كنت قد كتبت مقالا يدين الهجوم الارهابى الدموى على صحيفة "شارلى إبدو" الفرنسية الأسبوعية الساخرة فور الهجوم عليها الأسبوع الماضى , فالارهاب لا يختلف عليه اثنين , ليس له دين ولا عقيدة , حاضنته التطرف الفكرى والعنصرى فى أى مكان , ليس قاصرا ولا يختص به الجهاديون المسلمون دون سواهم , وعندما انتفضت فرنسا مدعومة بالتفاف دولى مهيب من حولها ضده , تفاءلنا خيرا فى أن دول الغرب وأمريكا أدركوا أخيرا خطورة احتضانهم وتغذيتهم لهولاء وإن لم يعترفوا بذلك , فهم من أوى عناصر التطرف وهم من استخدمها عند الحاجة ووظفها وقت الضرورة , لن نقول بشماتة المثل الشهير " من حضًر العفريت يصرفه " غير أن هذه الهبة المحمومة لمؤازة فرنسا فى حدثها الجلل , يدعو للتوقف والتأمل , خاصة إذا ما عرفنا أن الشرطى الفرنسى المسلم "أحمد مرابط" الذى قتل فى الهجوم , قد دفن دون أن يحضر تشييع جثمانه أى مسؤول فرنسى ! ولا حتى شرطى واحد من زملاؤه !! والأغرب أن يزور رئيس الوزراء الفرنسى فرانسوا أولاند الكنيس اليهودى وضحايا الصحيفة , ولا يكترث بإيفاد مندوب عنه فى تشييع جثمان الشرطى المسلم , أو يلتفت إلى أن هذا الشرطى دفع حياته هو الآخر ثمنا بخسا لحماية الصحيفة ومن فيها !! فى ليلة وضحاها تحولت باريس إلى عاصمة مناهضة الإرهاب فى العالم , إذ شهدت مسيرة تاريخية تكريما لضحايا الارهاب الذى ضربها , اجتاح خلالها الفرنسيون المسافة الفاصلة بين ساحتى "لاريبوبليك" و"لاناسيون" , والتف حولهم قادة محليون وحوالى 70 شخصية عربية وعالمية وقدرت الحشود هذه بأكثر من ثلاثة ملايين شخص . استطيع تفهم واستيعاب أن يأتى ذلك فى الاطار التضامنى مع باريس , وتعبيرا عن رفض الارهاب ومساندة فرنسا فى محنتها , لكن من غير المفهوم ولا المبرر أن يقود هذه المسيرة عامدا متعمدا بشكل استفزازى بنيامين نتنياهو رئيس الوزراء الاسرائيلى , قائد الارهاب الأول فى العالم ضد الشعب الفلسطينى دون أن يرف له جفن , والذى لو قدر لفلسطين الانضمام لمحكمة لاهاى الجنائية الدولية سيكون المطلوب رقم واحد فى جرائم الابادة الجماعية التى اقترفها جيش الاحتلال الاسرائيلى بأوامر مباشرة منه , ضد الفلسطينيين فى غزة كانت نتيجتها محو أكثر من 60 عائلة فلسطينية من الوجود ومسح اسمها من السجلات المدنية , فى الحرب الاجرامية الأخيرة التى شنتها اسرائيل على قطاع غزة , وراح ضحيتها أكثر من 2200 شهيد وآلاف الجرحى جلهم من الاطفال والنساء , وهدم أحياء بكاملها على رؤوس أصحابها دون ذنب أو جريرة اقترفوها , فمن يسترد حقوق هؤلاء ؟! ومن يضيئ لهم شموع الخلود مع الصديقين والشهداء ؟؟ ومن يحيى ذكراهم فى رحلة المآسى المتكررة التى ترتكبها اسرئيل فى حق الشعب الفلسطينى بلا هوادة ؟؟ من من القادة أو الزعماء فى دول العالم أقدم على فعل مواز شجاع ضد ما ارتكبته اسرئيل بحق الضحايا الفلسطينيين ؟؟ هل سمعنا أو رأينا منهم أكثر من عبارات الشجب على استحياء , أو الادانات الباهتة الفارغة من أى مضمون ؟؟ بل تكون دائما مصحوبة بالرد على حق اسرائيل فى الدفاع عن نفسها ؟! وجود نتنياهو فى مقدمة القادة الذين جائوا لينددوا بالارهاب فى فرنسا , استفز مشاعر ملايين المسلمين والعرب , وأثار حفيظة الفلسطينيين على وجه الخصوص الذين استعادوا مشاهد القتل والدمار , واستيقظت داخلهم مشاعر الحزن والرعب , والمعاناة التى عايشوها خلال حروب اسرائيل المتكررة ضدهم , فتدحرجت آلامهم من فوق جبل الثلج تبحث عن دفء العدالة , بعيدا عن الكيل الدولى بمكيالين !! لماذا تحرك العالم كله لادانة الهجوم الارهابى ضد "شارلى إبدو" , ولم يحرك ساكنا لادانة العدوان الهمجى الاسرائيلى الممنهج ضد الشعب الفلسطينى ؟ نحن ضد الارهاب بكافة أشكاله لا نستثن من أحدا , وكما نرفض الارهاب الموجه ضد أشخاص أو مؤسسات أو دول , فمن المفترض أن يرفض العالم إرهاب الدولة العبرية المنظم والمبرمج لسحق الشعب الفلسطينى ومحو هويته , وتغيير جغرافيا وطنه المحتل ! .. العالم انتفض وينتفض ضد الارهاب الموجه إليهم فقط , ولا يرى إرهاب اسرائيل اليومى للشعب الفلسطينى , يسن القوانين لتجريم معاداة السامية أو الاقتراب منها !! ولا يلتفت لمشروع إبادة الشعب الفلسطينى والاساءة للدين الاسلامى تحديدا ووصمه بالارهاب دون غيره , رغم أن أوروبا وأمريكا اكتوت بنار إرهاب الجماعات التى تطلق على نفسها "المحافظين الجدد" وهم متطرفيين مسيحيين ارتكبوا جرائم إرهابية عديدة فى قلب أمريكا وأوروبا . معه كل الحق نتنياهو أن يتفاخر ويزهو بوجوده وسط هذا الحشد الهائل , يقود زعماء العالم فى مسيرة ضد الارهاب هو ودولته أحد صانعيها, طالما أنه محصن بضعف العرب , ودفاع الغرب المستميت عنه وعن عقدة "الهولوكست" التى تبتزه اسرائيل من خلالها بمناسبة وغير مناسبة , بينما "الهولوكست" الذى تقترفه اسرائيل ضد الشعب الفلسطينى , وجرائم الحرب والابادة الجماعية التى يرتكبها جيشها بحق شعب له كل الحق فى الدفاع عن نفسه وعن أرضه وينعت بالارهاب , هو حق مشروع يكفله لها القانون الدولى والأممى !! لمزيد من مقالات جيهان فوزى