جراء العدوان الإسرائيلي|الصحة الفلسطينية: 32 شهيدًا و59 مصابًا خلال ال24 ساعة الماضية    الدفاع الياباني: قوات أمريكية تشارك في عملية البحث عن طاقمي مروحتين تحطمتا بالمحيط الهادي    طلاب الجامعة الأمريكية يطالبون الإدارة بوقف التعاون مع شركات داعمة لإسرائيل    روسيا تعلن إسقاط 4 صواريخ أوكرانية فوق مقاطعة بيلجورود    سلوى محمد علي تدير ماستر كلاس سيد رجب بالإسكندرية للفيلم القصير    أسعار الأسمنت اليوم الثلاثاء 23 - 4 - 2024 في الأسواق    سعر الريال السعودي اليوم الثلاثاء 23-4-2024 في بداية التعاملات    وزير خارجية إيران: نأسف لقرار الاتحاد الأوروبي فرض قيود "غير قانونية" على طهران    موعد مباراة الزمالك القادمة والقنوات الناقلة    محافظ شمال سيناء يستقبل وزير الشباب والرياضة    الإسماعيلي: ندفع بأحمد الشيخ تدريجيا لهذا السبب.. ونجهز اللاعبين للأهلي    الثانوية العامة 2024.. تعرف علي مواصفات ورقة امتحان اللغة الأجنبية الثانية    «الأرصاد» تحذر من حالة الطقس اليوم الثلاثاء 23-4-2024 والموجة الحارة لمدة 72 ساعة    حالة الطرق اليوم، زحام مروري بشوارع ومحاور القاهرة والجيزة    بعد قليل.. استكمال محاكمة المتهمين في قضية فساد الري    انخفاضات ملحوظة في أسعار السلع والمنتجات الغذائية في السوق المصرية بعد تدخل حكومي    ندوة بجامعة القاهرة لتشجيع وتوجيه الباحثين لخدمة المجتمع وحل المشكلات من وجهة نظر جغرافية    التهاب الجيوب الأنفية الحاد: أعراض ووقاية    وول ستريت تتعافى وارتفاع داو جونز 200 نقطة وخروج S&P500 من دائرة الخسارة    أزمة لبن الأطفال في مصر.. توفر بدائل وتحركات لتحديد أسعار الأدوية    مُسن يطلق النار على عامل بسوهاج والسبب "مسقى مياه"    مصر تستهدف زيادة إيرادات ضريبة السجائر والتبغ بنحو 10 مليارات جنيه في 2024-2025    بالأرقام.. تفاصيل توزيع مخصصات الأجور في الموازنة الجديدة 2025 (جداول)    حظك اليوم برج الميزان الثلاثاء 23-4-2024 على الصعيدين المهني والعاطفي    بدرية طلبة تشارك جمهورها فرحة حناء ابنتها وتعلن موعد زفافها (صور)    نيللي كريم تظهر مع أبطال مسلسل ب100 وش.. وتعلق: «العصابة رجعت»    الإفتاء: لا يحق للزوج أو الزوجة التفتيش فى الموبايل الخاص    45 دقيقة تأخير بين قليوب والزقازيق والمنصورة.. الثلاثاء 23 أبريل 2024    مصرع عامل غرقًا بمياه الترعة في سوهاج    لبنان.. شهيد جراء قصف طيران الجيش الإسرائيلي سيارة في محيط بلدة عدلون    مصرع عامل دهسه قطار الصعيد في مزلقان سمالوط بالمنيا    ملتقى القاهرة الأدبي.. هشام أصلان: القاهرة مدينة ملهمة بالرغم من قسوتها    الرئيس البولندي: منفتحون على نشر أسلحة نووية على أراضينا    اتحاد الكرة يوضح حقيقة وقف الدعم المادي لمشروع «فيفا فورورد»    إزالة 14 حالة تعد بمركز ومدينة التل الكبير بمحافظة الإسماعيلية    أستاذ مناعة يحذر من الباراسيتامول: يسبب تراكم السموم.. ويؤثر على عضلة القلب    إجازة كبيرة للموظفين.. عدد أيام عطلة شم النسيم 2024 للقطاعين بعد ترحيل عيد العمال    رئيس الوزراء يهنئ وزير الدفاع بعيد تحرير سيناء سيناء    بشرى سارة لجمهور النادي الأهلي بشأن إصابات الفريق    عاجل.. صفقة كبرى على رادار الأهلي الصيف المقبل    بعد وفاته في تركيا، من هو رجل الدين اليمني عبد المجيد الزنداني؟    بلينكن ينفي "ازدواجية المعايير" في تطبيق القانون الأمريكي    نصائح مهمة لمرضى الجهاز التنفسي والحساسية خلال الطقس اليوم    اتحاد عمال مصر ونظيره التركي يوقعان اتفاقية لدعم العمل النقابي المشترك    الكونجرس يشعر بالخطر.. أسامة كمال: الرهان على الأجيال الجديدة    خلال ساعات العمل.. أطعمة تجعل الجسم أكثر نشاطا وحيوية    علي هامش انعقاد مؤتمر الاتحاد العربي.. 