فى مثل هذا الوقت من كل عام تظهر نتائج بكالوريوس الطب والجراحة على مستوى كل جامعات مصر البالغ عددها 23 جامعة تخرج ما يقرب من 10 آلاف طبيب يضافون لزملائهم السابقين الذين يتراوح عددهم ما بين 200 و250 ألف طبيب تقريبا، ولا يخفى على أحد نوعية هؤلاء الخريجين فبكل تأكيد هم خيرة شباب مصر حيث إنهم من الحاصلين على أعلى المجاميع فى الثانوية العامة والكثير منهم بذلوا أقصى جهدهم للحصول على أعلى الدرجات خلال سنوات الدراسة المرهقة جدا، كما لا يخفى على أحد أيضا شدة المنافسة بين هؤلاء الطلاب طيلة فترة دراستهم للحصول على أعلى المجاميع ليلحقوا بركب التعيين كأعضاء هيئة تدريس بكلية الطب إلا أنهم يصطدمون بالعقبة الكؤود وهى امتحانات الشفهى بكليات الطب وعلى شتى المستويات وان كانت مفيدة فى بعض الأوجه إلا أنها ضارة ضررا بالغا فى أوجه أخرى كثيرة فلا توجد بها معايير ثابتة للحكم على الطالب وان عدل ممتحن فغيره لن يعدل كما أن معايير الحكم تختلف من امتحان إلى آخر ومن حالة مزاجية لممتحن لحالة مزاجية آخر ناهيك عن استغلال ضعاف النفوس من أعضاء هيئة التدريس مواقعهم لمجاملة ابنائهم وأقربائهم مجاملة فجة غالبا ما تطيح بأمل طالب آخر يستحق ما حصل عليه الطالب الغشاش وللأسف مازال ذلك يحدث على مستوى الجامعات ولا أنسى مقولة أستاذ كبير وعميد أسبق بقصر العينى رحمه الله منذ ما يقرب من 25 عاما أثناء محاضراته لنا (أنتم زبدة المجتمع ولكم علينا أن نعطيكم أعلى الدرجات حتى تختاروا التخصصات والأماكن المحبوبة لكم لكن خارج الجامعة وليس داخلها)، فماذا تنتظر من خريج متفوق (وما أكثرهم) بدأ حياته بغصة شديدة فى حلقه لشعوره بأن حقه سلب منه وذهب لمن لا يستحق وأن التفوق لا قيمة له ولا علاقة بين الانتاج والعمل بل العلاقة هى بين الواسطة والمحسوبية والعمل.. هل تنتظر من هذا الخريج أن يتقن عمله أم أنه سوف يبحث عن أول طريق للهجرة لمكان آخر بقدر قيمة التفوق والعمل، كما نراه ماثلا أمامنا من المصريين العاملين فى أوروبا وأمريكا. وإذا اضفنا لهذا ما يحدث فى بقية المؤسسات والشركات والهيئات العاملة بالدولة من حجز الوظائف للابناء والأقارب والمحاسيب بطرق وأساليب شتى أصبح الشباب على علم بها تماما فإننا نحكم بذلك على ثروة مصر من قوة عاملة هائلة وما ينتج عنها من خسائر اقتصادية ضخمة وخسائر اجتماعية وثقافية أضخم ولابد لأهل الحل معالجة هذه المشكلة من أساسها علاجا عادلا لنضمن لبلدنا مستقبلا مشرقا ومشرفا. د.محمد أحمد عبدالخالق أستاذ بطب الأزهر