بقسوة الانتظار ..بلا أمل جلست الأم المشتاقة لابنها الغائب علي كرسيها، التي فقدت عقلها من كثرة التفكير في حاله بعد اختفائه، وعيناها متسمرتان علي الباب تحلم بعودة ابنها وتضمه مرة أخري إلي صدرها قبل أن تفارق الحياة، صور الطفل محمود علي الجدران، تتمني الأم المكلومة أن يخرج ابنها المخطوف ولو لمرة واحدة من الإطار المعلق بالصورة لتحتضنه، إلا أنها سرعان ما تفيق من أحلامها علي واقعها المرير لتدرك أنها مجرد آمال وأمنيات، فتبقي الصورة صورة، ويبقي ابنها الصغير محمود لطفي ذو السنوات سنوات، والذي خرج ذات يوم لم يأت بعد ومازال مفقودا. وبين حياة تمضي ولا تمضي، وصدمة رجّت النفس وخسارة لا تعوض في ابن مفقود لا تعلم أسرته عن مصيره شيئا، وبين كلمات قاسية تشبه الصرخة العارية، تروي أم محمود تفاصيل اليوم المشئوم لاختفاء ابنها والدموع تذرف من عينيها قائلة:" في يوم الخميس 5 ديسمبر 2013، خرج ابني محمود في الصف الخامس الابتدائي من منزلنا بمنطقة كومبرة تابعة لمركز شرطة كرداسة بالجيزة، عقب أذان المغرب، وتوجه إلي المسجد الذي تبرعنا بقطعة أرض لبنائه عليها، وكان ابني محمود فرحان بالمسجد جدا، واعتاد أن يؤذن فيه يومي الخميس والجمعة من كل أسبوع، ويصلي فيه، ورغم أن محمود كان متعودا أنه لم يذهب إلي أي مكان غير لما يبلغنا ولم يعتد اللعب في الشارع، إلا أنه خرج في ذلك اليوم ولم يعد للمنزل بعد صلاة العشاء، وظللنا نبحث عنه في كل مكان ولم نجده". استطردت أم محمود، رواية اختفاء ابنها الأصغر قائلة: "بعد البحث عن محمود وبعد عناء شديد تلقينا قرابة صلاة الفجر مكالمة هاتفية من شخص مجهول قال:"ابنكم محمود عندي" ثم أغلق الاتصال، أدركنا حينها أن محمود تم اختطافه، حتي جاء اتصال آخر من الخاطفين وطلبوا فدية 150 ألف جنيه مقابل ترك محمود، ووالد محمود أبلغ المتصل أن البنوك مغلقة يومي الجمعة والسبت ولم يستطع توفير المبلغ، وكل ما يستطيع توفيره 80 ألف جنيه، فأبلغه الخاطف بأنه يوفر مبلغ 100 ألف جنيه، ويتركها في مكان ما، وفي نفس المكان سيتم ترك الطفل المختطف وحذره من إبلاغ الشرطة، وبالفعل استطاع والد محمود الذي يعمل تاجرا في المستلزمات الزراعية والمشاتل توفير مبلغ الفدية 100 ألف جنيه، وتوجه للمكان المتفق عليه وترك المبلغ وأخذه الخاطفون إلا أنهم لم يتركوا محمود". قام والد الطفل محمود بإبلاغ الشرطة، وأفادت أم محمود أنه حدث تتبع لأرقام الهواتف التي قام الخاطفون بالاتصال منها، وتم التوصل إلي أن الخاطف أحد سكان البلدة الذي يعمل علي سيارة ربع نقل لتوصيل الطلبات، واعتاد توصيل الطلبات لوالد الطفل محمود، وتم القبض عليه واعترف بأنه التقي الطفل محمود يوم اختطافه أثناء توجهه للمسجد وطلب منه أن يستقل معه السيارة لتوصيله، ووافق محمود حينها باعتباره ليس شخصا غريبا، ومعروف لدي الأسرة ويتردد عليهم، واعترف بأن محمود بحوزة شخص يدعي حمادة أحمد عاشور (يتعاطي مخدرات) ومن سكان المنطقة، إلا أنه فور القبض علي بعض المتهمين اختفي حمادة من البلد ولم يتم التوصل إلي مكان اختفائه، رغم أن أسرته موجودة وله بطاقة رقم قومي ويسهل الوصول إليه عن طريق المباحث، خصوصا أنه بعد 6 أشهر من اختطاف