في الأوساط القانونية، تعد ظاهرة انتشار الأحكام القضائية الغيابية ، هي قضية الساعة، وكثيرا ما توجه الانتقادات لنا بسببها، حيث يرفض القانون في مصر ان يرسل المتهم الغائب، لأي سبب كان محاميا للدفاع عنه أمام محاكم الجنايات، وبناء عليه فإن القاضي يقوم عادة بتوقيع أقصي عقوبة «غيابيا»، لتبدأ بعدها سلسلة من العقبات التي تعترض طريق العدالة الناجزة، بلا داعي.. وكل ذلك تنفرد به مصر وحدها، دونا عن النظم القضائية حاليا في كل دول العالم. تفاصيل ذلك كشفها لنا المستشار ثروت عبد الشهيد نائب رئيس مجلس الدولة الأسبق، حيث قال ان القاضي، في حالة عدم حضور المتهم بنفسه أمام المحكمة في الجنايات، يقوم عادة بتوقيع أقصي عقوبة عليه لأنه يعتبره هنا هاربا، وبناءً علي هذا الحكم الغيابي تصدر النيابة قرارات بإدراج اسم المحكوم عليه غيابياً علي قوائم ترقب الوصول بالمنافذ الجمركية ومنعه من السفر، وقد تخطر إدارة «الانتربول» لملاحقته والقبض عليه، علما بأنه لم يعد معمولا بذلك علي مستوي العالم، حيث أصبحت القوانين في مختلف الدول تسمح للمتهم أو المشكو في حقه الذي لا يريد الحضور بشخصه أمام المحكمة بأن يوكل محاميا للدفاع عنه، الا أن النيابة العامة ومحاكم الجنايات في مصر تصر علي رفض سماع أقوال ودفاع محامي المتهم الغائب، تطبيقًا لنص المادة رقم 388 من قانون الإجراءات الجنائية، التي تحظر حضور محام عن المتهم الغائب ليدافع أو ينوب عنه أمام المحكمة. ويوضح أن هذه المادة تعد نصا معيبا ومخالفا لأحكام صريحة بالدستور وأحكام المحكمة الدستورية العليا والمعاهدات الدولية التي انضمت لها مصر، وتم انتقادها مرارًا من جانب فقهاء القانون المصريين، وذلك لأنها تقيد حق المتهم في محاكمة عادلة. ويشير المستشار ثروت عبد الشهيد الي أن اللجنة المشكلة حاليا للاصلاح التشريعي وتعديل جميع القوانين تحاول الآن ضمن أعمالها تعديل هذه المادة، لأن المتهمين يفاجون بصدور أحكام قضائية ضدهم في بعض الأحيان، لمجرد أنهم لم يحضروا بأنفسهم أمام المحكمة، في حين أن القضية قد تكون في أساسها مجرد شكوي كيدية علي سبيل المثال. ويضيف قائلا انه كانت هناك منذ فترة قصة شهيرة لرجل أعمال صاحب شركة كبري، اضطر للبقاء خارج مصر لمدة 4 سنوات، بعد صدور حكم غيابي ضده، وأخيرا.. يبقي السؤال.. هل يمكن أن نتوقع قريبا.. أن تنظر لجنة الإصلاح التشريعي «بعين الرأفة» لهذه المادة في القانون؟ لمصلحة العدالة.. لا لمصلحة أي متهم قد تثبت إدانته؟! انه ليست مجرد سؤال.. بل مطلب عاجل!