سعر الذهب اليوم السبت 4-5-2024 في مصر.. الآن عيار 21 بالمصنعية بعد الارتفاع الأخير    أخبار مصر: خبر سار للاقتصاد المصري، فرمان بنهاية شيكابالا في الزمالك، شيرين تثير الجدل بالكويت، أمريكا تطالب قطر بطرد حماس    بعد إعلان موعد فتح باب التقديم.. اعرف هتدفع كام للتصالح في مخالفات البناء    وانتصرت إرادة الطلبة، جامعات أمريكية تخضع لمطالب المحتجين الداعمين لفلسطين    حسين هريدي: نتنياهو ينتظر للانتخابات الأمريكية ويراهن على عودة ترامب    حزب الله يستهدف جنود الاحتلال الاسرائيلي داخل موقع بيّاض بليدا    روسيا ترد على اتهامات أمريكا بشأن تورط موسكو في هجمات إلكترونية ضد دول أوروبية    صلاح سليمان يعلن رحيله عن قناة النهار بسبب هجوم إبراهيم سعيد على شيكابالا    مفاجآت بالجملة في تشكيل الأهلي المتوقع أمام الجونة    حالة الطقس المتوقعة غدًا الأحد 5 مايو 2024 | إنفوجراف    نشرة المرأة والصحة : نصائح لتلوين البيض في شم النسيم بأمان.. هدى الإتربي تثير الجدل بسعر إطلالتها في شوارع بيروت    تشكيل مانشستر سيتي المتوقع أمام وولفرهامبتون    30 دقيقة تأخير في حركة قطارات «القاهرة - الإسكندرية» السبت 4 مايو 2024    اكتشاف جثة لطفل في مسكن مستأجر بشبرا الخيمة: تفاصيل القضية المروعة    إصابة 15 شخصًا في حادث سيارة ربع نقل بالمنيا    المالية: الانتهاء من إعداد وثيقة السياسات الضريبية المقترحة لمصر    بعدما راسل "ناسا"، جزائري يهدي عروسه نجمة في السماء يثير ضجة كبيرة (فيديو)    أسعار اللحوم والدواجن والخضروات والفواكه اليوم السبت 4 مايو    حدث ليلا.. خسارة إسرائيل وهدنة مرتقبة بغزة والعالم يندفع نحو «حرب عالمية ثالثة»    بكام الفراخ البيضاء اليوم؟.. أسعار الدواجن والبيض في الشرقية السبت 4 مايو 2024    الداخلية توجه رسالة للأجانب المقيمين في مصر.. ما هي؟    المطرب هيثم نبيل يكشف كواليس فيلم عيسى    وفاة الإذاعي الكبير أحمد أبو السعود.. شارك في حرب أكتوبر    إغماء ريم أحمد فى عزاء والدتها بمسجد الحامدية الشاذلية    دراسة جديدة تحذر من تربية القطط.. تؤثر على الصحة العقلية    رسالة من مشرعين ديمقراطيين لبايدن: أدلة على انتهاك إسرائيل للقانون الأمريكي    إسماعيل يوسف: «كولر يستفز كهربا علشان يعمل مشكلة»    الإسكندرية ترفع درجة الاستعداد القصوى لاستقبال أعياد القيامة وشم النسيم    المحكمة الجنائية الدولية تحذّر من تهديدات انتقامية ضدها    مالكة عقار واقعة «طفل شبرا الخيمة»: «المتهم استأجر الشقة لمدة عامين» (مستند)    مصطفى بكري عن اتحاد القبائل العربية: سيؤسس وفق قانون الجمعيات الأهلية    37 قتيلا و74 مفقودا على الأقل جراء الفيضانات في جنوب البرازيل    ارتفاع جديد.. أسعار الحديد والأسمنت اليوم السبت 4 مايو 2024 في المصانع والأسواق    رشيد مشهراوي ل منى الشاذلي: جئت للإنسان الصح في البلد الصح    معرض أبو ظبي للكتاب.. جناح مصر يعرض مسيرة إبداع يوسف القعيد    جوميز يكتب نهاية شيكابالا رسميا، وإبراهيم سعيد: بداية الإصلاح والزمالك أفضل بدونه    حسام موافي يوضح خطورة الإمساك وأسبابه.. وطريقة علاجه دون أدوية    سبت النور.. طقوس الاحتفال بآخر أيام أسبوع الآلام    هبة عبدالحفيظ تكتب: واقعة الدكتور حسام موافي.. هل "الجنيه غلب الكارنيه"؟    مصرع شاب في حادث اليم بطريق الربع دائري بالفيوم    برش خرطوش..إصابة 4 من أبناء العمومة بمشاجرة بسوهاج    هييجي امتي بقى.. موعد إجازة عيد شم النسيم 2024    حازم خميس يكشف مصير مباراة الأهلي والترجي بعد إيقاف تونس بسبب المنشطات    عرض غريب يظهر لأول مرة.. عامل أمريكي يصاب بفيروس أنفلونزا الطيور من بقرة    سلوي طالبة فنون جميلة ببني سويف : أتمني تزيين شوارع وميادين بلدنا    250 مليون دولار .. انشاء أول مصنع لكمبوريسر التكييف في بني سويف    دينا عمرو: فوز الأهلي بكأس السلة دافع قوي للتتويج بدوري السوبر    أول تعليق من الخطيب على تتويج الأهلي بكأس السلة للسيدات    برلماني: تدشين اتحاد القبائل رسالة للجميع بإصطفاف المصريين خلف القيادة السياسية    دعاء الفجر مكتوب مستجاب.. 9 أدعية تزيل الهموم وتجلب الخير    دعاء الستر وراحة البال .. اقرأ هذه الأدعية والسور    توفيق عكاشة: الجلاد وعيسى أصدقائي.. وهذا رأيي في أحمد موسى    عضو «تعليم النواب»: ملف التعليم المفتوح مهم ويتم مناقشته حاليا بمجلس النواب    «البيطريين» تُطلق قناة جديدة لاطلاع أعضاء النقابة على كافة المستجدات    طبيب يكشف سبب الشعور بالرغبة في النوم أثناء العمل.. عادة خاطئة لا تفعلها    أخبار التوك شو| مصر تستقبل وفدًا من حركة حماس لبحث موقف تطورات الهدنة بغزة.. بكري يرد على منتقدي صورة حسام موافي .. عمر كمال بفجر مفاجأة    «يباع أمام المساجد».. أحمد كريمة يهاجم العلاج ببول الإبل: حالة واحدة فقط بعهد الرسول (فيديو)    المفتي: تهنئة شركاء الوطن في أعيادهم ومناسباتهم من قبيل السلام والمحبة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مرحبا بزيارة الرئيس بوتين إلى مصر

مع قرب زيارة الرئيس بوتين الى القاهرة، عادت بى الذكريات الى الفترة التى توطدت فيها العلاقات بين البلدين فى الخمسينيات والستينيات، وازدادت قوة بتوالى مراحل نضالنا الوطنى من أجل التحرر والاستقلال والتنمية الاقتصادية.
