هل بدأ منتدى دافوس الشهير يفقد زخمه التقليدى بعد أن وجهت إليه مؤخرا سهام الانتقاد بوصفه منتدى للأغنياء الذين لا يعيرون اهتماما للفقراء المهمشين حول العالم؟ فى توقيت مواكب لانطلاق أعمال دافوس كانت منظمة أوكسفام الدولية، والتى تعد اليوم إحدى أكبر المنظمات الخيرية الدولية المستقلة فى مجالى الإغاثة والتنمية، تميط اللثام عن حالة اللاعدالة، واللامساواة التى تسود كوكب الأرض اقتصاديا، والتى معها ينتظر أن يكون 1% من سكان العالم سيملكون العام المقبل ما يفوق النسبة التى تملكها البقية الباقية، الأمر الذى يعرقل مكافحة الفقر فى العالم، بينما لا يجد شخص من كل 9 أشخاص ما يكفى من الطعام، وأكثر من مليار شخص لا يزالون يعيشون على أقل من 1.25 دولار فى اليوم... هل يهتم المجتمعون فى دافوس بهذه الحقائق المؤلمة وغير الانسانية أم أن المنتدى ليس إلا محاولة لإبراز الذات، ومنظموه لا يطمحون لأكثر من تنظيم مهرجان للخطابة يجذبون فيه كل المشاهير، من الساسة إلى نجوم السينما، دون اهتمام حقيقى بالقضايا العالمية؟ المؤكد أن دافوس مناسبة هامة وحيوية لقادة المجتمع المدنى لمناقشة قضايا الفقر وعدم المساواة، وتغير المناخ، لكن نتائجه تظل محدودة، بسبب اهتمام المشاركين بتعزيز مواقفهم ومواقعهم الاقتصادية، بل حتى السياسية، عبر هذا المحفل مع غياب شبه كامل لأية مبادرات إنسانية خلاقة، إذا استثنينا القليل جداً منها، مثل إعلان مؤسسة بيل وميلندا جيتس عام 2001 عن رصد 100 مليون دولار لمكافحة الإيدز. لقد أصبح من الواضح جدا أن دافوس هو نقطة الانطلاق السنوية لوضع مسودات الخطط والمشاريع الاقتصادية العملاقة، من قبل أساطين المال حوال العالم، إلى جانب دوره التعبيرى فى دعم السياسات النيوليبرالية للبنك الدولي، ومنظمة التجارة العالمية، وجميعها لها محددات ومعايير ومنطلقات لا تعبأ كثيرا للفقراء والمهمشين، إنما تستهدف بالدرجة الأولى قضايا مثل تحرير السوق وخلق مناخات استثمار تتفق والتوجهات الكومبرادورية، لا وضع الخطط التنموية، أو مد يد المساعدات الاقتصادية الحقيقية. هل كان مؤسس المنتدى صادقا فيما ذهب إليه من أهداف المنتدى هذا العام؟ بالمطلق كان البروفيسور «كلاوس شواب» الرجل المؤسسى براجماتيا إلى أبعد حد ومد، ولم يكن ليدارى أو يوارى هذه النزعة، فقد أشار إلى ان قادة العالم يواجهون تحديات غير مسبوقة بتعقيداتها وصراعاتها وترابطهما، وأن تلك التحديات تشكل عائقا أمام بقائهم فى مناصبهم. ليس هذا فقط بل أكد شواب أن هذه التحديات تدعو إلى ضرورة إيجاد وسائل للسير بنجاح فى عام 2015، وبالتالى فالتغلب عليها يمثل أولوية حاسمة لكل مسئول وقيادي. يعن لنا أن نتساءل فى ختام أعمال الدورة الاخيرة :هل هناك من منجز حقيقى خلص إليه الذين تنادوا إلى هذا الموقع الخلاب فى جبال سويسرا؟ لقد طرح المؤتمر عشرة تحديات اقتصادية للحديث عنها، ولمحاولة بلورة رؤى مستقبلية إيجابية فى مواجهتها، تمثلت فى البيئة وندرة الموارد، ومهارات العمل، ورأس المال البشرى والمساواة بين الجنسين، والاستثمار طويل الأجل، والبنية التحتية، والأمن الغذائى والزراعة وغيرها. لكن المحصلة النهائية هذا العام تحديدا جاءت خلوا من أية توصيات حقيقية، الأمر الذى دفع البروفيسور «نعوم تشومسكي» عالم اللسانيات الأمريكى الشهير، وصاحب التوجهات اليسارية إلى توجيه انتقادات لاذعة للمنتدي، ووصفه بأنه يهمش الفقراء وغير ذوى المناصب والنفوذ والمال من مناقشة الشئون الدولية، ويقتصر على مجموعة تمتلك رؤية مشتركة بشكل ما نظرا لطبيعة مناصبها ومواقعها. يلفت الانتباه فى دورة هذا العام الندوة التى خصصت لمناقشة دور الأديان فى تحقيق السلام أو إثارة العنف، وهو بعد مستجد، رأى القائمون على دافوس هذا العام إضافته، ويأتى ولاشك استجابة لما تشهده أوروبا من أحداث. وقد كان من الطبيعى أن يعاد الحديث عن صراع الحضارات، عطفا على علاقة الإرهاب بالأديان، والفجوة بين الغرب والعالم الإسلامي، ما يؤكد أن الدين والسياسة والاقتصاد، ثلاثية متشابكة الحلقات، لا يمكن الفصل بينها. هل يعنى النقد الموجه لدافوس أعلاه أنه لا اهمية لانعقاده ولا فائدة ترجى من ورائه ؟ بالقطع لا فالمنتدى يحتاج إلى تصويب مسار إنساني، حتى لا يكون منتدى الأغنياء، وليذهب الفقراء إلى الجحيم، وقد يكون المكان المناسب للحديث عن عدم المساواة والفقر حتى لو كان الحضور من أولئك الذين يملكون أكبر الثروات، وهنا وكما تتطلع مؤسسة أوكسفام يمكن لدافوس أن يكون صاحب الدعوى لبرنامج التصدى للإجحاف الاجتماعي، عبر إجراءات عدة منها وضع حد للتهرب الضريبى للمؤسسات والثروات الكبيرة، والاستثمار المجانى للمعوزين فى مجال الخدمات العامة كالصحة والتربية، وتأمين التغطيات الاجتماعية الكافية للأكثر فقراً، وتبنى الهدف المشترك الساعى لمحاربة عدم المساواة على الصعيد العالمي، هذه بعض الإجراءات التى يمكن لدافوس أن يسعى فى طريقها إذا أراد بالفعل تجسير الهوة السحيقة التى باتت تفصل اليوم بين أثرى أثرياء العالم وبقية البشر. يفقد دافوس رونقه وألقه مؤخرا لصالح محافل ومنتديات أخرى ذات قيمة هائلة، مثل مؤتمر الأمن فى ميونيخ، وقمة الأممالمتحدة للمناخ التى انعقدت العام الماضي، وما لم يعمل بجدية على محاولة إنهاء حالة عدم المساواة التى تسود العالم، فربما تنعدم فى قادمات الأيام معطيات الرخاء والأمن التى ينعقد فى إطارها المؤتمر عينه، بما ينذر بزواله عما قريب. لمزيد من مقالات إميل أمين