رحل خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز وانتقل إلى جوار ربه بقضاء الله تعالى وقدرته، قال تعالى: (ولكل أمة أجل فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون) تاركًا وراءه سجلاً حافلاً من الإنجازات على المستويين المحلى والدولي، بعد أن أدى رسالة عظيمة تجاه دينه وشعبه وأمتيه العربية والإسلامية؛ فهو الرجل الذى لم يكن يألو جهدًا فى الدفاع عن قضايا الأمتين العربية والإسلامية، وكانت جهوده- رحمه الله تعالى- مخلصة فى خدمة بلاده وخدمة العالمين الإسلامى والعربى وقضاياهما، ومواقفه كانت لا تقبل المواربة فى خدمة القضايا التى تتعلق باستقرار الشعوب والسلم العالمي. ولم تقف جهود الملك عبد الله- رحمه الله تعالى- الإصلاحية عند قضية بعينها؛ بل تنوعت بين كافة الاتجاهات؛ الدينية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية؛ بحيث استفاد من ثمارها المجتمعان السعودى والإسلامي، ففى عهده كانت التوسعة الأضخم على مدار التاريخ للحرمين الشريفين، والتى جاءت انطلاقًا من يقينه وإيمانه بأن خدمة الحرمين الشريفين كانت راسخة فى قلبه ووجدانه، فأنفق عليها ودعمها كى يرفع العناء والمشقة عن الملايين من زوار بيت الله الحرام من كافة أرجاء المعموة، ولكى تفى بكافة احتياجاتهم، وكذلك مشروع سقيا زمزم، ومد شبكة القطارات منها ما تم استخدامه كقطار الحج والمشاعر المقدسة والبدء بالعمل بمد شبكة كبيرة للمدينة المنورة وبقية مدن المملكة، كما قام رحمه الله بالتوسع فى افتتاح الجامعات بمختلف تخصصاتها فى عموم المناطق ومحافظات المملكة والتوسع فى البرامج التنموية القائمة فى مختلف المجالات. فإيمانًا منه رحمه الله تعالى بقضية العلم والعلماء، وبأنهما الطريق إلى سعادة البشرية فقد أولى التعليم أهمية خاصة، فأنشأ جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية، وأوفد الآلاف من أبناء المملكة فى كل بقاع الأرض وفى كافة التخصصات ليحصدوا العلم ويعودوا إلى بلدهم ينفقونه فى كافة المجالات لتتقدم دولتهم، وذلك لأنه كان يترسخ فى عقيدته أن التعليم أساس للارتقاء بالمجتمع ومطلب أساسى للتنمية والتقدم. ولقد خطت المملكة على المستوى الاقتصادى فى عهده رحمه الله تعالى خطوات كبيرة فى مجال التنمية الاقتصادية، فشاهدنا المشروعات العملاقة والمدن الاقتصادية، ومركز الملك عبد الله المالي، وغيرها من المشروعات الاقتصادية الضخمة والمهمة مما يضعها فى مكانة متقدمة على خريطة دول العالم المتقدمة. ولأن النبى صلى الله عليه وسلم قال: «أحب الناس إلى الله أنفعهم للناس» فجهوده رحمه الله لم تقف أو تنحصر على المملكة بل شملت العالمين العربى والإسلامي، وتمثل ذلك فى دفاعه عن قضايا الأمتين العربية والإسلامية حيث نجح بحكمته فى تعزيز علاقات بلاده والأمة العربية مع الدول الكبرى والحلفاء والأصدقاء، واعتمد سياسة خارجية رصينة، تعتمد تذويب الخلافات، ومصالحة الفرقاء، إضافة إلى تعزيز التسامح بدعم وإنشاء مركز الحوار بين أتباع الأديان. واستطاع خادم الحرمين- رحمه الله- بحكمته أن يتعامل مع المتطرفين والمتشددين ومحاربة هذه الأفكار الهدامة من خلال إطلاق مبادرة عالمية لمكافحة الإرهاب، ودعم التضامن الإسلامى والعربي، وتعميق الروابط الأخوية، وما حدث فى مبادرته الراقية ودوره العظيم فى دعم مصر يؤكد مدى رقى مواقفه الواضحة تجاه الأمة العربية، فالمصريون لن ينسوا ما فعله من أجل مصر وما قدمه من دعم لها، وكان آخر هذه المبادرات دعوته لمؤتمر المانحين للوقوف بحانب الاقتصاد المصرى ليصل به إلى درجة التعافي، وجهوده فى صد العدوان على مصر وتقليل الهجوم الذى يأتيها من أفراد لا تريد لمصر ولا للمصريين الخير. لم يتوقف دعم الملك عبد الله لمصر على ناحية دون أخرى، بل دعم مصر بمساندتها لكى تستكمل خارطة طريقها، بحيث كان من أكبر الداعمين لها فى حربها على الإرهاب- العدو الأول للدول والشعوب- ودعمها اقتصاديًّا لرفع المعاناة عن الشعب المصري، وتصدى لكل من يريد أن يحدث الفتنة أو يوقد نيران الفتنة بين أبنائها لكى يرى مصر آمنة مستقرة، فقد قاد رحمه الله على مدى سنوات طويلة الجهود الدولية للتصدى للتنظيمات الإرهابية والتكفيرية والتى تمثل ممارساتها الإجرامية اعتداء صارخاً على كافة حقوق الإنسان وتشويه صورة الإسلام والمسلمين، وترجم ذلك بجهوده ودعمه المادى والمعنوى لمنظمة الأممالمتحدة فى مكافحة الإرهاب والحفاظ على السلم والأمن الدوليين. ولحرصه- رحمه الله تعالى- على إعمار بيوت الله وخدمة الإسلام والمسلمين فى شتى بقاع الأرض جاءت مبادرته بإعادة ترميم الجامع الأزهر، والتى تعد امتدادًا لجهوده فى خدمة القضايا الإسلامية؛ ذلك أن الأزهر هو منبر الوسطية ودعوته هى نشر السماحة وتصحيح صورة الإسلام فى كل مكان، ليكون بذلك حصنًا للعالم من الانحراف نحو الغلو والتطرف الذى تعانى منه كثير من الدول العربية والإسلامية فى وقتنا الحالي. فقد كانت مواقفه- رحمه الله تعالى- تصب فى مصلحة الأمة انطلاقًا من قول الله تعالى:«وتعاونوا على البر والتقوى»، وقول النبى صلى الله عليه وسلم: «مثل المسلمين فى توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر»، فقد خدم أبناء شعبه وأبناء الأمتين العربية والإسلامية فجزاه الله خيرًا عن الجميع ورحمه الله تعالى. كما نسأل الله تعالى التوفيق لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود، ونهنئه بمناسبة مبايعته ملكًا للمملكة العربيَّة السّعودية، وندعو الله له بالتوفيق فى إكمال مسيرة سلفه -رحمه الله- فى البناء والتنمية فى المملكة، وبالمزيد من التوسعات فى بيت الله الحرام لرفع المعاناة عن ضيوف الرحمن، ونسأل الله تعالى أن يعم الاستقرار والأمان والرخاء مصر والمملكة العربية السعودية وجميع الشعوب العربية والإسلامية. لمزيد من مقالات د شوقى علام