قال الشاعر لبيد: ذهب الذين يُعاش في أكنافهم ... وبقيت في خلف كجلد الأجرب وبعد قليل من موت الرسول صلى الله عليه وسلم وفى القرن الأول خير القرون ، وصف أبو ذر الغفاري رضي الله عنه أحوال الناس وهو فى الشام : ( كان الناس ورقا لا شوك فيه فصاروا شوكا لا ورق فيه). فمن يُنكر ما حدث من تجريف للأخلاق على مر الأيام على المستوى العام كمن يُنكر أن الشمس تُشرق من المشرق . فإذا قارنا – على سبيل المثال - معاملة الجيل الحالى من الأبناء للآباء لوجدناها تختلف كما ونوعا عن معاملة جيل الآباء مع أبائهم ، ومعاملة جيل مسرحية مدرسة المشاغبين ( المشئومة على المجال التعليمى والأخلاقى ) يختلف اختلافا جذريا عن معاملة الطلبة فيما سبق مع المعلمين . فالطالب كان لا يلعب فى شارع يَمُر فيه المعلم ، والآن يسبه بل ويضربه . وقديما ، كان إذا انتهى العالم أوالفقيه من شرح كتاب حديث أوتفسير أوكتاب للسيرة النبوية أوأى من كتب العلوم الشرعية كانت تقام مناسبة تُسمى ( الختمة ) يحرص فيها أمراء وكبراء البلد ووجهائها وعلمائها وتجارهاعلى الحضور . وتبدل الحال وأصبح الحضور الآن والاقبال الشديد يكون على حفلات الراقصين والراقصات والممثلين والممثلات والمغنين والمغنيات ، وأصبح الدخول إليها برسوم ، بينما كان الممثل والفنان والراقصة أيام الملكية لا تُقبل شهادتهم فى المحكمة باعتبارهم فساق . وسمعت أستاذا فى الأزهر الشريف فى مادة التفسير وصاحب مؤلفات يشكو من أنه يذهب إلى بلدته فى المنوفية كل أسبوع ولا يشعر أويهتم به أحد فى ذهابه أوايابه ، بينما جاء حارس مرمى شهير من القرية مرة لزيارتها فامتلأت القرية عن آخرها بأناس من القرية والقرى والمدن المجاورة . ويشتكى طالب فى جامعة القاهرة من أن الدكتور دخل فوجد المدرج كأنه نادى للقاء العشاق ، فلما طلب الفصل بين البنين والبنات ، وقال : من لا يعجبه كلامى فليخرج ، كانت النتيجة أنه لم يبق إلا أربعة أشخاص فقط . وفى السابق، كانت البنت تفزع إذا كانت جالسة أمام بيتها ورأت أباها أوأخاها أوحتى عمها قادما من بعيد ، والآن ترقص أمام أى منهم دون خجل ، بل وتطلب أن يشاركوها الرقص . ويعيش الإنسان فى أيامنا هذه سنوات طويلة ولا يعرف جيرانه الذين يعيشون معه فى نفس الدور، بل يموت الشخص فى الشقة المجاورة ولا يشعر به أحد إلا بعد نفاذ رائحة الجثة ، بينما كان الرجل يذهب للسكن بجوار صاحبه حتى لو كان المسكن غير مناسب ، وكان الجار وأولاده كأنهم عائلة واحدة مع باقى الجيران . وكان البدوى يسمع عشرات الأبيات من الشعر الرصين فيحفظها من مرة واحدة ، والآن يحاول الطالب طوال العام حفظها ثم فهمها ، فلا يحقق المراد إلا القليل . [email protected] لمزيد من مقالات عبدالفتاح البطة