لقد اعترفت مصر بالاتحاد السوفيتى أثناء الحرب العالمية الثانية فى عام 1943 مع تعاظم الدور العسكرى السوفيتى فى صد قوات النازى. ولكن بدأ التقارب الحقيقى بيننا بعد ثورة 23 يوليو 1952، وبالذات بعد عقد مؤتمر باندونج الذى ضم الدول التى آمنت بالحياد فى إبريل 1955، فلقد سئمت كلها الحرب الباردة التى كانت تهدد العالم بالفناء، وأرادت أن تتبنى طريقا ثالثا بين القطبين الأعظم فى ذلك الوقت؛ الاتحاد السوفيتى والولايات المتحدة.

أولا: الاتحاد السوفيتى مصدر السلاح لمصر
وفيما بين جلسات انعقاد مؤتمر باندونج التقى جمال عبد الناصر بشواين لاى رئيس وزراء الصين- وفاتحه فى المعضلة التى تواجه مصر؛ فالمملكة المتحدة والولايات المتحدة تسوفان منذ قيام الثورة فى إمداد مصر بالسلاح، واتضح فيما بعد من الوثائق البريطانية أنهما كانتا متفقتان على ذلك، ومعلقتان الموضوع على قبول مصر أن تعقد صلحا مع إسرائيل! وفى نفس الوقت فإن اسرائيل أرادت أن تتحدى النظام الجديد فى القاهرة، فدأبت على القيام بمناوشات على الحدود، وقتل المدنيين منذ 1953. واستمر التصاعد إلى أن قامت بغارة كبيرة على غزة وخان يونس فى 28 فبراير 1955؛ اعتدت فيها على الأهالى وقتلت جنودا مصريين!
وهنا أصبح الردع ضروريا، وصارت مسألة الحصول على السلاح لها أولوية أولى. وعلى الفور عرض شواين لاى على جمال عبد الناصر إقامة اتصالات مع الاتحاد السوفيتى ليمد مصر بالسلاح، فوافق على الفور.
وأعلن جمال عبد الناصر عن هذه الصفقة التى رئي أن تكون مع تشيكوسلوفاكيا فى 27 سبتمبر 1955. وقامت الدنيا.. وحضر عدد كبير من المراسلين الأجانب الى القاهرة وراء أخبار هذه الصفقة الجريئة، حيث إنها كانت أول إيذان بدخول الاتحاد السوفيتى إلى منطقة الشرق الأوسط، التى أراد الغرب أن يطوقه من خلالها بحلف بغداد، الذى حاربه أيضا جمال عبد الناصر وأسقطه.

ثانيا: مساندة موسكو لمصر فى عدوان 1956:

وما لبث النظام الداخلى فى مصر أن استقر بعد ثورة 23 يوليو 1952، فقد انتهت فترة الانتقال، ووضع دستور 1956، وتم الاستفتاء عليه مع رئيس الجمهورية جمال عبد الناصر فى يونيو 1956، وتم انسحاب القوات البريطانية من منطقة قناة السويس فى 18 يونيو من نفس العام، بموجب اتفاقية الجلاء التى عقدت فى 19 أكتوبر 1954. وبدأت مصر تنظر للمستقبل، ووضعت خططا طموحة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية، كان أبرز ما فيها مشروع السد العالى. ولن أتكلم هنا على سحب الولايات المتحدة والمملكة المتحدة والبنك الدولى عرض تمويل السد العالى، ولا على تأميم جمال عبد الناصر لقناة السويس حتى يسد دخلها جزءا من تكاليف المشروع، فتلك قصة معروفة، ولكننى أردت أن أذكّر بوقوف الاتحاد السوفيتى الى جانبنا فى مواجهة العدوان الظالم من ثلاث دول على مصر، الدولة الصغيرة.
لقد هاجمت اسرائيل مصر من خلال شبه جزيرة سيناء فى 29 أكتوبر 1956، وكانت تفاصيل المؤامرة التى حيكت أطرافها فى مدينة سيفر بفرنسا؛ أن تتقدم المملكة المتحدة وفرنسا بإنذار الى مصر واسرائيل؛ أن تنسحبا الى مسافة 20 ميلا شرق وغرب القناة، وأن تسمح مصر للدولتين المعتديتين باحتلال مدن القناة الثلاثة؛ بورسعيد والإسماعيلية والسويس.
