عندما تناثر النبأ الحزين والمفجع بوفاة أم كلثوم الشاشة فاتن حمامة ما بين مصدقين ومكذبين، لم أكن من بين المكذبين وصدقت النبأ على الفور، مع حزنى وجزعى من وفاة سيدة الشاشة العربية فى كل العهود بالأمس واليوم وغدا. بل مع هذه الفيوض من الأحزان التى داهمتنى، تسرب فى نفسى شعور عجيب من الارتياح!. وللأسف لم يسعفنى الحظ أن ألقاها وجها لوجه ولو بالصدفة ولا سعيت لذلك، ربما مكتفيا بأننى أشعروكأنها عضو أساسى فى أسرتى الصغيرة، فقد عرفتها على الشاشة بوجهها الملائكى وهى صغيرة غضة أوفى وقارها المرهوب وهى كبيرة ناضجة وهى فى الحالين تتحدث بصوت لم تتغير نبراته يفيض طهرا وعفافا وبراءة ومفعما بكل معانى الأنوثة والظرف واللباقة. مثلت فاتن أدوارا لا حصر لها، فلم تسف ولم تبتذل ولم ترخص قيمتها ولا أرخصت قيمة الفن وظلت فاتن حمامة قيمة كبرى لا تقل عن رموز وقمم وعظماء الفكر والفن فى مصر، إذا ذكرت السينما العربية، ذكر معها اسمها.. فلتضعها إن شئت فى مكانة لا تقل عن مكانة أم كلثوم فى الغناء ومحفوظ فى الرواية وعبد الوهاب فى الموسيقى، هل أبالغ إذا قلت إن مكانتها مثل مكانة حرب فى الاقتصاد والعقاد فى الفكر وشوقى فى الشعر وطه فى الأدب وبيرم فى الزجل. ولا أدرى ما كانت عليه فاتن حمامة فى أيامها الأخيرة، هل جلست تتابع فيلما من الأفلام إياها تم تقديم مسوخ من الناس فيها على أنهم ممثلون وممثلات؟.. وهل رأت بعينيها كيف باع بضع من منتجينا، عرض السينما رخيصا فى أحط المزادات؟. بلطجة وإسفاف وعهر.. هذه هى الثلاثية الحاكمة للسينما المصرية فى أيام اختفت فيها سيدتى وسيدة الشاشة العربية، ففى زمن سيطرت فيه السينما السبكاوية، كان لابد لمثل فاتن حمامة أن تتوارى أو تموت، فالموت هنا ليس انسحابا أو هروبا إنما هو ارتفاع للأعلى.. فربما كان هذا هو سبب الارتياح الغامض الذى سرى فى نفسى عند سماع خبر وفاتها!. فوداعا فاتن التى من على شاشة الواقع وإن بقيتى يا سيدتى خالدة على شاشة السينما، فما يذكر اسم الفن الراقى فى كل العصور إلا وكان وسيكون قرينا باسمك، فسامحينا على ما ختمنا به حياتك حتى تواريت ورحلت فى هدوء مثل كثير من المعانى العظيمة التى تزوى كل يوم. لمزيد من مقالات محمد شمروخ