تركت العقلية المصريه فريسة سهلة لتيارات وقوى تلعب فيها ، ليس بالضرورة قوى وخفافيش الظلام ولكنها تيارات وقوى تعمل أمام الجميع بكل الوضوح فى عز النهار وطوال الليل وهو أمر يتطلب المواجهة بالتحليل والحل إذا اردنا لبلدنا أن يتقدم فعلا ، وهذه القوى المتعدده تضم بين ما تضم الفضائيات وما تبثه من مواد باتت مسئولة عن تغيير شخصية المصرى وملئها بالسلبيات وأيضا شركات المحمول التى تجاوز عدد خطوط المشتركين فيها عددالسكان ويدفعون سنويا 45 مليار جنيه فى الهواء مقابل استخدام المحمول وتطبيقاته المختلفه ما علاقة المحمول بتشكيل العقلية المصرية والرأى العام المصرى والشخصية المصرية ؟ إنه باختصارأخطر وأسرع أداة تخترق العقل والوجدان وتشكلهما ، ويكفى هنا الإشارة إلى ما نتلقاه يوميا مما تبثه شركات المحمول من عشرات الرسائل إلى المشتركين دون استئذانهم وتحمل الكثير من التأثير على سلوكيات المواطنين والقيم والعادات ، ولناخذ مثلا الرسالة التى ظهرت على التليفونات المحمولة عن تحميل مجانى لمائة أغنيه للرقص عليها وهكذا قامت الشركة المروجة وفى اقصر وقت بإدخال عنصر الرقص فى حياتنا لجميع الأعمار وللجنسين معا ولما لا ما دامت إحدى القنوات الفضائية قد قدمت للمشاهدين برنامج مسابقات فى الرقص لاختيار أفضل الراقصات وهكذا ألغت تلك الفضائيه وشركة المحمول كل تاريخ مصر ومستقبلها واختزلته فى الرقص فهل هو أقصر طريق للتنمية ؟ إن الناس وقتها ضائع فى استخدام الموبايل ما بين الدقائق والرسائل المجانيه والرنات والبرامج المجانية كالواتس آب وسلسلة مسابقات الفضائيات ولا نجد على الإطلاق آيه مساهمات إيجابية لبناء الشخصية المصريه أو لمساعدة الشباب على العمل كتقديم برامج أو رسائل عن كيفية عمل مشروع خاص أوصناعة صغيرة وغيرهما والناس تركوا أنفسهم مستسلمين للفضائيات وبرامج التوك شو دون أن ينتبهوا لما يترتب على هذا الإدمان من خلل فكرى وعقلى واجتماعى وأسرى وضياع للوقت دون جدوى وقد تكاتفت تلك المحطات وأصحابها من رجال الأعمال فى تكوين كيان جديد مستقل يدافع عنهم ويقويهم فى مواجهة إعلام حكومى لم يتطور بالشكل المناسب إطارا ومضمونا، فما الذى يمنع القنوات التليفزيونية الحكومية من أن تقود المسيرة الإعلاميه ؟ وما الذى يمنعها من ممارسة دور مؤثر لوقف المهازل الإعلامية التى تجرى أمام ناظرينا ؟ وما الذى يكبل جهودها دون أن تكون الذراع الإعلامية الفاعلة فى تحقيق التنمية وأيضا تنميه قدرات المواطن والعامل المصرى وتهيئته لما هو قادم من نشاط ومشروعات تحتاج الهمة والحماس فمثلا هل نتذكر أغنية «دور يا مكن» التى تضمنها أحد الأفلام فى الماضى بمناسبة إنشاء صناعة الغزل والنسيج فى مصر وكذلك مونولوج إسماعيل ياسين عن البنك الأهلىلتشجيع الناس على الادخار والتعامل مع البنوك بدلا من وضع أموالهم فى البيوت تحت البلاطة، وكذلك ما ساد الستينات من موجة إعلامية وفنية مساندة للعمل الوطنى سياسيا وإقتصاديا وفى بناء السد العالى والتصنيع والتوسع الزراعى. أين إعلامنا من كل ما يستعد له الوطن من معارك وطنيه أمنيه وسياسيه وثقافيه وإقتصاديه ؟ أين إعلامنا من بناء وتنمية الشخصية المصريه التى هى عماد المستقبل ؟ الإجابة عن هذا السؤال نجدها فى التقرير الذى أعدته لجنةالخدمات برئاسة المرحوم الدكتور محمود محفوظ بمجلس الشورى فى نوفمبر 1981 بعد اغتيال الرئيس السادات وبمناسبته ويذكر التقرير أن الإنسان هو صانع التقدم وأساس البناء وان أعراضا طرأت علي المصرى كالسلبيه واللامبالاة وعدم الانضباط وضعف الشعور بالآخرين وإهتزاز القيم وغياب فكرة العمل واهتزاز هيبة السلطه ولا يمكن تحقيق التنميه دون التركيز على التنمية البشرية ويعلق التقريربأن هذه الحقائق تلقى على أجهزة الإعلام والتوجيه والدعوة مسئولية كبيره وهناك فرص فى التعليم لتقوية الشعور بالانتماء والتدريب على الديموقراطية ، وكأن التقرير يتنبأ بمصر بعد 34 عاما فأشار إلى أن نمط الحياة فى مصر قد تغير جذريا بسبب تغلغل أجهزة الإعلام وبخاصة التليفزيون فى حياة الناس مما يلقى عليها مسئوليات جديده لم تكن فى نطاق مسئوليتها التقليدية من الإخبار إلى تنمية الإنسان . التقرير يحتاج قراءة جديدة لأن الهيافة التى تقودها بعض أجهزة الإعلام لن تبنى مصر . لمزيد من مقالات عصام رفعت