بعث إلىَّ الدكتور رمضان رمضان متولى بكلمات عن الحب قال فيها: يرى بعض فلاسفة اليونان أن الحب أصل من أصول الكون ومنبع كل سعادة وخير، وأن غايته الجمال وذريته العفة وكبح النفس عن الشهوات وثمرته الأنس والألفة والصداقة. كما ينسبون لافلاطون نوعا من الحب يصفونه بأنه «حب عُلوى» أشبه ما يكون بتجربة المتصوفة عندنا وأن لهذا الحب درجات أدناها الحب الجسدى الذى ينتج للإنسان شيئا من الخلود عن طريق ذريته، إذ يحل أولاده محله فيخلد وجوده الفانى إلى حين، يلى ذلك الحب الروحى الذى يعشق فيه المحب نفس المحبوب، وهو أرفع من حب الجسد وأكثر خلودا، حيث يلقن فيه المحب محبوبه خصال الفضيلة والحكمة، التى يغرسها المحبوب بدوره فى معشوقه، وبذلك يكون لهذا الحب الروحى ذرية كذرية الحب الجسدى المادى، إلا أنها أكثر منها قيمة وجمالا، وشبيه هذا الحب، الحب الروحى بين الشيخ أو القطب فى الطريقة الصوفية ومريديه، فهو يجهد نفسه ليجعلهم محبوبين له، يشيعون أفكاره وتعاليمه فى تلاميذهم ومريديهم فتصبح له بذلك ذرية يفوق جمالها جمال ذرية الحب الجسدى، إذ شتان بين ذرية الدم والجسد، وذرية الروح والعلاقة الروحية. أما الحب الافلاطونى فهو حب مثالى يرقى فيه العقل فوق العالم الحسى ويرتفع عن العالم الروحى المقيد بالأشخاص والناس إلى عالم الجمال المطلق أو عالم المثال، وهذا الحب عند أفلاطون هو غاية الغايات للفيلسوف أو محب الحكمة، وهو الغاية التى ليست وراءها غاية. والفيلسوف لا يصل إلى هذه الغاية إلا بعد مجاهدات يعانيها، إذ لابد له أن يتجاوز الفرد أو الشخص الذى يتذكر بجسده أو بروحه عالم المثال إلى هذا العالم نفسه، فيتأمل مثله الأعلى فيه، ويحبه محبة تملك عليه نفسه، حتى لا يستطيع عنه حولا، أو حتى يستغرق فيه استغراقا خالصا، وهو استغراق شبيه باستغراق الصوفية عندنا فى حب الذات الإلهية وكمالها المطلق. أما الحب عند العرب فقد تحدث عنه فيلسوفهم ابن سينا الذى أفرد للعشق رسالة قال فيها: «إن الحب يؤدى إلى الكمال المنبعث من الكمال المحض». وهناك ابن حزم الأندلسى الذى يرى أن نفوس الإنسانية ترجع فى أصل نشأتها إلى نفس عليا واحدة توزعت أجزاؤها فى نفس الناس وأن هذه الأجزاء تتصل فيكون الحب وتنفصل فيكون البغض. ويربط بين ذلك قول الله تعالى: «وهو الذى خلقكم من نفس واحدة وجعل منها زوجها ليسكن إليها»، فجعل سبحانه وتعالى علة سكون الزوج إلى زوجته أنها منه كما عبرت عزة صاحبة كثير حين قال لها الحجاج: «والله ما أنت كما قال فيك كثير» فقالت له: «إنه يرانى بالعين التى رأيتنى بها» وهم يرون كذلك أن الحب قوة تعمى المحبوب عن رؤية أى نقص فى محبوبه، بل تجعله يضفى عليه جميع الخصال الطيبة حتى لكأنه نسج من أشعة القمر، ولا يزال يعيش فى هذا الخيال أو هذا الحلم منتشيا بشرابه الصفو الهنىء.. حتى إن امرأة عذرية من بنى عذرة بها هوى، سئلت: ما بال العشق يتكلم معاشر عذرة من بين أحياء العرب؟ فقالت: «فينا تعفف، والعفاف يورثنا رقة القلوب والعشق يفنى آحيالنا». فعلا.. الحب وحده هو الوسيلة المثلى لتآلف القلوب وتصفية النفوس وعلاج الأرواح، فلنعمل جميعا على أن يسود الحب بيوتنا ومجتمعنا.