قام اقتصاد أعظم الدول الصناعية في العالم الصين واليابان علي عدد من الورش والحرف اليدوية الصغيرة ، ونحن في مصر نمتلك قلاعا صناعية أقيمت منذ قرون وظلت باقية تتحدي الزمن وتنافس في السوق المحلي والدولي ، لكن للأسف تتعرض هذه الأيام إلي الإهمال والبطالة والكساد بالإضافة الي غياب الدور الرقابي من قبل الدولة.. عن مدينة دمياط أتحدث.. تلك المدينة التي اشتهرت بالعمل والإنتاج والفن وارتبطت في أذهان الناس بالأفراح وكبداية لرحلة أي اثنين مقبلين علي الزواج. من القاهرة بدأت رحلة عمرو وشيماء, عريس وعروسة فكرا في تأسيس عش الزوجية من دمياط برغم تحذيرات الأصدقاء والأقارب من مشقة السفر وبعد المسافة وعدم جودة الأثاث كما كان في الماضي لكنهم قررا أن يعيشا التجربة التي صاحبتهما فيها, وهي المرأة الأولي التي ازور فيها هذه المدينة والتي ارتبطت في ذهني بصناعة الأثاث وحلوي المشبك والجبن الدمياطي. وبعد أربع ساعات وصلنا الي مدخل المدينة التي استقبلنا علي مشارفها سماسرة الأثاث الذين لم نعرهم أي اهتمام. وقد لاحظت داخل المدينة أنها ذات طبيعة خاصة, حيث زينت واجهات المحلات ومعارض الأثاث التي تتجاوز الأربعة طوابق بالرخام والحليات لتدرك انك وصلت إلي مدينة قلعة الأثاث في مصر حيث تجد الجميع منهمكين في الورش والمصانع المنتشرة في كل شوارع وطرقات المدينة التي تخصصت في صناعة الأثاث منذ بداية الأربعينات بثلاثة محلات فقط لتصنيع الأثاث (نوم سفرة صالون انتريه). ثم في عام 1966 بدأت هذه المحلات في إنتاج إكسسوارات الأثاث مثل «الفرنتونات والكعوبة والأكتاف» وهي المواد التي تدخل في إنتاج قطع الأثاث. وقد انضمت لها ورشة رابعة في بداية السبعينات لصناعة ما يسمي «الماركتري» وذلك لأول مرة في دمياط. ومع أواخر السبعينات بدأت المحلات في الانتشار السريع داخل شارع عبد الرحمن وهو الشارع الرئيسي لتجارة الأثاث وانضم له بعد ذلك شوارع المتفرعة منه ليصبح عددها الآن أكثر من 600 محل تضم أكثر من 1500 عامل وعاملة وأصبح الشارع علامة بارزة ليس في دمياط أو مصر فقط وإنما للعرب أيضا. غياب الدور الرقابي للدولة
انتقلنا من منطقة المعارض إلي منطقة الورش والمصانع وهناك التقيت بحسن درويش مصنع أثاث الذي تحدث معي في البداية عن الصعوبات التي تواجه صناعة الأثاث في دمياط في خلال أربعه أعوام السابقة قائلا: نعاني الآن الركود والكساد الذي سيطر علي سوق صناعة الأثاث وما ترتب عليه من صناعات أخري منذ يناير 2011. فهناك تفاوت واضح في أسعار المواد الخام وخاصة الأخشاب بمختلف أنواعها وهو ما أدي إلي تعطل العمل داخل الورش بعد رفض بعض التجار والصناع الاستجابة إلي هذه الزيادات المستمرة لكن البعض الآخر لم يجد لدية خيار آخر سوي تخفيض العمالة والبعض ذهب إلي تقليل جودة المنتج للتصدي لزيادة الأسعار المواد الخام وهذا للأسف جاء علي سمعة تجارة الأثاث في دمياط والتي ندفع ثمنها جميعا مصنعين وتجار وعمال في ظل غياب الدور الرقابي للدولة. مضيفا ان دمياط قد شهدت خلال الأربع سنوات علي حالة من البطالة والكساد , بالإضافة الي عملية استيراد الأثاث المستورد «التركي والصيني « مما اثر بالسلب علي الصانع الصغير، يضاف علي هذا احتكار سوق الأخشاب لصالح كبار التجار والمستوردين مما اثر علي تلك الصناعة بشكل كبيرو أدي الي إغلاق عدد من الورش والمعارض.
