لا جدال فى أن الأوضاع بالمنطقة تتطلب تشكيل قوة عربية عسكرية مشتركة، حسبما ذكر الرئيس عبد الفتاح السيسى فى كلمته للشعب أمس الأول، لكن كيف تتحول هذه الفكرة التى راودت أحلام كثير من العرب قادة ومفكرين منذ نحو 70 عاما إلى واقع، بعد أن فشلنا طوال هذه السنوات فى تحقيقها، وتعقدت الأوضاع العربية مع تضارب المصالح وعودة التدخل الأجنبى المباشر وغير المباشر، وانتشار خطر الجماعات التكفيرية المسلحة، وضعف مؤسسات العمل العربى المشترك. فقد كثر الحديث خلال الفترة الأخيرة عن اتفاقية الدفاع العربى المشترك باعتبارها الركيزة الأساسية فى فكرة إنشاء القوات العربية، وكان آخرها تصريحات الأمين العام للجامعة العربية نبيل العربى التى شدد فيها على أهمية تفعيل معاهدة الدفاع العربى المشترك لصون الأمن القومى العربى والتصدى للإرهاب، لافتا إلى أن العالم العربى يمر بمرحلة غير مسبوقة، ومشيرا إلى أن الإطار القانونى والسياسى متوافر فى هذه المعاهدة التى وقعت عام 1950. وكشف العربى عن رسائل أرسلها إلى وزراء الخارجية العرب فى شأن رؤيتهم لتفعيل المعاهدة، تمهيدا لطرحها فى الاجتماع المقبل لوزراء الخارجية فى الثامن من مارس. لكن المتابع للوضع العربى الحالى يدرك جيدا أن طبيعة الأخطار التى تتهدد الأمن القومى العربى الآن، تختلف عن تلك التى كانت موجودة وقت توقيع المعاهدة، ففى الخمسينيات كانت الأخطار الخارجية التى تمثلها قوى الاستعمار هى التحدى الرئيسى أمام العرب، أما الآن فإن الإرهاب الذى تمثله المجموعات التكفيرية المسلحة الموجودة داخل بعض الدول العربية بالفعل هى الخطر الداهم على الأمن القومى العربى. لذلك نجد أن فلسفة معاهدة الدفاع العربى المشترك التى ولدت من رحم نكبة 1948 تقوم على التعاون للتصدى لعدوان خارجى على الدول العربية الأعضاء فى المعاهدة، فهى تتحدث عن إعداد الخطط العسكرية لمواجهة جميع الأخطار المتوقعة أو أى اعتداء مسلح يمكن أن يقع على دولة أو أكثر من الدول المتعاقدة أو على قواتها وتستند فى إعداد هذه الخطط على الأسس التى يقررها مجلس الدفاع المشترك، الذى يتكون من وزراء الخارجية والدفاع الوطنى أو من ينوبون عنهم ، وهيئة استشارية عسكرية من رؤساء أركان حرب جيوش الدول المتعاقدة ولجنة عسكرية دائمة، ولم يكن فى هذه المعاهدة أى وجود فعلى فى معظم التحديات التى واجهت الأمن القومى العربى، من الصراع العربى الإسرائيلى حتى الأوضاع الحالية فى ليبيا وسوريا والعراق واليمن، مرورا بأزمة احتلال العراق للكويت وتداعياتها. ولا أعتقد أن المعاهدة بهذا الشكل ستؤدى إلى تشكيل قوة عربية مشتركة الآن. لكن هناك مخرجا عربيا آخر قد يكون هو الأساس القانونى والسياسى الصحيح لتشكيل قوة عربية مشتركة، يتمثل فى مجلس الأمن والسلم العربي، الذى أقرته القمة العربية فى الخرطوم عام 2006، وعلق عليه العرب آمالا كثيرة، حتى إن الأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى عام 2007 عندما وجه الدعوة لعقد أول اجتماع لهذا المجلس بعد قيام اثنتى عشرة دولة بإيداع وثائق التصديق عليه لدى الأمانة العامة للجامعة، عقد سلسلة اجتماعات مكثفة مع الأجهزة السياسية والقانونية والإدارية المعنية فى الجامعة لمراجعة الإجراءات اللازمة لبدء عمل نظام الإنذار المبكر وتشغيل بنك المعلومات اللذين سيزودان المجلس بتقارير حول الأوضاع التى يمكن أن تفضى إلى اندلاع نزاعات وتقديرات لاحتمالات اندلاعها وتصعيدها. وتحدث الأمين العام وقتئذ عن الخطوة المتقدمة التى يمثلها هذا المجلس نحو تمكين جامعة الدول العربية، ولأول مرة منذ تأسيسها، من التحرك المؤثر لتسوية النزاعات بل والحيلولة دون نشوبها عبر أربع آليات رئيسية هى نظام للإنذار المبكر، وهيئة حكماء، وقوات حفظ سلام، وبعثات مراقبين عسكريين ومدنيين.. مشيرا إلى أن فكرة إنشاء قوات حفظ سلام عربية ظلت حلما كبيرا طالما راود العرب أجمعين عقودا طويلة باعتبار أن امتلاك آلية كهذه من شأنه تمكين النظام العربى والعمل الجماعى العربى من التعامل الحاسم مع الأزمات والنزاعات. ورغم ذلك لم تتحقق هذه الفكرة حتى الآن، مع أن أبرز مهام هذا المجلس وضع التدابير الجماعية للتعامل مع أى اعتداء على دولة عربية أو تهديد بالاعتداء عليها، وكذلك فى حال تعرض أى دولة عربية لاعتداء أو تهديد بالاعتداء من دولة عربية أخرى، وأيضا اقتراح تشكيل قوة حفظ سلام عربية وإدارة عمليات إزالة الكوارث . وهذا النص على وجه التحديد ينطبق على الأوضاع العربية الحالية. والغريب أن مجلس الجامعة العربية على مستوى وزراء الخارجية فشل فى اجتماعه الأخير خلال سبتمبر الماضى فى التوافق حول التعديلات اللازمة للنظام الأساسى لمجلس الأمن والسلم ليتمكن من القيام بدوره، وتم تأجيل الموضوع إلى الاجتماع المقبل الذى سيعقد فى مارس بالقاهرة،وذلك بحجة إجراء المزيد من الدراسة والنقاش. وقد تكون القمة العربية المقبلة بالقاهرة هى الفرصة المناسبة، لإقرار فكرة إنشاء قوة عربية عسكرية مشتركة، وذلك من خلال مجلس الأمن والسلم العربى، ولكن هل يمكن ذلك فعلا فى ظل وجود دول عربية لها مصالح خاصة تتعارض مع الأمن القومى العربى مثل قطر، أو فى ظل وجود قوى محلية داخل نسيج بعض الدول العربية تعمل كمخلب قط لقوى إقليمية غير عربية ؟! أشك. # كلمات: الفن هو المسئول الأول والأساسى عن انحدار القيم قبل الثورة محمد صبحى لمزيد من مقالات فتحي محمود