11 دولة عربية في ضيافة النقابة العامة للغزل والنسيج بالقاهرة    «فلسطين توثق المجازر».. فعاليات متعددة في رابع أيام مهرجان أسوان (تعرف عليها)    عامر حسين: الأهلي احتج على مشاركة حارس الاتحاد السكندري    عبدالجليل: دور مدير الكرة في الأهلي ليس الاعتراض على الحكام    الشرطة تداهم أوكار الكيف.. سقوط 85 ديلر مخدرات في الإسكندرية    "بأقل التكاليف"...أفضل الاماكن للخروج في شم النسيم 2024    دعاء في جوف الليل: اللهم اجمع على الهدى أمرنا وألّف بين قلوبنا    مواقيت الصلاة اليوم الثلاثاء 23 أبريل في محافظات مصر    مصرع شخص وإصابة 2 في تصادم 3 تريلات نقل بالوادي الجديد    الإفتاء: التسامح في الإسلام غير مقيد بزمن أو بأشخاص.. والنبي أول من أرسى مبدأ المواطنة    علي جمعة: منتقدو محتوى برنامج نور الدين بيتقهروا أول ما نواجههم بالنقول    مستدلاً بالخمر ولحم الخنزير.. علي جمعة: هذا ما تميَّز به المسلمون عن سائر الخلق    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حروب ما بعد الحداثة
نشر في الأهرام اليومي يوم 07 - 03 - 2015

اصبح حتى للقواميس والمعاجم حروبها الأهلية التى تدور بين المصطلحات بحيث ادى التلاعب بها وبتوظيفها فى سياقات مختلفة الى كثير من الالتباس وسوء التفاهم،
فالحداثة مثلا لا تعنى الشيء ذاته فى كل اللغات والثقافات، ولهذا السبب كان احد أبرز من كتبوا عنها وهو هنرى لوفيفر يقول: حداثتنا ويعنى بها الحداثة الفرنسية، اما الالمان فقد اعلنوا موت الحداثة فى بيان برلين عام 1815 كما يقول ماكفرلين، لكن بالرغم من ذلك نحن مضطرون ولو على نحو اجرائى الى استخدام هذا المصطلح وغيره من المصطلحات الى ان تتحرر من الالتباسات .
حروب ما بعد الحداثة هى الحروب الاستباقية والتى تهدف الى اجهاض قوة الخصم قبل استكمال نموها، واذا كانت الدولة العبرية التلميذ الأنجب للولايات المتحدة فى فلسفة الاستيطان وابادة السكان الاصليين حيث تجمعهما اسطورة الفردوس الارضى كما سماها الراحل د . عبد الوهاب المسيرى الا ان الولايات المتحدة هى التلميذ فى مجال الحرب الاستباقية، لأن اسرائيل اطلقت على جيشها اسما مضللا هو جيش الدفاع، رغم ان سيرته الدموية لأكثر من ستة عقود تجزم بأنه هجومي، لكن ما اشار اليه بن غوريون فى مذكراته يفتضح هذه الاستراتيجية، ويبين السبب الحقيقى لاستخدام الاسماء فى التضليل، فالتسمية لها استراتيجيتها ايضا، وحين اصدر زيغنيو بريجنسكى مستشار الامن القومى الامريكى الاسبق كتابا عنوانه كلمة واحدة هى الفوضى والذى ترشح من صفحاته رائحة الانذار المبكر لم تكن احداث الحادى عشر من سبتمبر قد وقعت وعلى ذلك النحو الزلزالى الذى لم تتوقف تردداته حتى الان وبعد خمسة عشر عاما، ولم تكن الفوضى قد طوّرت وهاجرت من الحداثة الى ما بعدها لتصبح خلاّقة كما وصفتها دبلوماسية امريكية متخصصة فى فقه التفكيك منذ عملت مع الرئيس بوش الاب حين كان يرأس المخابرات، والذى كتب فى مقدمة مذكراته ان خير مدخل للكتابة عن حياته هو قصة شهيرة لمارك توين عن رجل فقد ابنيه لأن احدهما غرق فى النهر والآخر اصبح نائبا للرئيس، اما مصطلح الفوضى الخلاقة الذى اقترحته كونداليزا رايس فقد كان التجسيد الأدق لعسكرة الدبلوماسية الامريكية والتى عبّرت عنها رايس رمزيا بارتدائها خوذة احد الجنود الامريكيين فى مطار عراقى عندما زارت بغداد كى تتلذذ بشكل سادى وهى تنظر الى اطلالها .
