إن التطور الهائل فى نظم المعلومات وتكنولوجيا الاتصالات ومجالات اخرى مرتبطة بالاقتصاد والسياسة أفرز مفهوما جديدا لدور الثقافة والفن والاعلام فى التنمية يتجاوز المفهوم السابق وهو ما يبدو من المعطيات الجديدة فى المشهد المصرى، منها حرص القيادة السياسية على تشجيع كل التيارات والقوى الاجتماعية فى مصر بالدعوة الى تفعيل دور المصريين العاملين فى الخارج فى عمليات الاصلاح الشامل. والسؤال: ألا تشكل هذه الدعوة على المستويين الرسمى والوطنى حافزا للسعى نحو البحث عن بدائل جديدة وغير تقليدية لتقديم الفن المصرى، عبر مبدعيه للجمهور العام فى المهجر، من خلال القيام بالعديد من الأنشطة التى تمثل الفن المصرى خير تمثيل فى بلدان المهجر، وبما أن الثقافة والفنون مسئولية الجميع لابد من تأكيد ضرورة تحمل الحكومة عملية تهيئة الأرضية والمناخ الملائم الذى يكفل للفنان المثقف القيام بدوره الكامل فى إنجاح مشاريع التنمية فى جو من المسئولية والحرية. ولكى يكون للفنان المثقف دوره الريادى فى تعزيز التواصل مع المغتربين والجاليات المصرية فى الخارج ومد الجسور معهم يتطلب الأمر التفكير فى طرق مناسبة لاستثمار الوسائل الفنية المعبرة عن الثقافة المصرية العريقة ونشرها فى العالم، بما يساعد على إيجاد الوحدة الإنسانية والوطنية والشعبية بين أبناء الجالية المصرية فى الخارج والوطن الأم. وفى المقابل لابد من الاقتناع الكامل من جانب الفنان المبدع بأهمية دوره فى تحقيق الاهداف العليا والطموحات الكبرى ولأن الانطلاق الى العالمية يجب ان يتم فى داخل مصر وبدعم من قيادات وطنية من الداخل. ولتحقيق النقلة النوعية فى مثل هذه المجالات فإنه يجب ألا تقتصر الاهتمامات والانشطة الفنية على إقامة الحفلات الخاصة بالمناسبات الدينية أو الوطنية فى دول المهجر بل التأسيس لمرحلة جديدة قد تحدث منعطفا مهما فى المسيرة الثقافية بما تحمله من طموحات واعدة. المشروع الفنى لا يقل أهمية عن المشروعات الاقتصادية الكبرى وبالتالى يحتاج إلى إعداده وفق دراسة جدوى تستند أركانها على الالتزام بمسيرة عمل جادة بأنشطة فنية وثقافية واجتماعية وإنسانية واقتصادية تتيح الوصول إلى الجاليات المصرية المختلفة، فضلا عن العمل على فتح أسواق جديدة للمنتج الثقافى المصرى، كالأسواق الإفريقية والآسيوية وأمريكا الجنوبية والدول الإسكندنافية وأوروبا الشرقية. وبناء على ما سبق يجب أن يحمل المشروع الفنى قراءة مختلفة للواقع المعاش فى دول المهجر حتى يكون العمل الفنى من عناصر التأثير الفعال وبإنجازات حقيقية وأن يمثل نموذجا حيا فى كيفية استغلال إمكانات المغتربين لمصلحة الوطن الأم وأيضا للمهاجر ووطن المهجر معا. ويأتى ذلك عبر التعاون مع ابناء الوطن فى الخارج وبينهم الكثير من صفوة العقول التى أنجبتها مصر التى تمر حاليا بأقصى محنة فى عصرها الحديث من خلال التواصل مع النخب المثقفة ورجال الأعمال واصحاب المناصب الرفيعة فى جميع فروع المعرفة ليمارسوا دورهم فى التوعية والتوجيه وتبنى المبادرات الفاعلة لزيادة المشاركة فى القضايا المصرية لمصرنا الغالية. وفى هذا السياق يجب الاعتماد على مقومات مهمة منها الإلمام بالمعرفة والمعلومات عن أهم ما تتميز به الجالية المصرية فى الدول التى سيقام فيها الحدث الفنى حتى لا يحدث انقسام بين ما يقدم من أعمال فنية وما يطرأ من تحولات سريعة فى الواقع المجتمعى هناك. وبالنسبة للدور المطلوب من المؤسسة التعليمية فهو مهم جدا وعلى الجامعات والمدارس المصرية التنسيق والتخطيط مع المعنيين فى مجال تطوير وسائل المعرفة وتنظيمها بما تقدمه من أنشطة طلابية مختلفة وقدرات علمية ولغوية. كما يعتبر إعداد برامج خاصة للطفل من الأمور التى يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار للخروج عن مفهوم التلقى المباشر والبعد عن السطحية فى مو،اجهة الأمور وإتاحة الفرص أمام البحث الذاتى عن المعلومة وتنمية القدرة على التفكير والابتكار. ولتحقيق الفاعلية المطلوبة يتطلب الأمر وضع تصور أو رؤية عامة عن كيفية تكوين اتحاد يضم المثقفين والفنانين المصريين المغتربين فى كل بلدان المهجر تحت مظلة واحدة بما يحقق تواصلهم مع وطنهم الأم، مع الأخذ فى الاعتبار أن هذا الاتحاد تجمع فنى خالص ثروته الإبداع والإيمان بقيم الخير والسلام والمحبة والحق والجمال والفن، بمعنى أن يجرى تمويله بعيدا تماما عن أى مساهمة مالية أو تمويل من جانب أى حكومة أو حزب أو فرد. لمزيد من مقالات وفاء البرادعى