيرا ما كانت سببا جوهريا فى اعاقة جهود التقدم والتحديث قديما وحديثا، وكسرها لن يتأتى فقط باصدار تشريعات وقرارات، بل بتطبيقها بصرامة ومعاقبة المخالفين من الموظفين، لاسيما فى المحافظات خارج نطاق القاهرة الكبرى. فالموظف البيروقراطى بالمحليات بمقدوره عرقلة مشروعات حيوية بتمسكه بالروتين واللوائح البالية العقيمة دون أن يضع فى حسابه الصالح العام، وحتى يفعل ذلك عن طيب خاطر فعلينا تحسين بيئة عمله ودخله لتحصينه من الوقوع فى براثن الفساد والفاسدين. ولكى يحس المواطن بأن عائد وخير ما حدث فى شرم الشيخ على مدى ثلاثة أيام سوف يشمله ولن يقتصر على الأغنياء وحسب، كما تروج أبواق جماعة الإخوان الإرهابية، فمن الضرورى توجيه جانب من الاستثمارات لقطاع التعليم، حتى نعزز ثروتنا البشرية المحتاجة للتطوير وتصبح اضافة وليس نقمة، فالتعليم يبقى المفتاح السحرى لنجاح واخفاق تجارب النهوض على مر العصور. فلدينا نقص حاد فى عدد المدارس مع الزيادة السكانية الرهيبة، والنقص يمتد أيضا لتجهيزاتها، فمعظم دول العالم توظف التكنولوجيا الحديثة فى مدارسها، فى حين ما زالنا نعتمد على الكتاب المدرسى الذى يطغى عليه احيانا التوجهات الدينية والسياسية لمؤلفه، وتلك جريمة نكراء، فنحن نود تربية اطفالنا وشبابنا على ارضية وطنية تعلى من قيمة الوطن، وتفتح مداركهم وعقولهم لتقديم أفضل ما عندهم من افكار وليس الحجر عليها. كما اتمنى أن يكون من بين الاستثمارات الجديدة إعادة تدوير القمامة، فعيب وألف عيب أن تعجز دولة بحجم وقامة مصر عن التغلب على هذه المشكلة المستعصية، فالمحروسة يلزمها استفادة رونقها وجمالها الباهر الذى محته جبال وتلال الزبالة فى شوارعنا لا فارق فى ذلك بين حى رق وآخر عشوائى، فالكل فى هم القمامة سواء، فما المانع أن تقام مصانع لتدوير القمامة فى محافظاتنا؟ فمن جهة ستخلصنا من مظهر غير حضارى، ومن جهة أخرى ستتيح وظائف لمئات العاطلين فى الاقاليم والذين تضطرهم ظروفهم للنزوح للقاهرة وغيرها من مدننا الكبرى بحثا عن عمل، وينتهى بهم الحال لافتراش الارصفة، ومن ثم تفاقم أزمة الباعة الجائلين التى تشوه الحاضر والماضى، فوسط البلد الذى كان فى الأيام الغابرة واحة للترويح عن النفس، والاستمتاع بطرز معمارى فريد، تحول إلى سويقة يسيطر عليه البلطجية من كل حدب وصوب. وحبذا لو أن النشاط الاستثمارى امتد كذلك للنيل الخالد لتطهيره من خطيئة التلوث والتعدى المستمر على ضفافه من أسوان حتى مصبه، وأن تستغل الجزر الموجودة فيه بحيث تصبح معالم سياحية بعيدا عن البناء العشوائى المخاصم للجمال والرقى. لقد اجتازت مصر بنجاح ساحق امتحان شرم الشيخ، وتابعنا خلال انعقاده كم نحن قادرون على العمل والانجاز، والتدليل على أن مصر قوية بشعبها وقيادتها وعزيمة وارادة اهلها، وبعد اجتيازه فقد مر الجزء السهل من الامتحان وعلينا الاستعداد للشق الاصعب منه. لمزيد من مقالات محمد إبراهيم الدسوقي