وبالعودة الى بريجنسكى فهو ممن شملتهم احداث ايلول بمراجعة المواقف بعد ان قلبت الموائد كلها، وكان قد تنبأ قبل تلك الاحداث باستمرار النفوذ الامريكى ثلاثة عقود على الأقل من القرن الحالي، لكن تلك الواقعة لم تدمر ابراجا فقط فى مانهاتن بل حوّرت وبدّلت مفاهيم كانت بمثابة المسلّمات والبدهيات فى التاريخ الكلاسيكى ، أما ما اعلنه موظف فى الادارة الامريكية من اصل يابانى هو فرنسيس فوكوياما عن نعى التاريخ فقد اضطرته تلك الاحداث الى مراجعة موقفه بما يشبه الاعتذار لأن التاريخ الذى نعاه لم يستطع دفنه وانتفض فى تابوته الورقى ومقابره واندلعت فيه قوة جديدة وكأنه بدأ يتعافى ويتصابى كى يلد حروبا جديدة تليق بأدواتها واستراتيجيتها وميتا استراتيجيتها ايضا بحقبة ما بعد الحداثة التى تستمد مبرراتها باثر رجعى بعد ان تضع اوزارها وتظفر بغنائمها كالحرب على افغانستان والعراق، وهذا ما يسمى فى ادبيات الميتا استراتيجية او ما بعدها الشرعية المستدركة، او بمعنى ادق الملفقة وكان برجنسكى قد كرّس كتابه الفوضى لما سيؤول اليه العالم فى مطالع الألفية الثالثة ومن خلال مقارنة سريعة بين مطلع القرن العشرين ومطلع القرن الذى أعقبه تبدو النتائج مشبعة ومشحونة بدراماتيكية مثيرة، فالايام الاولى من القرن العشرين شهدت تفاؤلا نسبيا باستقبال قرن ناعم يَعِد العالم بالحدّ من اسباب الشقاء سواء الناتج عن حروب او مجاعات او نزاعات عرقية وايديولوجية لكن ما تناساه المتفائلون هو ان القرن الذى ودّعوه يومئذ وهو القرن التاسع عشر كان كما يسميه هنرى ايكن قرن الايديولوجيا بامتياز، ففى منتصفه صدر البيان الشيوعى الذى مهّد لثورة اكتوبر بعد صدوره بسبعة عقود وفى تلك الآونة اندلعت حركات اوروبية اطلق عليها اسم الربيع الاوروبى وهو الاسم الذى تمت استعارته لاطلاقه على حراك عربى من طراز آخر ويليق به اسم لا علاقة له بتقاويم الفصول .
ما لم يتوقعه المتفائلون باستقبال القرن العشرين هو الحروب التى حدثت فيه وكأن القرن التاسع عشر او قرن الايديولوجيا حبل بتلك الحروب، لكن وفق تقاويم مختلفة عن تقاويم البشر فما يستغرق الحمل به تسعة شهور لدى الانسان قد يستغرق تسعة عقود فى التاريخ وهذا ما حدث بالفعل .
لقد مهّد لحروب ما بعد الحداثة تجديد الكولونيالية وتحديث اساليبها وما ارتدته من اقنعة وما نصبته من كمائن وأفخاخ لشعوب القارات الثلاث المنكوبة، وأدى توحش الرأسمالية ذات النمو المشوه والطاووسى كما يصفها مفكر معاصر الى اعادة انتاج قياصرة واكاسرة وقراصنة ايضا لكن بطبعات منقّحة . وما اسفرت عنه حروب ما بعد الحداثة لم يكن غنائم خالصة، بل هو اعباء اخلاقية وتورط واستنقاع، لهذا اصدر برجنسكى كتابا اخر بعنوان الفرص الضائعة متهما ثلاثة رؤساء بالتخلى عن الدور المأمول لامبراطورية زعمت ذات يوم وعلى لسان روزفلت بأنها شرطى العالم وقدرها التاريخى هو ان تؤمرك هذا الكوكب كى تحرسه، وبالمقابل عاد صاحب اطروحة صراع الحضارات صاموئيل هاتنجتون ليستدرك ما قاله من قبل فى مقالة نشرت فى مجلة الفورين افيرز اهم ما جاء فيها ان امريكا اصبحت ماهرة فى اختراع الاعداء على امتداد هذا العالم وكأنها لم تطق البطالة بعد ان حسمت الحرب الباردة لصالحها، فالامبراطورية الاخيرة فى التاريخ ذات بوصلة اخلاقية معطوبة بتعبير جان بول سارتر، ومن يملك القوة وحدها بلا اى هاجس للعدالة غير مؤهل لقيادة العالم، وهذا ما حدث بالفعل، فقد اخترعت امريكا من الاعداء من يفوق حاصل جمعهم الاتحاد السوفييتى السابق، لكن ينقصهم المايسترو ويعزفون بشكل منفرد !
ان المفارقة فى حروب ما بعد الحداثة هى انها جعلت من المنتصر ميدانيا مهزوما بمقاييس اخرى، ومن المهزوم منتصرا، لكن بمقاييس غير برغماتية، هى التراجيديا والتى تقع خارج المدار الامبراطورى لامريكا التى لم تكن سيرتها بين شركة الهند الشرقية واحداث عام 1620 وبين هذا العام سوى ابادة السكان الاصليين واعادة انتاج القيصر وكسرى والقرصان لكن بطبعات فاخرة واغلفة من جلود الضحايا !!
لمزيد من مقالات خيرى منصور


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.