رفض جمال عبد الناصر فورا هذا الإنذار، وأعلن المقاومة الشعبية ووزع السلاح على المواطنين. وفى نفس الوقت أرسل برقيتين الى كل من الاتحاد السوفيتى والولايات المتحدة يطلب منهما الوقوف الى جانب مصر.
رد أيزنهاور بأن الولايات المتحدة ستساند مصر فى الأمم المتحدة. أما بالنسبة للاتحاد السوفيتى فقد تتابعت برقيات التأييد لموقف مصر النضالى، وأعلنت الحكومة الروسية الاستعداد لإمدادنا بالسلاح، كما أرسل كل من شبيلوف وخروشوف يؤكدان على وقوف الاتحاد السوفيتى الى جانبنا. وبعد أن وقفت مصر وحدها أمام العدوان أكثر من ثمانىة أيام، صدر الإنذار الروسى لدول العدوان ملوحا باستخدام الصواريخ الذرية فى مواجهتها. وهنا توقف ضرب النار، وإن استمرت المقاومة فى بورسعيد التى احتلها الانجليز والفرنسيون.
لقد كانت هذه أول مرة أثناء الحرب الباردة يستخدم الاتحاد السوفيتى مثل هذا الإنذار فى مواجهة الغرب، ومن هنا بدأت مرحلة جديدة فى علاقات القاهرة وموسكو.

ثالثا: تمويل خطة التصنيع ومشروع السد العالى:

ما أن انتهت المعركة السياسية بعد العدوان وتوقفت المدافع، وانسحبت إسرائيل من سيناء فى 12 مارس 1957، حتى تم التوقيع على اتفاقية مع الاتحاد السوفيتى تمول برنامج التصنيع المصرى الطموح، ثم حل الاتحاد السوفيتى محل الغرب فى تمويل الجزء الذى احتاجته مصر فى مشروع السد العالى، بالإضافة الى قيامه بتوفير الخبرة الفنية اللازمة.
أزمة عابرة مع موسكو:
وبعد قيام الوحدة المصرية السورية فى 22 فبراير 1958، بدأت بوادر توتر فى العلاقات بين القاهرة وموسكو؛ وذلك عندما ظهر خالد بكداش زعيم الحزب الشيوعى السورى- الى جانب خروشوف فى المؤتمر 21 للحزب الشيوعى السوفيتى، وهاجم الجمهورية العربية المتحدة. وقد تصاعد الموقف فيما بعد؛ مما أدى الى انتقاد متبادل بين خروشوف وعبد الناصر، خاصة بعد أن بدأ الحزب الشيوعى المصرى يتحرك تأييدا للخط السوفيتى!
ولقد أوضح جمال عبد الناصر لخروشوف أن العلاقات بين الدولتين منذ البداية قامت على أساس أن لكل دولة عقيدتها الخاصة، وألا تتدخل فى النظام السياسى أو الاجتماعى فى مصر.
استمر هذا التباعد حوالى العام، وبالطبع تباطأت إمدادات الاتحاد السوفيتى بالأسلحة والآلات الى أن عادت الأمور الى طبيعتها.
وأحب هنا أن أشير الى أن الاتحاد السوفيتى لم يكن محبذا للوحدة المصرية السورية، وهو نفس موقف الغرب الذى عارضها. وعندما حدث الانفصال فى 28 سبتمبر 1961 ارتاح الطرفان!
وفى مايو 1964 حرص خروشوف على الحضور بنفسه الى القاهرة ليشارك فى احتفال تحويل مجرى نهر النيل فى أسوان؛ حدث تاريخى بالنسبة لمصر يشهد على التحدى والإصرار من جانب شعبها.

رابعا: السند الوحيد لمصر بعد عدوان 1967:

ولقد اقتربت موسكو من مصر أكثر بعد عدوان 5 يونيو 1967. وبعد إصرار الشعب المصرى على مواصلة طريق التحرير فى 9 و 10 يونيو، فقد حضر الى القاهرة الرئيس بودجورنى بعد 12 يوما من عدول عبد الناصر عن الاستقالة تحت ضغط الشعب، يرافقه المارشال زخاروف رئيس الأركان السوفيتى وجرت مباحثات ركز فيها جمال عبد الناصر على أهمية الدفاع الجوى، وقال: «إن أمامنا أياما صعبة، ولكى نستطيع أن نتغلب عليها وحدنا صعب جدا... وإما أن نسلم الى أمريكا مثل تايلاند ويعطوننا مساعدات اقتصادية، ونخضع للاستعمار العالمى، أو نقاتل ونناضل، وهذا يحتم علينا أن نتفق مع الاتحاد السوفيتى».
وأضاف عبد الناصر.. «إن عملية إخراج اليهود ستكون مسئوليتنا وليست مسئوليتكم، أما الدفاع عن الجمهورية، فهذا ما نطلبه منكم... ويحتمل أن يعيد اليهود القتال، ويتوغلوا فى أرض الجمهورية، لذلك نتحدث الآن عن الدفاع المشترك».
وطلب عبد الناصر من بودجورنى استضافة الأسطول السوفيتى فى الموانى المصرية، فمن الممكن تسهيل مطالبه التموينية، وقال: «عامة الأمريكان سيعرفون وسيجنون، وقد يأمرون إسرائيل بالاستمرار فى الهجوم على مصر، لذلك طلبت مساعدة قوات جوية وللدفاع الجوى». كما تمت طلبات من الجانب المصرى لبناء الجيش بأسرع وقت ممكن.
