صوب حالة من التواطؤ والسفور الفاضح وصلت العلاقة بين التنظيمات الدينية والقوى الاستعمارية الجديدة فى العالم، فلا يدرج المفوض السامى لحقوق الإنسان فى الأممالمتحدة ما أحدثه الإخوان من عنف وإرهاب فى الذكرى الرابعة لثورة الخامس والعشرين من يناير المجيدة فى تقريره، ولا يشير إليه، ولا تخرج الإدانات الرسمية من عواصم الغرب عن حيز الرطان النظرى تجاه الاعتداء الإرهابى الغاشم على قواتنا المسلحة فى سيناء يوم الخميس الماضي، فلا دعم حقيقى لمصر فى حربها ضد عصابات التطرف، ولا كف للأذى المنبعث من دول موهومة بحلم الخلافة العثمانية الغابرة، أو دويلات تسبح على بحيرة من النفط والقواعد الأمريكية فى آن، بل أجواء حاضنة للإرهاب بامتياز، ودافعة لغلمانه القتلة فى معاركهم المأجورة ضد مقدرات ناسنا وشعبنا وجيشنا الباسل. أفق من الكيد السياسى الدولى يوجه صوب مصر وثورتها المجيدة فى الثلاثين من يونيو، فلم تنس إدراة أوباما أن مصر قد أفسدت مشروع الشرق الأوسط الكبير، ولم ينس خدم الاستعمار فى الدائرة الإقليمية أن حلمهم بوراثة الدور المصرى بات محض هراء، وحسنًا قد فعلت مصر مثلا حين خرج وفدها الرسمى من القاعة أثناء الاجتماع المنعقد حول ليبيا من قبل المفوضية الإفريقية فى قمة أديس أبابا الراهنة، جراء حضور تركيا وقطر، ثم دخول مصر ومعها وزير الخارجية الليبى الشجاع بعد خروجهما من جديد. غلمان الاستعمار وخدامه يسعون صوب إعادة الزمن للوراء، مدعومين بالقوة الأمريكية العمياء التى تعتقد ببلاهة فى قدرتها الخارقة على رسم العالم من جديد، متناسية أن فى الدنيا لم تزل شعوب قادرة على الرفض والمقاومة. أنصاف ساسة وأشباه مثقفين وصبية ومرتزقة، يتحينون الفرصة للشماتة فى جنودنا البواسل تارة، أو الصمت المخزى صوب ما يحدث تارة أخري، قطعان لا تعرف معنى الدولة، ولا تدرك جذورها الحضارية المختلفة، فيتماهى خطابهم الأرعن مع خطاب الإخوان، الذين يسعون بقوة لاستثمار اللحظة التى يظنون أنها مواتية، ولكن هيهات!، فقرار إخراج الإخوان من المشهد المصري، كان قرارا شعبيا بامتياز، تعززه عشرات القنابل المتناثرة فى بر المحروسة من قبل هذه الجماعة الإرهابية، والتى تخطت حاجز المائة والخمسين قنبلة فى أقل من خمسة أيام مثلا!. حالة من تعميم القتل، ومحاولة نشر الفوضي، عبر اختيار تجمعات بشرية تزدحم بالمصريين مثل المولات والمطاعم، ومحاولة تحويلها إلى خرائب مشتعلة بالحريق. حالة من السعار والاعتقاد الكذوب بأن الخوف يعيدهم لمتن المشهد، والترويع يجعل المصريين يقبلون بهم من جديد. أما الأكثر دهشة وإن كان فى جوهره يبدو متسقا مع حركة الإخوان منذ نشأتها عام 1928 بأموال استخباراتية غربية، وحتى الآن، فيتمثل فى طلب الدعم الدائم من الولاياتالمتحدةالأمريكية، عبر ذهاب ممثلين من الجماعة إلى الكونجرس والخارجية الأمريكية، ولقاءات متطرفى التنظيم وجوقة كيان عبثى سمته الجماعة الظلامية «المجلس الثورى المصري» يضم تشكيلة كوميدية فى متنها تعبر عن رجعيين وممولين وباحثين عن دور مع بعض المسئولين الأمريكيين، وبما يؤكد أن التحالف المشبوه بين الرجعية والاستعمار على أشده، وأن استقواء الإخوان بالمركز الأورو أمريكى بات مفضوحا وتعبيرا فجا عن أقصى درجات الخيانة والعمالة لمراكز الاستعمار الجديد وقواه الإمبريالية المختلفة. باتت مصر فى لحظة صعبة للغاية، تحوى تشابكات مختلفة، وتعقدات متنوعة وعلى مسارات متعددة، وبما يفرض حلولا تتخذ طابعا إجرائيا من جهة، وقدرة على التعاطى الأمثل مع اللحظة الراهنة من جهة ثانية، وربما تكون البداية من التأكيد على التحام الشعب بجيشه الوطني، والذى يمثل حائط الدفاع الرئيسى عن الدولة المصرية وناسنا وجماهير شعبنا، واتجاه الدولة المصرية صوب تقوية الظهير المدنى لا إضعافه، مع اتخاذ خطوات جادة وحقيقية فى التكريس للحريات لا قمعها، وحتمية النظر إلى الثورة المصرية برافديها المركزيين فى يناير 2011، ويونيو 2013 ومطالبها بوصفها البوصلة الأساسية التى تتحرك صوبها الدولة المصرية سعيا لتحقيق أمانى الناس وغاياتهم المشروعة، وبما يعنى انحيازا اجتماعيا واضحا للطبقات المهمشسة والمنسحقة والمقموعة من جماهير شعبنا. على الدولة المصرية أيضا أن تتعامل مع سيناء من زاويتين، بوصفها ساحة حرب وهذا ما يحدث الآن ببسالة من جنودنا المصريين، وبوصفها قضية للتنمية الحقيقية التى تتجاوز التصريحات المجانية من الحكومة المصرية. على الدولة المصرية أيضا أن تمارس مزيدا من الحسم صوب ملف الجماعة الظلامية المنفتح على أسئلة تؤرق المصريين، خاصة فيما يتعلق بالقيادات الإجرامية التى حرضت على العنف ودعت إليه، والتى تحاكم على مهل و تتواصل مع بعضها ومع خارج أسوارها. لا بد أيضا من تفعيل قانون الإرهاب وتطبيقه بطريقة مسئولة وحاسمة على الكيانات المتطرفة وحدها والتى تمارس عنفا ضد الدولة المصرية، وبما يقتضى إعادة النظر فى قانون التظاهر ومحاولة تعديله أو إلغائه بالتوافق مع القوى المدنية على اختلافها. وبعد.. فى اللحظة التى تحشد فيها الدولة المصرية قواها المختلفة لحربها الضروس مع وكلاء السماء والاستعمار معا، فإن عليها ان تدرك أن ثمة حاجة لتهيئة مناخ حقيقى من الحرية للمصريين المسكونين بأشواق عارمة صوب العدل الاجتماعى وانتصار جدارة الإنسان، وبما يعنى أيضا عملا مستمرا لخلق حالة من تحرير الوعى المصري، ودفعه لامتلاك القدرة على الفرز والتمييز والاستشراف، وهذا لن يحققه سوى بنية ثقافية مختلفة، تدرك ظرفها التاريخي، ومسئوليتها عن الوقوع فى فخ انحطاط لا مثيل له، سيتحمل تبعته حينئذ العجزة من ممثلى الثقافة الرسمية ومتثاقفيها الأشاوس ممن فروا من معركة الإرهاب الضارية واختفوا فى ظروف غامضة!.