تعرضت مصر لسلسلة من الهجمات الإرهابية الغادرة خلال الفترة الماضية بلغت فى يوم واحد عشرة تفجيرات، الغرض منها هز استقرار الوطن، وإرهاب المواطنيين، وإفساد المؤتمر الاقتصادى بشرم الشيخ، ومن بعده الاستحقاق البرلمانى المرتقب لاستكمال خارطة المستقبل فى بناء مصر الحديثة بل يتوقع الخبراء تصاعد الموجات الإرهابية فى الفترة المقبلة، لمنع المصريين من بلوغ غايتهم ونيل استقرارهم، مما يعنى فشل أعداء الحياة تماما. ولذلك يطالب البعض بضرورة مواجهة الارهاب بوسائل غير عادية، وإجراءات استثنائية لحماية البلاد من مخاطر محدقة بها ، وسائل تمكن رجال الشرطة والجيش من إحباط مخططات خفافيش الظلام فى مهدها، ويرون أن قانون أدراج الكيانات الإرهابية غير كاف لمواجهة هذا الخطر. المستشار الدكتور مدحت سعد الدين نائب رئيس محكمة النقض يقول: إنه رغم صدور قانون الكيانات الارهابية وتعديل نصوص قانونى العقوبات والاجراءات بالتشديد على الجرائم التى ينطبق عليها وصف جرائم الارهاب، قإن ذلك لم يمنع من استمرار وانتشار هذا النوع من الجرائم واستفحال هذه الظاهرة فى قلب المدن السكنية فى طول البلاد وعرضها، كما حدث فى الانفجار الذى وقع بوسط القاهرة مؤخرا «أمام دار القضاء العالى» وراح ضحيته عدد من الشهداء والمصابين، الذين لاذنب لهم ولاجريرة، سوى وجودهم فى هذا المكان لحظة وقوعه، الأمر الذى يقطع بأننا فى حالة حرب حقيقية مع «عدو خفي» يعيش بيننا، وهى نوع من الحروب أشد بأسا وأكثر فتكا من الحروب التقليدية، لأنها لاتتوقف على المواجهة العسكرية بل تمتد لتشمل المدنيين العزل والمسالمين من أبناء هذا الوطن، وهو مايتطلب نوعا من المواجهة القانونية التى نصت عليها جميع الدساتير والقوانين فى دول العالم المختلفة خلال الحروب والكوارث والأزمات، وإذا كان النص فى الدستور المصرى الأخير قد فرض التزاما على الدولة بمواجهة كل صور العنف والإرهاب طبقا للمادة 237 منه، وكانت ظروف الحروب والكوارث ظروفا استثنائية تستلزم إجراءات استثنائية لايتضمنها أى قانون فى الظروف العادية باعتبارها ظروفا طارئة تتسم بالخطورة والتأقيت. الطواريء مطلب دستورى قانون الطوارئ رقم 162 لسنة 1958 وعلى غرار كل تشريعات الطوارئ العالمية قد فرض فى مثل هذه الظروف العديد من الأحكام ذات الطبيعة الخاصة التى تعطى لرئيس الجمهورية السلطة فى أن يوسع دائرة الحقوق التى تمكنه من اتخاذ الكثير من التدابير، التى تلزم للحفاظ على الأمن والسكينة بشرط العرض على البرلمان حين اجتماعه، وتشديد إجراءات الضبط وتشكيل المحاكم الخاصة لإجراء المحاكمات العاجلة أمامها، فالأمر على النحو الذى نراه اليوم على مستوى الجمهورية، من انتشار الانفجارات وتعطيل المرافق العامة والمواصلات والقطارات، وإتلاف خطوط الكهرباء ووقوع العديد من الضحايا نتيجة هذه الانفجارات، لن يحسم إلا بإجراءات خاصة كتلك الاجراءات المنصوص عليها فى قانون الطوارئ، ولامفر من مد حالة الطوارئ على جميع محافظات الجمهورية، لأنه بقدر ماانحسرت ظاهرة الإرهاب فى سيناء نتيجة فرض حالة الطوارئ، هناك بما تتضمنه من إجراءات أمنية وعسكرية رادعة وحظر للتجوال فى ساعات محددة، بقدر ماانتشرت هذه الظاهرة فى باقى محافظات الوطن، خاصة فى القاهرة والاسكندرية، وكأن الارهابيين يتحدون سلطة الدولة مقررين نقل أنشطتهم إلى داخل المدن عوضا عن محاصرتهم فى سيناء، حتى امتدت هذه الظاهرة لوسط المدينةبالقاهرة أمام دار القضاء العالى رمز العدالة فى مصر.
ماذا تبقى لفرض الطوارىء؟ ويتساءل المستشار مدحت سعدالدين فما الذى تبقى إذن حتى يتم فرض حالة الطوارئ على الدولة بأسرها فى محاولة لوقف نزيف الدماء البريئة من أبناء المصريين، ولاحكام الحصار حول ظاهرة الإرهاب والإرهابيين وتضييق الخناق عليهم، ولايجوز التحدى بأن ذلك من شأنه أن يخالف مبادئ ثورتى 25 يناير و30 يونيو انصياعا لشعارات جوفاء ومبررات واهية تعجز عن مواجهة الإرهاب فى صورته المقيتة، ولاتسعف الضحايا الذين يقعون نتيجة هذا العجز فى مواجهته، ولقد فرضت حالة الطوارئ فى مصر مايزيد على ثلاثين عاما قبل هذه الثورة ولم ينل ذلك من تنامى فرص الاستثمار أوزيادة معدلات النمو فى الدولة، بشرط تطبيق نصوصه على الحالات التى يستحقها قولا وفعلا.