وكان رد بودجورنى: «سنقدم كل المساعدات الى القوات المسلحة، ونعتبر هذا ليس طلبا منكم، ولكن واجبا علينا».
وبادر عبد الناصر بالطلب الثانى؛ وهو المساعدات الاقتصادية؛ إذ إن قفل قناة السويس تكلفته 9 ملايين جنيه شهريا، بالإضافة الى خسائر البترول من سيناء.
ثم بدأ حديث عبد الناصر عن استعواض الكميات الكبيرة من السلاح التى فقدها الجيش فى العدوان. وقال: «بمناسبة وجود زخاروف ممكن دراسة بعض النتائج؛ فالطائرات الميج مداها قصير بالمقارنة بالمستير وميراج وفيتور، التى تملكها اسرائيل ويمكنها أن تصل الى مرسى مطروح! وهذا معناه أن الطائرات الإسرائيلية ممكن أن تصل الى عمق مصر، بينما طائراتنا لا يمكن أن تصل الى عمق إسرائيل! نحن فى حاجة إلى طائرة قاذفة مقاتلة بعيدة المدى، وإلا دائما إسرائيل ستتمكن من ضربنا ونحن لا نتمكن من ضربها».
وقال عبد الناصر: «نحاول أن ننسى الماضى بدروسه، ونبدأ من أول وجديد. كذلك فى المرحلة الأولى لبناء الجيش.. لا بد أن نضع عاملا رئيسيا؛ وهو إمكان مهاجمتنا بواسطة اسرائيل مرة أخرى. إن عندى الآن طيارين بدون طائرات، وعندى فرق مشاة بأسلحة ناقصة، والمهم أن نسرع فى تسليح قواتنا».
ورد بودجورنى.. «إننا مازلنا عند وعدنا بإعادة تسليح القوات المسلحة، ورغم بعد المسافة بيننا، فإننا سنرسل بحرا وجوا المساعدات العسكرية المطلوبة»، وقد تم تعويض ما فقد فى عدوان 1967 بالمجان.
واقترح زخاروف بالنسبة للدفاع الجوى أن يسرعوا فى تخريج الضباط المصريين الذين كانوا فى موسكو للتدريب قبل الحرب.
أضاف بعد ذلك عبد الناصر.. «نحتاج الى خبراء فى التدريب والتنظيم للقيادات... وأقترح أن يكون كبير الخبراء له اتصال بى مباشرة»، وقد وافق بودجورنى على ذلك فورا. واستمر عبد الناصر قائلا: «هناك عديد من البطولات فى قواتنا، وقد يكون العيب الرئيسى هو الشلل الذى حدث فى القيادات. إن الاستعمار سيقول عن الخبراء: احتلال آخر! ولكن يمكن بواسطة الجانبين، والعلاقات الثنائية الحسنة أن نتغلب على الاستعمار».
وختم بودجورنى قائلا: «طلبنا من الجزائر أن يرسلوا فورا طائراتهم حوالى 40 طائرة - على أن نعوضهم فيما بعد، وقد تم ذلك فعلا وأرسلنا لهم حوالى 70 طائرة... إن العدو قريب منكم على مسافة 100 ك م وأنت قلق ولا تنام، ونحن مثلك تماما رغم بعد المسافة».
واستمرت العلاقات بين القاهرة وموسكو فى هذه الفترة على أعلى مستوى، وإن مرت بعدة مراحل تواكبت مع تطور حرب الاستنزاف التى دامت أكثر من ثلاث سنوات:

1- مرحلة الصمود والدفاع النشط:

وفى هذه المرحلة جرى تراشق بالمدفعية بين القوات المصرية والإسرائيلية عبر قناة السويس، ولم يشترك الطيران المصرى فى القتال، كما قامت دوريات من الصاعقة بعبور القناة ليلا وأجرت عمليات ضد العدو. وكان عبد الناصر يجتمع بنفسه دوريا مع الخبراء السوفيت، ومع قيادات الجيش حتى رتبة قائد كتيبة.
وبعد عام من العدوان أصبح الوضع العسكرى فى الجبهة المصرية؛ أنها قادرة تماما على الدفاع، وهناك تقدم بالنسبة لجميع النواحى، ومع التعويض لجزء كبير من الأسلحة المفقودة من الاتحاد السوفيتى استطاعت قواتنا أن تقف على أرجلها.
وقد دعا برجنيف جمال عبد الناصر الى موسكو لمزيد من التشاور فى يوليو 1968. وأثناء المباحثات بينهما قال عبد الناصر: «إن إعادة بناء الجيش عملية صعبة، ولكن أمكن تحقيقها... إن تدريب الجيش جيد جدا... وكله موجود فى المواقع، متى نحارب؟ لقد أقيل عدد كبير من الرتب الكبيرة، ومسك القيادات ضباط شبان... والقوات المسلحة كلها تنظر الى الاتحاد السوفيتى، عارفين أنه بعد 5 يونيو لم يكن لدينا شيء؛ لأننا خسرنا كل شيء، وانبنى جيش! عندنا الآن من ناحية حجم القوات مرة ونصف عن قبل 5 يونيو.
وبالنسبة لنوع الجندى، من 30 يونيو العام الماضى، أصبح التجنيد يعتمد أساسا على المؤهلات؛ فتغير الجيش من فلاحين الى متعلمين... وقد أعطى دخول العناصر المتعلمة خطوة جبارة فى مستوى التدريب... إن العسكرى المصرى عسكرى مقاتل؛ فلاح أو متعلم».
