كان صدور روايتي الروائي والقاص والمبدع أمين ريان في الخمسينيات من القرن الماضي: "حافة الليل"1954 ، " المعركة أو القاهرة في الخمسينات " 1957 - اللتين لم يكتشفهما النقاد إلا بعد ست سنوات - بداية ظهور شكل جديد في الرواية المصرية يختلف عن الشكل الذي قدمه من سبقوه (هيكل, والحكيم ، ومحفوظ ، والشرقاوي،وسعد مكاوي ، وعبد الحليم عبد الله وغيرهم),
فقد قدم ريان العالم الخاص للفنانين والمبدعين, وخصوصية هذا العالم الغامض, وارتباطهم بقضايا الوطن والمجتمع ارتباطا وثيقا وعميقا، قدم أعمالا نلمس فيها مناخا جديدا في الرواية المصرية يؤطرها جو التشكيليين وموديلاتهم والهم الوطني العام. وعلى مدى سنوات ست ظل يعيش في عالم الصمت والظلال, لأنه فضل أن يكون حرا, بعيدا عن تنظيمات الدولة الشمولية والمتوالية, فعاني من تجاهل الدولة حتي رحيله، وكذا التنظيمات السرية اليسارية في الخمسينيات , الي أن ظهرت على استحياء مجموعته القصصية الأولي “ الموقع 1967 “، وفيها يتواصل مع قصصه القصيرة الأولي التي كتبها في أواخر الاربعينيات، وهوتاريخ دأبه على كتابة يومياته, وحافظ على هذه (اليوميات) حتي السنوات الأخيرة من حياته، وهي التي استوحي منها الكثير من أعماله الروائية والقصصية ، وهي اليوميات التي تستحق الكثير من الاهتمام عندما يتم نشرها! وتضم مجموعة الموقع قصتين فازتا في أول مسابقة لنادي القصة عام .1956 وتتوالي أعماله القصصية في السبعينيات, وبعضها يتخذ الشكل الروائي القصير مثل رباعية “ خيري “ وثلاثية “زعتر وزحل “، وثلاثية “ كعكع “، والمجموعة القصصية الروائية الطويلة “مقامات ريان”, وهو في هذا المجال نسيج وحده, ثم مجموعاته القصصية “المعابر” ، و”صديق العراء” , “الطواحين”, و”قصص من النجيلي”، وهو الحي الذي ولد وعاش فيه، وآخرها “برجالاتك “. لكنه دائما ما كان يحن إلي فن التصوير الذي درسه في القسم الحر بكلية الفنون الجميلة في لوحات تشكيلية يضيفها الي أعماله السابقة منذ الاربعينيات و التى نال عنها جائزة هدى شعراوي أكثر من مرة . ويشارك في معارض تشكيلية قليلة جدا, لكنه ظل منكبا على كتابة روايته الطويلة الثالثة ذات الجزئين “ الضيف “ 1995، والتي نشرها بعد حوالي أربعين عاما من صدور روايته الثانية “ القاهرة 51” وهي الرواية التي تؤرخ للنظام الشمولي وفقدان حرية التعبير, يتلوها الجزء الثاني من “ الضيف”, وفيه تدخل الأحداث السياسية إلي الكادر الروائي بشكل مكثف, تتلوهما رواية “ الكوشة “ التي تكشف أجهزة الأمن التي تقمع الانسان وتقهره، ووسائل تعذيب المعتقلين، وتجربة الخوف المسيطر على البشر. وكان قد حصل على جائزة الدولة التشجيعية ( مناصفة) في أواخر السبعينيات 1979عن مجموعة “ صديق العراء “ 1977 ، وظل حتى عامه الذي ناهز على التسعين ينتظر نشر أعماله الكاملة، وكأنه لم يكفه تلك الرحلة الطويلة من التجاهل حتي بعد أن انفجرت ثورة في ربيع الوطن تدعو أهل الثقافة الي عدم تجاهل أبنائها الجادين وتهميشهم .. لكن وافاه الأجل دون ظهورها ، وكأن على الكاتب في مصر أن يعيش الي ما بعد التسعين كي ينشر أعماله الكاملة!!!