الحنة الحنة يا قطر الندى يا شباك حبيبى جلاب الهوى"..أغنية فلكلورية قديمة غنتها الفلاحة المصرية شوقا للحبيب (العريس) منذ أيام العروس الأميرة "قطر الندى" ابنة الخليفة الفاطمى خمارويه, وموكب زفافها الباذخ الممتد فى طريقها إلى عريسها الأمير فى بلاد الشام.."الحنة"- الصيغة الشعبية لمفردة "الحناء"- التى "تحَنى"أو تخضب بها العروس باطن كفيها وقدميها تأهبا للعريس الذى يكتفى بتحنية باطن القدمين فقط. وفى ليلة الحناء يتخضب الجميع من الأهل والأصدقاء والمعازيم رجالا ونساء وأطفالا فى القرى والمدن المصرية, وهى ليلة تسبق ليلة الدخلة مباشرة لم يعد حضورها بنفس القوة فى حياتنا العصرية, خصوصا فى الأوساط الأكثر تفرنجا, ومازال وجودها أكثر ظهورا فى المناطق الريفية والشعبية, وبين الحريصين على الماضى وطقوسه الجميلة. وبين هؤلاء من ترضى بألا يقام لها عرس كبير، وأخرى من تكتفى بعقد القران فقط، لكن ليلة الحنة تعتبر عندها عرسا منفردا لا يمكن الاستغناء عنه مهما كانت الظروف الاقتصادية، وهى ليلة لها فرحة خاصة لدى العروس, لأنها الليلة الأخيرة فى بيت أهلها و تضم مظاهر غناء ورقص وفرح. قد تختلف اليوم عما كانت عليه فى الماضى، ففى الماضى كانت حفلات ليلة الحناء تبدأ فى الصباح بإرسال ملابس وجهاز العروس إلى بيت الزوجية فى موكب كبير يشارك فيه الأهل والجيران مصحوب بالزغاريد والأغانى والطبول احتفالا بالعروسين. أما فى المساء فيكون الاحتفال فى بيت العروس, حيث تتجمع النساء والفتيات من أقاربها وصديقاتها وهن يحملن صوانى الحنة التى تتوسطها الشموع المضاءة, ثم تبدأ المراسم: وهى أن تتحنى العروس, فتضم يدها على الحنة ساعات طويلة إلى أن يتغير لون يديها وكذلك قدميها، وتضع كل سيدة وفتاة قطعة من الحناء على كفها على سبيل التبرك بالسعادة واعتقادا منهن أن الحنة تجلب الحظ السعيد. تستمر تلك الليلة مشتعلة بالغناء والرقص حتى الصباح الباكر. ومن العادات المعروفة أنه يتم قرص رجلى العروس من الفتيات البكر على أمل اللحاق بها فى الزواج, وكما يقال فى أمثالنا الشعبية "اللى تقرصها فى ركبتها تحصلها فى جمعتها". ويمنع على الرجال مشاركة النساء حفل الحناء خوفا من الفأل السيئ، وفى المقابل يتجمع أصدقاء العريس فى منزله ويحتفلون به ويشاركونه فرحه ليلة الزفاف ، وهذا هو المفهوم القديم للحنة وليلتها والذى مازال سائدًا حتى اليوم فى بعض القرى والنجوع. أما عن ليلة الحنة اليوم فتختلف تمامًا عن أيام زمان. فبعض الأوساط تولى الاحتفال بها قدرًا كبيرًا من الاهتمام والإعداد الذى لا يقل عن ليلة الفرح نفسها، والبعض الآخر يكتفى بهذه الليلة كبديل عن ليلة الزفاف خاصة مع التكاليف الباهظة للأفراح. وقد وصلت التقاليع والابتكارات إلى وجود فريق عمل كامل تحت إشراف منظِّمة للحفلة، وهو عبارة عن "دى جى" ومسئولة لتبديل الأزياء للعروس وأخرى تسمى "الحنانة ", وهى التى تقوم بعمل رسومات الحنة للعروس والمدعوات، لتبدأ الحفل بالأضواء الملونة والزينات اللامعة والبخور طيب الرائحة، وتقوم العروس لتبديل ثيابها أكثر من مرة وارتداء الكثير من الأزياء مثل الزى الصعيدى، النوبى، الأفريقى، الفرعونى، الهاوايى، الأسبانى، الهندى، البدوى والفلاحى. وتقوم الفتيات بعدة رقصات منها الرقص الشرقى، والاسكندرانى والدبكة اللبنانى. ترسم "الحنانة" بعض النقوش للعروس وصديقاتها على اليدين والقدمين، وهى عبارة عن خطوط متداخلة ثم ورود وأغصان، وقلوب وفراشات, إلى أن وصلت تقاليع العرائس لرسم جماجم ونقوش بالخط الكوفى، الحروف الصينية أو الهيروغليفية. والحنة نبات طبيعى أسود وأحمر خال من الشوائب لا يضر الجسد وأحيانا يعجن بماء الورد. وليلة الحنة هى ليلة لا تنساها العروس مهما طال العمر. وتظل ذكراها تحيا فى وجدانها، وتأمل أن يعود بها الزمن لتعيش تلك الليلة مرة أخرى.