مع بدء الاحتفالات بيوم المرأة العالمي8 مارس و بيوم المرأة المصرية في اليوم السادس عشر من الشهر نفسه, شهدت القاهرة مساء الخميس الماضي مسيرة لدعم حقوق المرأة المصرية بعد أن ظهر أكثر من تقرير دولي يدرجها في مستوي منخفض في مؤشر المساواة بين الجنسين لعام2012. و بعد أن جاءت نتائج انتخابات مجلسي الشعب و الشوري بنسبة تمثيل للمرأة لا تتجاوز1.5%!! فرغم أن المرأة تعول30% من الأسر المصرية, و تشارك في دخل50% من الأسر المصرية, وأن انتخابات مجلس الشعب الأخيرة نافست فيها المرأة علي349 مقعدا فرديا وعلي148 بنظام القائمة, فإن نتائج الانتخابات و التعيين لم تأت لمجلس الشعب إلا بثماني سيدات واثنتين أو ثلاث في مجلس الشوري ليمثلن40 مليون امرأة مصرية!!. والحقيقة أن ظهور هذه الأرقام اليوم, بعد رحلة كفاح طويلة للمرآة للحصول علي حقوقها السياسية و الاجتماعية و الاقتصادية و دخول المجالس التشريعية, لا يمكن التعامل معه من منظور سياسي, أو باعتباره رقما إحصائيا فقط, فالمؤكد أن هذه الأرقام تعكس إشكالية ثقافية في المجتمع المصري تتجلي معالمهما في إغفال حقيقة أن دخول المرأة المصرية مجلس الأمة في عام1957 لم يكن منحة أو عطية, وإنما جاء تتويجا لكفاحها الطويل و مثابرتها, وإيمان عدد من قادة الفكر بحقها في التعليم والعمل و ممارسة العمل السياسي و التحول لعضو فاعل و مؤثر في المجتمع. و يتضح البعد الثقافي للمشكلة عندما نكتشف أن كل هذا الكفاح تحول لمجرد كلمات ليس لها مردود علي أرض الواقع., فحتي اللحظة لا يزال السواد الأعظم من المجتمع المصري لا يثق بأداء المرأة, ولا يعترف بحقوقها أو بقدرتها علي التفكير في قضايا مجتمعها, أو التعبير عن نفسها و همومها في سياقات أكبر من التجارب الفردية. فإذا ما عدنا لصفحات من تاريخنا, وتحديدا خلال القرنين التاسع عشر والعشرين نكتشف مدي التناقض بين ما يدور اليوم علي الأرض وحلم المفكرين والساسة ورائدات الحركة النسائية المصرية بحصول المرأة المصرية علي كل الحقوق التي تستحقها و التي تمكنها من أداء دورها في المجتمع. فإذا قفزنا للوراء عدة سنوات و تحديدا لعام1919, تطالعنا أول صورة تؤرخ لبداية ظهور المرأة المصرية في ساحة العمل السياسي والنضال الوطني. فبعد أسبوع واحد من مظاهرات الطلبة التي خرجت من مدرسة الحقوق( التي أشعلت الشرارة الأولي لثورة1919) وتحديدا يوم16 مارس1919, خرجت أكثر من خمسمائة سيدة و فتاة مصرية في مظاهرة نسائية ليشاركن في ثورة مصر, وأتبعنها بأخري بعد4 أيام. ومع وقوع الصدام بين المتظاهرين و قوات الاحتلال خطت المرأة المصرية أول سطر في صفحة كفاحها لتأكيد كيانها الإنساني و الخروج من آسر مفاهيم الجوهرة المكنونة وربات الخدور و إثبات أنها عضو فاعل في المجتمع له كل الحقوق وعليه كافة الواجبات, حتي السياسي منها.وفي18 نوفمبر عام1919 وفي إطار الاحتجاج علي لجنة ملنر اجتمع عدد من السيدات في ميدان الحلمية الجديدة و طفن بالحناطير في أحياء القاهرة و هن يهتفن للاستقلال والحرية و الوفد المصري و سقوط ملنر, و في يوم13 ديسمبر في العام نفسه تجمع عدد من السيدات المصريات في الكاتدرائية المرقسية للاحتجاج علي اللجنة نفسها. و في16 يناير1920 دعت المصريات لمظاهرة من ميدان المحطة إلي فندق شبرد تأييدا للوفد المصري, وفي الشهر نفسه, وفي الكاتدرائية المرقسية, تم إعلان تأليف لجنة الوفد المركزية للسيدات المصريات و كان في طليعتها هدي شعراوي و نعمت حجازي واستر ويصا. و شهدت الفترة نفسها ظهور عدد من الجمعيات النسائية لخدمة الوطن و العمل علي تنمية و رفع شأن المرآة, و من أشهرها جمعية المرأة الجديدة و جمعية فتاة مصر الفتاة.و عند عودة سعد زغلول من منفاه في إبريل عام1921 هتف: لتحيا السيدة المصرية وردد الحضور الهتاف نفسه. و مع تشكيل لجنة دستور1923 و إغفال حق النساء في الانتخاب, بدأت سيدات مصر مرحلة جديدة من كفاحهن للحصول علي حقوقهن السياسية, والمطالبة بتمثيلهن في لجنة وضع الدستور و في البرلمان.