لا تتوقف الدعوات المطالبة بإلحاح بدمج جماعة الإخوان الإرهابية فى النسيج السياسى والاجتماعى فى المحروسة وخارجها، حتى تهدأ الأحوال، ويعم الوئام والاستقرار ربوع عالمنا العربى ومعه منطقة الشرق الأوسط، ويتحجج مَنْ يتبنى تلك الدعوات بأن الهوس السائد بموضوع الإخوان كان سببًا جوهريًا وراء تدهور الأوضاع فى بلد بحجم وتاريخ مصر، وتسميم مناخ العلاقات العربية العربية، وتمدد تنظيم داعش الإرهابى فى العراق وسوريا وليبيا، وأنه حان الوقت للكف عن الهوس بالإخوان، بغية بناء شرق أوسط جديد. بل إن كاتبًا عربيًا مرموقًا كتب مقالا السبت الماضى ذكر فيه “ أن الإخوان قضية هامشية، وأنه لا يجوز فى زمن ما بعد العقيد القذافى تهميش عناصر الجماعة”. هذه الرؤية تحمل قدرًا كبيرًا من المغالطات، وتجافى الحقائق الماثلة أمام عيون الجميع، فهى توحى بأن الأنظمة العربية تنتهج مواقف متصلبة حيال الإخوان بدون سبب، وترفض وجودهم من الأساس، وأن قيادات الجماعة منفتحون ومقبلون على الحوار والتفاهم ويتوخون مصالح بلادهم العليا ويحافظون عليها، وأنهم لا يشكلون خطرًا على الأمن القومى العربي، ويتجنبون المساس بأوطانهم، ويبدون استعدادهم للالتزام بأقصى درجات المرونة، حفاظا عليها، ولماذا يتم تجاهل أن هذه الفئة كافرة بفكرة الوطن من الاصل؟ وكلنا يتذكر كلمة المرشد السابق للجماعة مهدى عاكف “ طظ فى مصر” والتى عكست ولا تزال أن الجماعة وطنهم الذى يحرصون عليه وليس أرض الكنانة، أو غيرها من الدول التى توجد افرع واذرع لها فيها. ولم يُنكروا أن الإخوان كانوا يرفضون دوما الاقتراب من اليد الممدودة لهم، سعيًا لتقريب المسافات وتجاوز الخلافات، ويصرون على فرض شروطهم الجائرة غير العادلة؟ ومن يرد الدليل فليقرأ احدث ما كتبه عبود الزمر القيادى بالجماعة الإسلامية الحليفة والداعمة للإخوان وكشف فيه ما يلي: تقديم الجماعة الإسلامية مشروعا شاملا لحل مشكلة سيناء فى عهد محمد مرسي، وأن وزير الدفاع آنذاك الفريق اول عبد الفتاح السيسى أيده، وأبدى رغبته فى نجاحه من أجل الصالح الوطني، غير أن المشروع ظل على مكتب مرسى مدة طويلة دون أن يعطى اشارة البدء لتنفيذه، بعد أن حول الإخوان أرض الفيروز إلى واحة للإرهابيين من شتى بقاع المعمورة. اقترح الزمر على مرسى اجراء استفتاء على الانتخابات المبكرة قبل الثلاثين من يونيو كمخرج من الأزمة الطاحنة التى كانت تعصف بالبلاد حينئذ ولكنه رفض الاقتراح. وللراغبين فى المزيد من الادلة الكاشفة والدامغة ليعودوا إلى مذكرات الدكتور محمد حبيب النائب السابق لمرشد الإخوان الصادرة حديثا تحت عنوان “ الإخوان المسلمون والصعود إلى الهاوية”. ورجاء لا يشير احدكم لتجربة الإخوان فى تونس وتخليهم طواعية عن الحكم، لأنهم فعلوا ذلك بعدما شاهدوه فى مصر من سقوط مدو للجماعة الأم، حيث خرجت الملايين المطالبة برحيلهم لعدم استحقاقهم البقاء فى السلطة، واقدامهم على احراق الكنائس والمنازل واقسام الشرطة وما وقع فى كرداسة من قتل وتمثيل بجثث أفراد الشرطة عنا ببعيد. ثم كيف يتسنى لمصر وغيرها اغفال دور الإخوان فى التفجيرات والعمليات الإرهابية، وتنسيقها مع جماعات متطرفة وخارجة على القانون؟ فمَن الذى يستهدف المنشآت الحيوية بالقنابل والعبوات الناسفة الآن، ومَن الذى يحرض على ملاحقة قوات الجيش والشرطة وحمل السلاح ضدهما، فهل فى مثل هذا الوضع الخطير يجب النظر للإخوان كمسألة هامشية ومواصلة خطب ودها والفوز برضاها؟ وحينما توفر دولة عربية الملاذ لقادة الجماعة الذين يستغلون أراضيها فى التخطيط وتلقى الأموال المستخدمة فى تمويل الهجمات الإرهابية، أليس من العدل والانصاف اتخاذ موقف حاسم وواضح، أم أنه سيكون من الأفضل الصمت مراعاة لعدم شق الصف العربي، ولماذا نغفل عن الخطة الإخوانية لإثارة النزاعات والأزمات بين البلدان العربية عبر تسريبات وبث شائعات مغرضة؟ ويدرك القاصى والدانى فى العالم العربى أن الإخوان يسعون للسلطة فهى هدفهم المنشود وفى سبيلها لا يتورعون عن فعل اى شىء وكل شىء، ولنرجع لما كشفته السلطات الاماراتية من خلايا اخوانية. وفى هذا الاطار فقد تحمل الإعلام فى مجمله الاوزار والخطايا والاتهامات الجاهزة بأنه المسئول عن شحن الناس ضد الإخوان وانتشار “ الاخوانوفوبيا “ ، ولا ننكر أن جزءا من الإعلام المصرى والعربى وقع فى اخطاء جسيمة عند تعاطيه مع ملف الإخوان وغابت المهنية والموضوعية عن تغطيته، لكن لا احد يلتفت لإعلام الإخوان وما يبثه من رسائل حقد، وكراهية، وحض على العنف، وقيامه بحملات تشويه مرعبة للمنتقدين والمخالفين، وخرج احدهم بعد عملية إرهابية خسيسة فى سيناء متوعدًا ومهددًا زوجات وأمهات جنود وضباط القوات المسلحة قائلا:” نعم سنقتلهم وسنحول نساءهم لأرامل”. نظن أن الحيثيات السالفة تؤكد أن الإخوان ليسوا قضية هامشية سواء فيما يخص مصر أو العلاقات بين الدول العربية على وجه العموم وليس فقط ما يتعلق بعلاقة القاهرة بجيرانها وأشقائها العرب. من جهتى أؤيد وابارك وجود شرق أوسط بدون إخوان، ومنعا للالتباس وسوء التأويل أن تتخلص وتتطهر المنطقة من فكر الإخوان الذى يختزل الكرة الأرضية فى الجماعة وفى مصلحتها، وفى سيطرة أصحاب منهج التكفير على مفاصل وزمام قيادته، فهذا الفكر خرجت من رحمه تنظيمات القاعدة وداعش وبوكو حرام. فالاستئصال لابد أن يكون للفكر وليس لأعضاء الجماعة كما يحلو للبعض الزعم، والخيار بيد الإخوان الذين عليهم المفاضلة ما بين متابعة السير على طريق الهلاك والأرض المحروقة، أو الاحتكام للعقل ومراجعة النفس وتنقيتها مما يتعارض مع الدين الحنيف والثوابت الوطنية. لمزيد من مقالات محمد إبراهيم الدسوقي