واستطرد عبد الناصر.. «بالنسبة للموقف على ضفة القناة فى هذه المرحلة فهو ثابت، ولكن السيطرة الجوية معهم، وهذا يعطيهم قوة الحركة والمناورة».
وفى أثناء هذه المباحثات ظهر خلاف فى وجهة النظر بين عبد الناصر وبرجنيف حول الحل السلمى، فكان من رأى عبد الناصر، «أنه بالنسبة للمستقبل نحن نخشى من الحل السلمى؛ على أساس أننا لا نستطيع أن نتنازل عن أرض؛ لأن من يقبل الحل السلمى هما بلدان.. نحن والأردن. وطبعا لا يمكن التفاوض مباشرة مع اسرائيل، هذا التفاوض معناه استسلام؛ لأنه محتل أرض عربية، ولا يوجد عربى يقبل هذا، ثم لا نستطيع التوقيع على معاهدة صلح».
وأضاف عبد الناصر.. «فى نفس الوقت لا بد أن نجهز قواتنا الى معركة. ماذا يحدث إذا لم نصل الى حل سلمى؟ هل نترك اسرائيل تحتل أراضينا؟! الآن مرت سنة، نستطيع أن نستمر سنة أخرى ونسيطر على الجبهة الداخلية، ماذا نعمل؟... هذا يستدعى أن يكون لدينا قوة جوية تتصدى لقوة اسرائيل».
وأكد عبد الناصر على رأيه فى الحل السلمى قائلا: «إن اسرائيل قد حققت الهدف العسكرى ولم تحقق الهدف السياسى؛ لا لأمريكا وليس لها، لماذا تنسحب اسرائيل؟... هدفها هو خلخلة الأنظمة فى المنطقة، وإقامة حكومات ضعيفة موالية للغرب، ممكن أن تتفق مع اسرائيل، وتفتح لها المجال الاقتصادى مع اسرائيل. وهو يعلم أننا لا نستطيع أن ندخل معه معركة عسكرية؛ إذاً لا داعى للانسحاب! يستمر سنة، والبلاد العربية فى غليان!... وهم ينتظرون شيئا واحدا.. تغيير».
ودار بعد ذلك نقاش:
كوسيجن: [رئيس الوزراء] «ما هو الحد الأقصى الذى تستطيعون أن تقبلوه من أجل الحل السلمى؟
عبد الناصر: «كل ما فى قرار مجلس الأمن... وهو يشمل: حق كل دولة فى البقاء، إنهاء حالة الحرب بعد إتمام انسحاب القوات الاسرائيلية، الاتفاق على الحدود الآمنة، الملاحة فى خليج العقبة، الملاحة فى قناة السويس مع حل مشكلة اللاجئين حسب قرار الأمم المتحدة؛ العودة أو التعويض... والمناطق منزوعة السلاح، على أن تكون على جانبى الحدود».
وهنا حدث خلاف فى المواقف بين الطرفين..
كوسيجن: «لا توجد فرصة لحل قضية اللاجئين بهذا الشكل، «إن القضية الفلسطينية معقدة، لم تتقدم ولا خطوة بعد قرارات الأمم المتحدة».
برجنيف: «لنحل القضايا التى نشأت بعد العدوان، وتترك التى قبله. قبل العدوان هل السفن الاسرائيلية كانت لا تمر»؟
عبد الناصر: «منذ قيام دولة اسرائيل، ولا البضائع... وهذا ما جعلنى أقول: إن القرار غير كاف، ونحن نربط موضوع قناة السويس بموضوع اللاجئين؛ لأن الموضوع حساس جدا. بدون حل المشكلة، لا يمكن مرور العلم الاسرائيلى فى وسط الأراضى المصرية... إن قضية فلسطين بالنسبة لكل واحد فى مصر هى قضيته المقدسة، إذا طلب تصفيتها نكون فى وضع خطير جدا».
برجنيف: «نحن نفهم هذا وإن كنا مكانكم لا بد وأن نقول مثلكم. وماذا عن إمكانية مرور البضائع الاسرائيلية فى قناة السويس»؟
عبد الناصر: «إن البضائع كانت تمر سنة 1957، ونحن الذين منعناها فى نفس العام. فى وقت الملك فاروق كانت البضائع تمر، وبعد عدوان 1956 أوقفناها».
وعندما اقترح كوسيجن توقيع بيان مع اسرائيل لإنهاء حالة الحرب بدون معاهدة صلح، كما فعلوا مع اليابان بعد الحرب العالمية الثانية، اعترض عبد الناصر.. «نعمل بيانا مع اسرائيل؟!... أى عمل مشترك مع اسرائيل غير ممكن، ولكن ممكن أن نقول هذا لمجلس الأمن».
واستطرد عبد الناصر قائلا: «بدون القوة العسكرية، لن تقبل اسرائيل الحل السلمى. طالما يعلم أننا لا نستطيع أن نتصدى له فى معركة، لماذا ينسحب؟!... أنا أعتقد أن ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة... لدينا الآن قوة تستطيع أن تدافع، يجب تحويل هذه القوة الى هجوم، وهذا لا يمكن إلا بمساعدة الاتحاد السوفيتى. وأرى أن تعتبروا هذه قضيتكم كما هى قضيتنا، إذا هُزمنا هُزمت قضية التحرر فى العالم... يجب أن نجهز قواتنا؛ لكى يكون هناك الجيش الهجومى، كيف نحقق هذا؟ يجب أن تكون الأسلحة التى لدينا هى مثل اسرائيل، بل أكثر منها. هذا يتطلب وقتا وتدريبا».
