فى إطار جهود الدولة للانفتاح على القارة الإفريقية، وتدعيم أواصر التعاون مع دول حوض النيل.. يبدو دور العلماء والأطباء المصريين على قائمة أولويات الدولة فى نشر المعرفة، والإسهام فى تحقيق علاقات تعاون استراتيجية بالغة الأهمية خاصة فى المرحلة الراهنة. ومن التجارب الناجحة في هذا الصدد افتتاح أول مركز طبي وتعليمي للجهاز الهضمي والكبد في جامعة موهيمبيلي بتنزانيا، في إطار بروتوكول تعاون لخدمة مواطني دول حوض النيل، بتنسيق مشترك مع وزارة الخارجية وجامعة القاهرة، وبتمويل ألماني. ويُعتبر المركز هو الأول علي مستوي شرق افريقيا في مجال أمراض الكبد والجهاز الهضمي، التي تُعتبر الأكثر شيوعا في إقليم إفريقيا. وسبق إنشاء المركز تنظيم عدد من الدورات التدريبية للأطباء الأفارقة، لنقل الخبرة المصرية لهم، وصنع كوادر جديدة تستطيع الاعتماد علي نفسها، وتشغيل المركز. "عدد من الدروس المستفادة من هذه التجربة".. يقول د. عبد المجيد قاسم أستاذ الجهاز الهضمي والكبد بكلية طب جامعة القاهرة، إنه علي مدار السنوات الماضية لوحظ الاختفاء التدريجي للكوادر المصرية في إفريقيا علي الرغم من أن بداية العمل بالكليات هناك كانت تحت إشراف أطباء ومتخصصين مصريين. وفي المقابل هناك حضور قوى للجنسيات الأخري مثل ألمانيا وأمريكا وبلجيكا وإسرائيل. ومن واقع زيارات متعددة للدكتور عبد المجيد في قارة إفريقيا -ضمن وفود دولية لمتابعة التمويلات المقدمة للأنشطة العلمية والبحثية بدول شمال وجنوب إفريقيا- يضرب مثالا بكلية الطب بجامعة جيما، وهي إحدي الجامعات الرئيسية بجنوب إثيوبيا، وتحصل علي الكثير من المنح والتمويلات، إلا أنها تواجه احتياجا شديدا للكوادر الطبية، في معظم التخصصات الطبية. ويفسر د. عبد المجيد هذا الأمر بأن الإنفاق الكبير من خلال المنح الدولية المقدمة لدول إفريقيا لا يُوجه بصورة مباشرة لتحسين الأوضاع هناك، وإنما يتجه الجزء الأكبر منها لتحمل نفقات إقامة الفرق البحثية الأجنبية، وتمويل الأبحاث وتجميع المعلومات والبيانات التي لا يمكن إجراؤها إلا في بلاد افريقيا، نظرا لتفردها بأنواع معينة من الأمراض والأوبئة. ويشير إلي عدد من نقاط الضعف عند الحديث عن تراجع مصر عن موقعها الرائد في القارة الإفريقية بمجالي الطب والعلم، منها أن خريطة التعاون الدولي لمعظم الجامعات المصرية تكاد تكون منعدمة تجاه إفريقيا، لأسباب عدة من بينها إغفال أهمية التعليم كأحد أهم أدوات الدبلوماسية الناعمة، التي يمكن من خلالها صنع مصالح مشتركة، واستمرار التعاون، وهو ما تستغله أوروبا وأمريكا بشكل صحيح. ويواصل أن التمويل المادي لكلا الجانبين المصري والإفريقي يقف أيضا عقبة أمام تدشين مشروعات بحثية مشتركة. ويستطرد أن الحلول لا تزال ممكنة من خلال توقيع اتفاقيات تعاون لتقديم المنح التعليمية والتدريبية، وأيضا الاهتمام بالتعاون الصحي والبحثي مع الدول الإفريقية لنقل الخبرات لأطباء هذه الدول من خلال استضافتهم للتدريب بالجامعات المصرية. ويشير إلى أن هناك نماذج جديدة للتعاون الثلاثي في المشاريع البحثية ما بين أوروبا وإفريقيا، بحيث يكون الوسيط دولة مثل مصر، بهدف التغلب علي مشكلة التمويل المادي، نظرا لما يمكن أن تقدمه مصر من تعاون لوجستي بما تملكه من خبرات وموارد بشرية لا يستهان بها، بالإضافة إلي أن طبيعية الأمراض المنتشرة تتشابه إلي حد كبير بين مصر ودول إفريقيا.