كيفية الخروج من الأزمة
وعن الخروج من هذه الأزمة التي تعانيها قلعة صناعة الأثاث قال درويش : لابد من وضع سياسة ورؤية عامة لاستيراد الأخشاب عن طريق وزارة الصناعة، وكذلك تنوع مصادر الاستيراد لمنع الاحتكار, مطالبا بوقف الاستيراد من رومانيا وتحديد دول المصدر لاستيراد أخشاب تليق بسمعة الأثاث الدمياطي ولابد من تدخل أجهزة الدولة لحماية الصانع الصغير ومنع الاحتكار وكذلك لابد من وضع قيمة تقديرية للأسعار ولا يترك السوق حرا لأن تدهور الصناعة في دمياط وما يترتب عليها من إغلاق الورش يضر بالاقتصاد المصري ويخلف البطالة بين أعداد كبيرة من الحرفين المهرة. مضيفا أن الفترة القادمة ستشهد رواجا لسوق الأثاث بدمياط بعد أن أصبحت دمياط علي الخريطة العالمية بعد إعلان رئيس الجمهورية تدشين مشروع المركز اللوجيستي العالمي لتخزين وتدول الحبوب.
كما طالب الحاج علي المتولي, احد مصنعي الأثاث, مسئولي المحافظة بإقامة موقف خاص للسيارات الوافدة من المحافظات بالإضافة إلي الاهتمام بشبكة الطرق والتواجد الأمني للحد من مشكلة تجارة المخدرات التي زادت بشكل ملحوظ في الفترة الأخيرة. كما أكد المتولي ضرورة الرقابة علي الأسواق الآن كبار التجار الذين يأخذون خير هذه الصناعة ويتركون للعامل البسيط الفتات بحجة ارتفاع الدولار رغم أن البضائع عندهم منذ أكثر من عام ونفاجأ برفع سعر متر الخشب الزان خلال 3 أشهر فقط من 2400 إلي 2800 ويصل الآن إلي 3400 جنيه ومتر الخشب السويدي من 2150 إلي 2500 جنيه، والبياض من 1400 إلي 1800 جنيه ولوح» الأبلكاش» الزان من 32 إلي 42 جنيهاً والكوري من 33 إلي 42 جنيهاً والصيني من 15 إلي 41 جنيهاً رغم أن جودته منخفضة كما ارتفع سعر برميل الغراء الذي يشكل المادة اللاصقة الأساسية في الصناعة من 350 إلي 400 جنيه حتي الدهانات ارتفعت بمعدل 10%. الأويمجية اشتكوا
طال الركود جميع فئات صناع الأثاث من نجار وأويمجي و قشرجي ومدهباتي, والكلام علي لسان الحاج صلاح أبو سنة الذي يمتلك أقدم ورشة لدهانات الأثاث ويفتخر بأنه عمل صالونات لعدد من كبار رجال الدولة وكذلك الفنانين. مضيفا ان العمل في صناعة الأساس يحتاج فنا وقدرة علي تقيم قطعة الأثاث المصنعة بحرفة وللأسف مثل كل شيء تغير بعد الاعتماد علي ماكينة حفر»الأويما» بدلا من العمالة البشرية مما أدي إلي زيادة البطالة وقلة جودة «الأويما». والسؤال هو كيف نشتري أثاثا بطريقة صحيحة وبأسعار مناسبة تتناسب مع جودة المنتج و بعيدا عن السماسرة المنتشرين عند مدخل المدينة وكيف نفرق بين ما هو يدوي وبين ما تم تصنيعه عن طريق الماكينة.
يقول درويشا الشارع يقدم حجرات الأثاث بأسعار منخفضة وبسعر التكلفة مع وجود هامش ربح بسيط ونحن نقدم سلعة جيدة وبسعر في متناول الجميع لكن في الوقت نفسه لا نستطيع أن ننكر إن هناك بعض المصنعين يستسهلون ويصنعون منتجا ضعيفا يسئ لدمياط كلها. لذلك انصح المقبلين علي الزواج أن لا يشتروا الأثاث جاهزا ولكن عليهم ان يقوموا بمعاينة الخشب قبل أن يدهن ويجهز حتي يطمأن علي جودة الأخشاب المستخدمة، ولابد أن يشاهد الزبون المراحل التي يمر بها المنتج.
وبعد أن سمعنا قرر عمرو وشيماء أن يشتريا بالطريقة الصحيحة، فاختاروا غرفة نوم وسفرة وصالون وطلبوا من صاحب المعرض أن يتم دهانهما بألوان معينة حسب الذوق كذلك طلبت شيماء أن تأتي هي بقماش تنجيد الصالون علي ذوقها كما طلب عمرو أن تدهن غرفة النوم بشكل ولون معين كما طلب من النجار إضافة بعض التعديلات علي تصميم غرفة المعيشة وبعد مرحلة من الفصال علي الأسعار تم الاتفاق علي السعر بتراضي الطرفين وتحديد ميعاد التسليم .