وعن المستشارين السوفييت فى مصر.. قال عبد الناصر: «إن عملهم مفيد جدا. طبعا حدثت محاولات كثيرة ضدهم، ولكن أمكن التغلب عليها. إن الأغلبية فى القوات المسلحة تشعر بأنها استفادت منهم».
ومع بداية 1969 تزايد التسليح السوفيتى لرفع القدرة القتالية لمصر، وصار تبادل نيران المدفعية على طول خط المواجهة أكثر كثافة. وتمت فى نفس الوقت عملية تهجير واسعة لأهل القناة فى بورسعيد والإسماعيلية والسويس؛ حتى لا يصبحوا رهينة فى يد العدو بعد أن تزايد عدد القتلى منهم عن عدد العسكريين فى هذه المنطقة.

2- مرحلة التحدى والردع:

فى 6 يناير 1970 حدث تصعيد خطير فى حرب الاستنزاف؛ بقيام الطائرات الاسرائيلية بضرب أهداف مدنية على حدود القاهرة؛ تسبب عنها قتل مدنيين وأطفال. وأصبح الموقف يحتاج الى وقفة جديدة، فسارع عبد الناصر الى موسكو فى 23 يناير، ليتباحث مع القادة السوفييت وبدأ حديثه قائلا: «إن عدوان 1967 حقق الهدف العسكرى، ولكن لم يحقق الهدف السياسى؛ وذلك بسبب رفض شعوب العرب للهزيمة، وبفضل تأييد وتدعيم الاتحاد السوفيتى. ولكن القوى المعادية لم تفقد الأمل، واعتبرت الموضوع موضوع وقت لممارسة العنف السياسى والعسكرى والاقتصادى؛ حتى يمكن أن يحقق العدوان هدفه بالاستسلام...
وإن الولايات المتحدة سلحت اسرائيل بأحدث ما لديها من أسلحة... ويتضح من هذا التسلح أن أمريكا تدعم اسرائيل لتفرض علينا إرادتها... هذا بالإضافة الى أن كل الدول الغربية تساعد اسرائيل من ناحية المعلومات والمخابرات... وأيضا أعطتها أمريكا مساعدات اقتصادية، والمساعدات الدعائية والمعنوية.
وطبعا كان منتظرا أن الأنظمة الثورية [ العربية] ستسقط بمضى المدة أو تضعف؛ الذى حدث فى مصر كان العكس، والذى حدث فى الدول العربية كان العكس، فقامت ثورة فى السودان [25 مايو 1969] وقضت على آمال أمريكا والاستعمار كله، ثم فجأة قامت ثورة فى ليبيا [1 سبتمبر 1969]، وفى أول يوم رأينا أهميتها الكبيرة لنا فى إضعاف الوضع الاستعمارى والأمريكى فى شمال إفريقيا والبحر المتوسط... ليبيا تنتج 170 مليون طن بترول، قاعدة هويلس أكبر قاعدة أمريكية، وهى أيضا نقطة مواصلات لكل القارة الإفريقية... إن ثورة ليبيا غيرت الأوضاع الاستراتيجية فى البحر الأبيض.
إذا بعد الثورة الليبية العداء الأمريكى تزايد جدا؛ وخصوصا بالنسبة لنا. بدلا من أن نضيع هم الذين يضيعون! معنى هذا أن التيار التقدمى يسير رغم الهزيمة، وأنه قادر على تحريك الشعوب العربية. معنى هذا أن تأثير الهزيمة لا يصيب الدول التقدمية رغم هزيمتها، ولكنه أصاب الدول الاستعمارية.
بالاختصار.. كان إسقاط النظام قبل ثورة ليبيا هدفا، والآن بعد ثورة ليبيا والسودان أصبح ضرورة!...
إن الأمريكان يقولون: إن الاتفاق مستحيل مع العرب إذا ظل النظام المصرى موجودا!...
والحقيقة أن كل المحاولات ضد النظام المصرى هى محاولة للاستيلاء على الشرق الأوسط، وإخراج الاتحاد السوفيتى من البحر الأبيض... وتصريح أبا إيبان الأخير هو اعتراف بذلك، فقد قال: لا بد أن نتخلص من النظام المصرى، وقال أيضا: إن الروس استطاعوا أن يصلوا لأول مرة للشرق الأوسط والبحر الأبيض، وإذا فتحت قناة السويس سيصلون للبحر الأحمر والمحيط الهندى...
وأمريكا تشعر أن الموقف فى السعودية مهدد جدا، وعنده مشاكل كثيرة، كذلك الموقف فى تونس. وأى نجاح لنا؛ سواء سياسى أو عسكرى سيعجل بالقضاء على هذه الأوضاع، وعلى الوجود الأمريكى فى الشرق الأوسط. لبنان كانت محطة للأسطول السادس، الآن لا تستطيع أن تفعل ذلك!
والحقيقة أن أمريكا.. سنين وهى تريد إعادة العلاقات الدبلوماسية؛ لأنها لا تستطيع أن تعيد علاقاتها مع أى بلد عربى إلا إذا بدأت بنا، وهم يقولون: إن عودة العلاقات ستمكن من الاتفاق والتفاهم. ونحن لا نرى هذا؛ لأن الأردن فيها نفوذ أمريكا، ولها علاقات دبلوماسية معها، ولكنهم يشعرون أن النظام الأردنى عاجز أمام قوى الفدائيين. ماذا فعل الأمريكيون؟ مساندتهم لاسرائيل معروفة، وكذلك للدول الرجعية، عداؤهم للدول التقدمية معروف...