محمود اتصلت بنا سيدة وقالت :" ابنكم عندي في البيت وخايفة أرجعه لكم تبلغوا الشرطة عني عايزاكم تحموني" وأغلقت الخط، وتم تتبع رقمها وعلمنا أنها كانت متزوجة عرفيا من الخاطف حمادة، وتركت البلد. وتلتقط أم محمود أنفاسها قليلا لكنها لم تقو علي تجفيف دموعها المنهمرة طيلة حديثها عن قرة عينيها وفلذة كبدها ابنها الأصغر محمود قائلة :"آه يا بني .. أين بتَّ اليوم.. عندما خرجت من البيت آخر مرة خفق قلبي كما لم يخفق يوما، أحسسته انتزع من صدري، ولم أعرف السبب حينها، ليتني جريت نحوك لأمسك بك وأمنعك من النزول من المنزل، لكن كيف أمنعك وأنت كنت متوجها لبيت الله كي تؤذن فيه وتصلي، لو كنت أعلم مصيرك لتمنيت شيئا أقوي مني يكبلك في مكانك ولا تفارق حضني لحظة ولم تغب من أمام عيني، ليتك بقيت في حضني يومها.. ليتك لم تغادره". وقالت أم محمود :"منذ لحظة خطف ابني محمود، لا بناكل ولا بنشرب، وإخوات محمود في كليات صيدلة، وإدارة أعمال، وزراعة، وفي ثانوية عامة مستقبلهم في المذاكرة اتدمر ومش عارفين يذاكروا ولا يروحوا امتحاناتهم، بعد اختطاف أخوهم محمود، وأنا ووالده مرضنا، ووالده مش عارف يتابع شغله، حياتنا اتدمرت ومفيش جديد من المباحث حتي الآن، رُحنا قسم شرطة كرداسة ومديرية أمن الجيزة أكثر من مرة، ومخدناش غير وعود وبس، ومفيش تحركات ولا اهتمام من الشرطة بالكشف عن مكان اختطاف ابني محمود.. لو كان ابن حد مهم، أو أبوه ضابط في الأمن الوطني، أو من عائلة مشهورة وله ظهر في البلد كانت الدنيا قامت ولم تقعد إلا بعد ما يرجعوه لأسرته خلال 24 ساعة، ولا هما ولاد المواطنين العاديين وولاد الغلابة مالهمش ثمن في البلد ده علشان ابني محمود يغيب من سنة ومانعرفش عنه حاجة، أنا راضيه يامعالي الوزير بأي حاجة حتي لو هايرجع ابني محمود جثة، المهم أشوفه وأدفنه بإيدي واطلع عليه المقابر كل يوم خميس، شوفت يامعالي وزير الداخليه انتوا وصلتوني لإيه، عاوزة ابني ميت أو صاحي، المهم يرجع، ونار فراقه اللي قايده في قلبي تنطفي، لأن نار الحي حية طول العمر ياسيادة وزير الداخلية، ولا وزارتك في خدمة رجالها وولاد الأكابر بس، ارحمني ربنا يرحمك"0 ناشدت أم محمود، اللواء محمد إبراهيم وزير الداخلية، ووجهت له نداء من أم باكية، دموعها لم تتوقف لحظة منذ اختفاء ابنها قائلة :" أرجوك يا معالي الوزير اهتم بنا.. رُحنا لمساعد مدير أمن الجيزة، ومفتش مباحث قسم كرادسة، وماخدناش منهم غير وعود.. وعايزين نعرف بيتجاهلونا ليه.. وأملنا فيك بعد ربنا عايزين نعرف مكان ابننا محمود ومصيره إيه". الانتظار في قضية المخطوفين قاسي رتيب لا أمل منه، فالأموات يُزارون في المقابر، أما أمثال أسرة الطفل المختطف محمود ممن فقدوا أحبتهم وفلذات أكبادهم ماذا يفعلون إزاء من غابوا عن أعينهم في غفوة من الزمن، وفي ظل تخاذل بعض المسئولين تجاه هؤلاء المواطنين البسطاء الذين لا يملكون سندا يتكئون عليه في الدنيا وليس لهم ملاذ يلجأون إليه سوي الله، يتضرعون إليه بالدعاء كي يعيد ابنهم الصغير إلي أحضانهم.. فهل يتحرك رجال المباحث لإجلاء مصير الطفل محمودالمختطف، والكشف عنه سواء حيا أو ميتا، ويثلجون قلب أسرته المحترقة نارا علي ابنهم الصغير؟