من المسئول عن وضع الإسلام بكل عظمته، وتاريخه، واسهاماته الحضارية والانسانية الغزيرة فى قفص الاتهام ظلما وعدوانا؟ الجواب المنصف العادل يقول إن المسلمين يتحملون الجزء الأكبر من هذه المسئولية، بسبب سوء افعالهم وتصرفاتهم، وتفسيرات بعضهم الخاطئة لآيات القرآن الحكيم، وسنة النبى المصطفى، والشاهد على ذلك مذبحة " شارل ابدو " فى فرنسا فقد ابتلينا بأناس منحوا أنفسهم رخصة قتل باسم الدين، ودفاعا عن نبينا الكريم محمد عليه أفضل الصلاة والسلام، فالرد على الاساءة لا يكون بالرصاص وازهاق الأرواح الشرطى الفرنسى الذى قتل كان مسلما اسمه احمد . فالذين قتلوا الصحفيين والرسامين الفرنسيين بدم بارد ارتكبوا جريمتهم النكراء الآثمة، بعدما سلبت عقولهم من قبل أشخاص خدعوهم وأوهموهم بأنهم يُقدمون على عمل يرضى الله ورسوله، وأنهم ينصرون الإسلام ويعلون رايته فى الغرب الكافر المعادى للدين الحنيف، بدون أن يضعوا فى اعتبارهم أن جموع المسلمين الغفيرة فى العالم ستتكبد مشقة ووزر دفع الثمن الغالى لهذه الفعلة الشنعاء الذميمة. فأينما تول وجهك ستجد جماعات يمثل وجودها فى حد ذاته أبلغ إساءة وتشويه للإسلام، مثل داعش، وبوكو حرام، وطالبان بفرعيها الباكستانى والأفغانى، وجبهة النصرة، ومن قبلهم القاعدة، فتلك تنظيمات ثبت انقطاع صلتها بالدين الذى تتخذه سلعة تباع وتشترى، ويفتحون أذرعهم لمَن يدفع لهم المال الوفير، لتنفيذ مخططاته ومكائده. فمعركة تحرير العقول تشكل الآن «أم المعارك» للمسلمين عموما، ولنا فى مصر خصوصا، ولن نبالغ إذا اعتبرناها المفتاح الذهبى للتقدم وبدون الانتصار فيها سنظل نراوح مكاننا، ولن نخطو خطوة واحدة للأمام. مناسبة هذا الكلام اصرار قطاعات عديدة داخل التيار الإسلامى على مقاومة التجديد، ومراجعة النفس، وايهام من حولهم أن هناك خطة لمحاربة الدين، وتأميم الدعوة الإسلامية بواسطة الدولة، وأن معسكرهم هو معسكر الحق، بينما يقف من يناوئهم بمعسكر الباطل والخسران المبين. وخرج قيادى فى الدعوة السلفية متهما وزارة الأوقاف بترسيخ سياسة الحرب على الإسلام، ومهاجمة الأزهر، وأن الوزير محمد مختار جمعة صار يمثل خطرا على الأمن القوى المصرى هكذا مرة واحدة لتعنته ضد الدعوة لماذا؟ لأن الوزارة تحاول إعادة الهيبة والوقار لمنابر المساجد، ومنع استغلالها فى الدعاية الانتخابية، فالمنبر لابد أن يكون منصة انطلاق لتنوير العقول وليس اختطافها بترويج أفكار ومفاهيم تخاصم جوهر الدين السمح، وتنشر التكفير، وتحض على الكراهية، وهل المطلوب ترك الساحة لكل من هب ودب ليقف على منبر رسول الله ولو بالقوة ، ألم يتعظ ويتعلم التيار الإسلامى من تجاربه وأخطائه؟ ومما يؤسف له أن بعضا من دعاة زمننا يغمزون ويلمزون بأن الغرض والمبتغى من هذه التحركات الحكر على الدين، ومحاصرة الملتزمين دينيا، ويضغطون بورقة أن منعهم من المنابر تسبب فى شيوع الالحاد والتكفير بين المصريين، وإن أخضعنا هذا الجانب للنقاش فسوف تصعقهم النتائج. فالتكفير ظل العصا التى تلهب ظهور المنتقدين والمخالفين، كلما وجهوا اصابعهم ناحية قيادات دينية، وبالذات فى التيار السلفى، وكثير من المنضمين لتنظيم داعش الإرهابى كانوا من المواظبين على حضور دروس دعاة بارزين بالمساجد، وهؤلاء كانوا من الوجوه المألوفة على شاشات القنوات الدينية قبل اغلاقها، وكانوا من عتاة المتحمسين لتجربة حكم الإخوان. الأكثر أن عمليات تجنيدهم واقناعهم بالسفر إلى سوريا، والعراق، وتركيا، وليبيا كانت تتم بمساجد يسيطر عليها السلفيون، الذين يعطونهم الصك الشرعى للالتحاق بجماعات لا تجيد سوى القتل والذبح والخطف طلبا للفدية، وبعدها يغضبون من السعى لوضع ضوابط وشروط لخطباء المساجد. اما عن الالحاد، فإن من يستمع لأقوال وشهادات الملحدين وتصريحاتهم فى الصحف والقنوات الفضائية سيعرف أن تركهم حظيرة الايمان والهدى سببه فى الأغلب الأعم افعال المنتمين للتيار الإسلامى، خلال الفترة التالية لثورة 25 يناير، ثم عام حكم الإخوان المظلم، فهم مسئولون بصورة أو بأخرى عن الحادهم، لأنهم لم يقدموا لهم النموذج الإسلامى الحقيقى المضىء، فلم يصل لمسامعهم سوى العبوس، والتشدد، واغلاق أبواب الأمل، فحدث ما حدث، وضلوا الطريق بمغادرتهم دار الايمان. ثم لماذا يصرون على اتباع سياسة لى الذراع والقفز فوق القانون؟ فنحن فى بلد يسعى لاستعادة دولة القانون الخاضع له رقاب الجميع بلا استثناء، وما الحائل بينهم وبين الخضوع للاختبارات المعدة من وزارة الأوقاف، أم أن المراد هو اختبار صلابة وقوة الدولة مستعينين بالتمترس بالجماهير؟ فالناجح له التشجيع والتوفيق، والراسب عليه امتلاك أدوات وتجهيزات الداعية الحق. الداعية الذى ينير الطريق ولا يظلمه، ويفجر الطاقات الايجابية لدى الناس، ويحفزهم على تشغيل عقولهم وليس تحويلها لأداة استقبال فقط، من يفجر طاقات البهجة، والسرور، والعمل النافع. وما لا أفهمه لمَ لا يتصرف التيار الإسلامى من منطلق كونه شريكا وليس كساع لان يكون له اليد العليا بفرض منطقه وحجته على الجميع فى المحروسة، ولمَ لا يطمئن لواقع أن الإسلام يعد مكونا رئيسيا فى الشخصية المصرية، وأن احدا لا يسعى لطمسه ولا لإغفاله، فالدعوة الإسلامية مصانة ولا خوف عليها لأنها تراعى صالح البلاد والعباد. لمزيد من مقالات محمد إبراهيم الدسوقي