إن الأمريكان يتكلمون عن الحل السلمى، ولكنهم يعطون اسرائيل أحدث الأسلحة ويعطونهم الطيارين والفنيين.
وإذا كانت أمريكا فى يدها الحل.. لماذا لا نقيم علاقات معها، مادامت هى الوحيدة القادرة على الضغط على اسرائيل؟ ونحن أجبنا أن الملك حسين له علاقات طيبة مع أمريكا ولكن لم يحدث شئ!...
بالنسبة للدفاع الجوى على قناة السويس، فى يوم واحد كان يوجد 170 طلعة جوية! وتعزيز الجبهة كان سيتم فى أول يونيو، ولكن اسرائيل تحركت مرحلة الى الأمام بالقيام بالغارات فى العمق، وضربوا أهدافا قريبة من القاهرة...
إن هدف اسرائيل الآن هو منع أى تهيئة للقوات المصرية لعمل هجومى، وتطمين الولايات المتحدة أن غاراتها فى العمق تؤثر فى النواحى النفسية...
وقد أعلنت جولدا مائير بعد هذه الغارات فى صحيفة دافار.. أن الغرض هو إضعاف الروح المعنوية فى الجمهورية العربية المتحدة، وإضعاف الثقة فى النظام المصرى ثم إسقاطه!...
طبعا حدثت من عندنا بعض أخطاء، ولكن التفوق المعادى من السلاح الجوى يمكنهم من التسلل الى القاهرة؛ لقربها من الجبهة... فتستطيع قواتهم الجوية أن تصل الى القاهرة فى 7 دقائق أو أقل، وفى الغارات الأخيرة كان الطيران على 50 مترا!... إنه يستطيع أن يجيء ويضرب ويرجع فى 10 دقائق!...
ولكن فى الغارات الأخيرة بعد وضع [الصواريخ] الاستريلا فى الجبهة مع الرادارات... عندما فوجئوا بها أسقط منهم 6 طائرات، فتنبهوا بشيء جديد، وهاجموا الصواريخ، وجاءوا على ارتفاعات 4 5 ك م... [ والآن على الجبهة] المدفعية موجودة والاستريلا، ولكنهم لا يأتون على ارتفاع واطى؛ لأنهم جاءوا على الواطى وضُربوا؛ ففى 1969 أسقطنا 44 طائرة».
واستطرد عبد الناصر قائلا: «لا بد من مواجهة أحدث الطائرات الأمريكية بأحدث الطائرات السوفيتية، لا بد أن نحصل على التعادل الجوى ثم التفوق الجوى، لا بد أن نحشد أحدث المعدات والأسلحة فى مواجهة أحدث المعدات الأمريكية والأسلحة...
بعد الغارات على القاهرة هناك وضع حساس؛ القاهرة 5 ملايين والإسكندرية 2 مليون، وهما يمثلان العصب الحساس فى البلد... إن المرحلة قد تغيرت من الدفاع فى الجبهة الى الدفاع فى العمق!... كلنا نعرف استراتيجية الردع والردع النفسى، ولهذا يجب أن تشعر اسرائيل أننا نستطيع القيام بأعمال ردع بالنسبة لأعمالها ضد القاهرة وضواحيها، ولا يتأتى هذا إلا بوجود طائرة طويلة المدى، سريعة، تحمل قنابل كثيرة.
كذلك ضرورة توفير وسائل الاستطلاع الالكترونى، والتشويش على الرادار السلبى والايجابى...
الحقيقة نحن فى معركة واحدة... أنتم ساعدتمونا قبل يونيو وبعده بأعداد كبيرة، ونحن نقدر لكم كل ما قمتم به، ونحن نعتقد أن علاقاتنا ستستمر قوية دائما، والحقيقة من الناحية الطبيعية مصالحنا واحدة...
وقد رجعت القوات الاسرائيلية الى الخلف من قناة السويس 12 ك م، بعد الضرب عليهم من جانبنا... أما خط بارليف فقد تركوه... وسيناء ليست فيها حشود إسرائيلية قوية، ونحن إذا عبرنا القناة نستطيع احتلال الضفة الشرقية بسهولة».
برجنيف: ما هى أقرب مسافة بين الحدود الإسرائيلية الى قناة السويس؟
عبد الناصر: إنها حوالى 130 ك م، ولكن بعد ذلك النقل أيضا يحتاج الى 80 ك م فى أراضى اسرائيل.
برجنيف: حسب معلومات مخابراتكم، كم عدد طائرات اسرائيل؟
عبد الناصر: عدد الطائرات 450، ولكل طائرة طياران، 4 للفانتوم؛ لأنه يقودها طياران.
برجنيف: فيه معلومات حول جنسية الطيارين؟
عبد الناصر: يوجد من انجلترا وفرنسا، ومن جنوب إفريقيا؛ لأنها تستخدم الميراج، وأمريكيون يحملون الجنسية الاسرائيلية.
برجنيف: نحن سندرس بعناية القضايا الجدية والمهمة التى أثرتموها، وقبل أن نعطى جوابا نهائيا أستطيع أن أقول حسب شرحكم إن الموقف معقد... نحن نفهم حاجتكم للدفاع عن القاهرة والإسكندرية، ستصلكم بعض الأسلحة الحديثة وبعض الوحدات السوفيتية. ونحن أيضا نفهم طلبكم بالإسراع فى إرسال المعدات الجديدة.
عبد الناصر: بالنسبة للمستشارين السوفيت، «أستطيع أن أحضر بنفسى الاجتماعات فى القرارات المهمة؛ نريد حقيقة أن نتعلم...
