كيف وقع لنا هذا وتصدرت أغنية « اللحن الواحد المتكرر» اغانى مصر كلها ! كيف تقوم اغانينا اليوم وتسير فى الناس وليس لأى منها سوى « لحن واحد متكرر» .. يتخذون اللحن الواحد سواء كانت الأغنية لعمر دياب او لشيرين أو لعلاء عبد الخالق أو لغيرهم .. ويهجرون القوالب المصرية بكاملها ! لن نسألهم أين القصيد ! ولماذا لم يضع واحد منهم قصيدا غنائيا فى الأشرطة والعروض الغنائية! لقد هجروا القصيد لأنه من عدة ألحان (عدة شخصيات موسيقية) ولكل «كوبليه» فيه لحن مختلف ! لن نسألهم عن الطقطوقة المصرية التى اختفت بالكامل رغم إنها تتشكل على نحو غاية فى الإبداع حيث يتكرر لحن موسيقى واحد تعقبه كل مرة ألحان مختلفة. لن نسألهم عن الحوار بين مطرب وآخر (أى بين لحن وآخر) والذى اختفى كأن لم يكن مع إنه مفتاح التطور وبوابة النماء الموسيقى المعاصر! وأنتم تعرفون إن الحوار هو أن تتقاطع الألحان المختلفة وتكثر بهذا الألحان فى الاغنية الواحدة فتثرى أغنيتنا وتمتلئ وتكف عن أن تكون ذات لحن واحد متكرر! لن نسألهم «أين الموشح « إذ سيسارعون بالرد المعهود «هذا قديم للغاية» أو «أين قالب الدور» والذى إختفى بدوره ! أين التقاسيم أو التحميلة، أين الموال ! وسوف نسألهم هنا عن واحد فقد من تراثنا هو النشيد، وذلك لدلالته التاريخية وصفاته النادرة. كان النشيد هو الوعاء الوحيد للغناء الجماعى المصرى (الغناء الجماعى هو إسناد اللحن الرئيسى فى الاغنية للجماعة وليس للفرد) .. ولم نعد اليوم نسمع منه شيئا .. كيف أضاعوه بعد أن أراقت ثلاثة أجيال سنوات عمرها وهى تشيده وتضع له من الأساليب ما يتفق وتراث المصريين ! نعم .. ثلاثة أجيال كاملة ممثلة فى ثلاثة مدارس موسيقية مصرية عظيمة: مدرسة محمد عثمان 1840 - 1900 ، مدرسة سيد درويش 1900 - 1930 ، مدرسة القصبجى السنباطى عبد الوهاب 1930 - 1965.. كيف اختفى النشيد وأضحت الأغنية الوطنية غناء فرديا ! لاشك ان غياب النشيد يجعل الأغنية المصرية تتضاءل بكل أنواعها إذ تصبح فردية اللحن على نحو مطلق !.. ونتوقف الآن عند السؤال الرئيسى : كيف غابت تسع قوالب موسيقية مصرية كاملة : الموال ، الموشح ، القصيد ، الدور ، الطقطوقة ، التقاسيم ، التحميلة ، النشيد، الحوار الغنائي إنها إرث الوطن وكل تراثنا المعاصر والذى شيدناه عبر قرنين طوال (التاسع عشر والعشرين) ؟ هل ماتت كلها ؟ لقد كان كل منها إنجازا وطنيا بذلت بلادنا من أجله الكثير! الواقع إن الاشكال الفنية الوطنية لا تموت مهما أهملناها ولا تنتهى أو تختفى فجأة، والصحيح دوما هو إن تستولد وتأتى من قلبها أشكال جديدة، ودون ذلك التوالد ينقطع حبل الوراثة وتختفى وحدة وتواصل الثقافة الوطنية فيأتى كل جيل منقطع الصلة بفن آبائه وأجداده ! هل يستطيع الابن الذى قطع الصلة بفن أبيه أن يبنى فنا جديدا ؟ كلا .. إذ ليس هناك « جديد « فى الفن وإنما « متجدد «. وأخيرا – مازالت أغنية المطرب الفرد تحتل كل هذه المساحة من إبداعنا نحن فلا نكاد فى مصر نسمع غيرها؟ آليس بوسعنا التقدم صوب التعدد بوضع أغنية يتوزع فيها اللحن – أضعف الايمان – على إثنين من المطربين ! أى إعمال مبدأ تناوب اللحن الواحد – مجرد التناوب – بين المطربين ولا أقول الحوار الكامل بين الألحان المختلفة ! الواقع والحقيقة إننا لابد وأن نتحرك بكامل جهودنا نحو الغناء الجماعى والغناء الحوارى منطلقين فى ذلك من قوالبنا التسع التقليدية .. أى نتحرك لغرس الجماعية والحوار فى قوالبنا الوطنية .. ودون ذلك لن يظهر بصيص من أمل فى التطور الموسيقي. [email protected]