في تلك الفترة برزت اكثر من شخصية نسائية تدافع عن حق المرأة في التمثيل في البرلمان و كان من أولها و أكثرها صراحة و علوا منيرة ثابت_ الملقبة بعميدة الصحفيات المصريات._ التي عددت مثالب الدستور و إهدار اللجنة لحقوق النساء المصريات في عدد من المقالات في صحيفة الأهرام,و استكملت مسيرتها بإصدارها أول جريدة مصرية باللغة الفرنسية تحت اسم الاسبور, و فيها دافعت عن حقوق المرأة السياسية, وإلغاء الحماية البريطانية, ثم أسست جريدة الأمل باللغة العربية. ومن خلال منبرها دعت للإصلاح السياسي و الاجتماعي ولمجانية التعليم وتعليم الفتيات و تمثيل المرأة في البرلمان. وإذا كان الكاتب الصحفي محمد المصري قد رصد في كتابه نائبات الأمة تحت القبة معالم الطريق الطويل الذي قطعته المرأة المصرية للوصول للبرلمان إلي أن تحقق الحلم في عام57 عندما دخلت راوية عطية و أمينة شكري مجلس الآمة,و أشار لأسماء لا تزال في دائرة الضوء, و أخري توارت وراء الحجب, و أصبحت في دائرة الظل مثل استر فانوس و رئيفة موسي و إحسان احمد وأماني فريد و درية شفيق و غيرهن, إلا أن الجديد الذي يقدمه و لابد أن نتوقف أمامه هو اكتشافه بعد رحلة طويلة بين مكتبات مجلس الشعب و الشوري و مراكز المعلومات في الصحف كتاب أماني فريد المرأة المصرية والبرلمان. فمن خلال تلخيص المصري للكتاب الذي ظهر في عام1947, أي قبل65 عاما نطالع صفحات منسية خطتها الشاعرة و الباحثة أماني فريد. و لكن و قبل أن نتوقف أمام ما جاء في النسخة النادرة التي عثر عليها الزميل محمد المصري و صدرتها الكاتبة بإهداء للمرأة المصرية, يحسن أن نتعرف علي أماني فريد الشاعرة والقاصة والصحفية والباحثة السياسية التي رحلت عن عالمنا في صمت عام2005 وكانت من اشد المتحمسات لحصول المرأة المصرية علي حقها في التعليم و دخول البرلمان, و قد بدأت حياتها كمدرسة للغة العربية ثم اشتغلت بالصحافة في دار الهلال و أسست مجلة بنت الشرق و صالونا أدبيا نسائيا لدعم جهود المرأة. وفي عام1954 اعتصمت مع درية شفيق للمطالبة بحقوق المرأة السياسية, وقد قدمت أماني فريد للمكتبة العربية ديواني شعر هما فكر و روح و قلب يتحدث و مجموعة قصص ومجموعة كتب في أدب الرحلات حول العالم و مصرية في أمريكا و المرأة الألمانية كما عرفتها و مصرية في ربوع الشام و أوروبا بين الجد و اللهو وكتاب أيام وذكريات و المرأة المصرية والبرلمان, الذي أفرد له الزميل محمد المصري عدد من صفحات كتابه نائبات الأمة تحت القبة, وفيه تبنت أماني فريد الدفاع عن حق المرأة في الحصول علي حقوقها السياسية مشيرة إلي أنها لا تقل علما أو ثقافة أو ذكاء عن أي نائب في مقاعد مجلس النواب أو الشيوخ و أنها قادرة علي الدفاع عن مجتمعها وقضاياها. ودعمت الكتابة حجتها باستعراض كفاح المرأة المصرية ودورها الوطني ومقارنته بدور وظروف المرأة في الدول الغربية التي حصلت علي حق التمثيل النيابي. كما استشهدت أماني فريد بالرسالات السماوية وبالآيات القرآنية التي لم تفرق بين الرجل والمرأة ودعمت ما سبق بآراء عدد من المفكرين وسياسيين تلك الفترة, و منهم ابراهيم دسوقي اباظة وعباس العفاد ومكرم عبيد و فكري أباظة و هدي شعراوي. ونتوقف أمام محطة أخري في كفاح المرأة المصرية عندما يذكرنا محمد المصري بموقف كل من هدي شعراوي و ألفت راتب و رئيفة موسي و راجينا خياط و استر ويصا ووجيدة ثابت وحياة نور الدين و تماضر صبري عندما حل الملك فؤاد البرلمان في عهد حكومة محمد محمود باشا, و تقدم علي ماهر عام38 بشروع قانون يخول للنساء حق عضوية مجلس الشيوخ و بتقدم كل من علوبة باشا و العرابي باشا و احمد رمزي بك بمشروع قانون يمنح المرأة حق الانتخاب وبفشل كل تلك المبادرات, لتظل المرأة المصرية محرومة من حقوقها السياسية حتي عام.57 واليوم وبعد55 عاما من تاريخ حصول المرأة المصرية علي حق الممارسة السياسية, هل يمكن أن نقول إن عدد ال150 نائبة في مجلس الشوري في جميع دوراته حتي2011 وأن نسبة العضوات المنتخبات بالنسبة للمعينين التي لا تتعدي8%, توازي ما حلمت به و سعت إليه المناضلات المصريات, اللاتي لم يبخلن بالمال و لا الجهد بل و الحياة ؟ أظن أن الإجابة و حل المعضلة يحتاج منا قراءة ثقافية لأحوال و أفكار المصريين!! ge.gro.marha@ahieless