إننى أريد أن أقول نقطة مهمة: فى سنة 1967 أخذنا اللوم من العالم كله، أنتم عليكم مسئولية كبيرة بالنسبة للعسكرية السوفيتية؛ أى هزيمة لنا تتأثرون جدا لعدة أسباب؛ الأسلحة سوفيتية، المستشارون سوفيت...
إن الأمريكان يقدمون لإسرائيل الأسلحة، وكذلك المسئولون الفنيون لإدارتها... والجيش السوفيتى داخل فى الموضوع وسمعته أيضا».
وهنا بدا خلاف فى وجهات النظر بين الجانبين حول الحل السلمى..
عبد الناصر: «نحن نريد حلا سلميا، ولكنى أعتقد من أول يوم من 67 أن أمريكا لا تريد الحل... إنهم يخدروننا... وجميع اقتراحاتهم يريدون الاستسلام... إننا لا نريد الحرب من أجل الحرب، إن الذين يموتون هم أولادنا.
نحن الوحيدين فى العالم العربى الذين نقبل الحل السلمى، وكذلك الأردن. وقد طلبت السعودية أن نعلن أننا انتهينا من الحل السلمى! وكلهم يرفضونه حتى ليبيا!...
يقولون: إن العقبة هو عبد الناصر مكتب CIA وعملاؤهم هذه هى السياسة الحقيقية للأمريكان. كلامهم... لا يمكن إعطاؤنا حل سلمى لأننا نقلب الحل الى انتصار كما حدث سنة 1956، 57...
على كل حال وافقنا على جميع النقاط التى اقترحوها ما عدا نقطة التفاوض المباشر مع اسرائيل. وأقول بعد ذلك: إن الأمريكان لن يعملوا حلا سلميا إلا بعد أن نترك نحن، ويضمنوا أن مصر فى يدهم، وإذا حدث فالكل فى يدهم».
برجنيف : إذنً هناك ضرورة تدعيم القوات المسلحة الآن.
عبد الناصر: لا بد أن نسير فى الحل السلمى، فى نفس الوقت نعزز قواتنا. إسرائيل تريد الخضوع.. أنا لن أخضع، لو نصل الى الدرجة التى أخضع؛ أستقيل، وليأتي أحد يتفاوض معهم.. لكن أنا لن أتفاوض معهم!
برجنيف: نحن نقدر حاليا الموقف الذى يقفه الرئيس عبد الناصر، وكفاحه ونضاله ضد الاستعمار الأمريكى وضد الاسرائيليين، ونعتبر أن هذه مصلحة مشتركة بيننا. وأحب أن أؤكد لكم باسم المكتب السياسى والحكومة السوفيتية أن الاتحاد السوفيتى سوف يبقى الصديق المخلص للجمهورية العربية المتحدة، ونحن سنقدم لكم المساعدة لتعزيز قدرة دفاع الجمهورية العربية المتحدة.
عبد الناصر: أشكركم باسم الشعب العربى، ونعتز بصداقتكم وأخوتكم، وتكون هذه الصداقة قوية ومتينة دائما لصالح البلدين. ونتمنى للشعب السوفيتى كل نجاح. أبناؤكم الذين سيحضرون إلينا سيكونون فى قلوبنا.
هكذا وباختصار شديد كانت العلاقات بين القاهرة وموسكو على مدى أكثر من 15 عاما تعبر عن مصالح متبادلة واحترام متبادل، بل شراكة فى النضال من أجل التحرر وإعلاء الإرادة العربية.
ولا ننسى أن دخول الصواريخ الروسية الحديثة فى أبريل 1970 إلى جبهة قناة السويس قد قلب موازين القوى بين القوات الجوية المصرية والإسرائيلية لصالحنا، وأسقطنا عددا كبيرا من طائراتهم؛ مما دفع بالولايات المتحدة الى عرض مبادرة روجرز للوقف المؤقت لإطلاق النار. وقد قبلها عبد الناصر من أجل تحقيق هدف استراتيجى؛ هو استكمال نشر الصواريخ على طول جبهة قناة السويس، بطول 170 ك م، وهو الذى كان يعيقه كثافة نيران العدو؛ مما أدى الى استشهاد عدد كبير من العمال أثناء بنائه.
ويجب ألا ننسى أيضا أن هذا الجيش المصرى بحالته فى أواخر 1970، الذى تم بناؤه وتدريبه بالعرق والدم فى أثناء حرب الاستنزاف وتحت وابل نيران العدو المتواصلة، بسلاحه الروسى وطائراته وصواريخه الروسية ومعداته الإلكترونية الروسية، هو الذى عبر القناة فى 6 أكتوبر 1973 وأحرز النصر.
والآن نتطلع الى زيارة الرئيس بوتين بتفاؤل ورغبة فى استئناف ما انقطع من صلات وعلاقات إيجابية تعود على الطرفين بالفوائد المتبادلة، وذلك فى مختلف المجالات، ليس فقط الاقتصادية والعسكرية والسياسية، وإنما أيضا فى النواحى الثقافية؛ فروسيا دولة لها تاريخ عريق وثقافة متنوعة مميزة نهلنا منها فى الستينيات، ومازالت آثارها باقية بيننا حتى اليوم.

وأخيرا.. أقول للرئيس بوتين: إننا شعب أصيل وسنظل ندين بالعرفان للشعب الروسى الذى وقف الى جانبنا وأيدنا فى الأزمات والمحن، وبذل تضحيات مادية ومعنوية من أجل المبادئ والصداقة العربية الروسية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.