لخلافٍ على الميراث ، قام شابان نُزعت من قلبيهما الرحمةُ بقتل عمهما غرقا؛ وحتى يُخفيا آثار جريمتهما النكراء، أوعز إليهما شيطانُهما المريد بحيلة ماكرة، إذ حفرا حفرة على رأس الحقل دفنا فيها عمَهما ، ثم صبا عليه خرسانة مُسلحة، لتتوه معالم الجريمة، ويضيع دم القتيل هدرا. جريمةٌ بشعة، تدل على غياب الدين، شهدت أحداثها قريةُ إمياى بالقليوبية، التى ضربت عبر تاريخها الطويل أروع أمثلة البطولة، والحفاظِ على الشرف، فيذكرُ التاريخُ لنساء تلك القرية الفُضليات أنهن لجأن إلى حيلة عبقرية كى يصرفن عنهن أعين المُحتل الإنجليزى الذى اعتاد أن يجوس خلال القرى يهتكُ الحرث والعرض، فقامت نساء تلك القرية بسكب العسل على وجوههن والوقوف عند مدخل القرية، وقد حطّ عليهن الذباب بصورة جعلت المُحتل يستاء من منظرهن وينكص على عقبيه، وتصون نساء القرية شرفهن من مُحتل عاث فى البلاد فسادا واغتصابا. ما حدث بلا شك جريمةٌ بشعة يستحقُ مرتكباها أقسى أنواع العقاب، بعدما تجردا من إنسانيتهما ولم يَرقُبا فى عمهما ذمة ولا رحما، وقتلاه بهذه الصورة الوحشية، تاركين وراءه أسرة مكلومة تتلظى فى قلوب أفرادها نارُ الفراق. الحادثُ رغم أنه قيدُ التحقيق إلا أنه آثار زوبعة ولغطا داخل القرية، فصار الناس بين مُطالبٍ بإخراج بيت القاتلين من القرية وتجريدهم من كل مُستحقاتهم، وفريقٍ آخر كان أشد قسوة طالب بقتل البيت بأكمله ليكون الجزاءُ من جنس العمل، وقد ساعد على انتشار حالة اللغط عرضُ مشاهد استخراج القتيل على شاشة الفضائيات، مما آثار حُزن الكثيرين مُراعاة لحُرمة القتيل. حالة الغضب لها ما يُبررها ولكن تعالوا نتناقش بموضوعية.. حادث القتل رغم بشاعته إلا أنه سلوكٌ فردى لا يُعبر عن ظاهرة تُلحق الخزى بأبناء القرية جميعا، فمثل هذه الحوادث وقعت فى أعظم العصور، دون أن يُشين ذلك المجتمع بأسره، فوقع القتلُ والزنا فى مُجتمع الرسول، ونال المخطئ جزاءه الذى كفّر به عن ذنبه فى الدنيا، مثلما حدث مع ماعزٍ والغامدية. كما أن دعوى القصاص من أسرة القاتلين بأكملها، هى دعوى ظالمة لأن الحق سبحانه أكد أنه لا تزرُ وازرةٌ وزر أخرى، فلنترك الحكم للقضاء، الذى سيُخفف بعض الشيء من ألم أسرة القتيل، أما الجزاء الأوفى فسيكون بين يدى الواحد القهار، الذى لا تضيع عنده الحقوق. وفيما يتعلق بعرض مشاهد استخراج القتيل عبر الفضائيات، فإذا كنا لا نُشكك فى رغبة مُقدم البرنامج فى كشف أحداث الجريمة، إلا أننا نُخالفه فى عرض تلك المشاهد؛ لأن فيها إيلاما لنفس أسرة القتيل، وتأجيجا لنار الانتقام كلما شاهدوها وهو ما لا نتمناه. وأخيرا.. فدعاؤنا للقتيل بالرحمة، ولأسرته بالصبر والسلوان، وعلى أبناء القرية الشرفاء أن يُغلبوا روح العقل ودولة القانون، وأن يكفُوا عن القيل والقال، فما حدث أقلُ من أن يُشعل نار الخلاف بين جنبات قرية سادها الحب والوئام عبر تاريخها الطويل. Sabry_elmougy @yahoo.com لمزيد من مقالات صبرى الموجى