أن تنجب طفلا ، فتلك مناسبة سارة، تشيع البهجة والسرور فى نفوس الأسرة.. لكن سرعان ما ينقلب ذلك الحدث السعيد إلى معاناة حقيقية، بسبب اللبن المدعم، الذى يتطلب صرفه من مراكز رعاية الأمومة والطفولة، شروطا محددة،
وإذا كانت الأم تستحق ، فإن الحصول على الحصة المقررة يستلزم التردد على تلك المراكز عدة مرات ، حيث تأتى الكميات بأقل من المطلوب فى بعض الأحيان ، فيصرفون نصفها فقط ، ولا يجد رب الأسرة بدًا من البحث والتنقيب فى الصيدليات، فلا يجد، فيلجأ لشراء اللبن الحر المستورد من الصيدليات، بأسعار لا تتناسب مطلقا مع ظروفه المادية، حيث يبدأ سعر العلبة من 35 جنيها وحتى 75 جنيها، وهنا، نحن أمام آراء مختلفة ، فوزارة الصحة تؤكد أن اللبن متوافر بجميع مراكز الأمومة والطفولة، ويتم صرفه وفقا للقواعد، فيما تؤكد الصيدليات أن الكميات التى تصل إليها محدودة للغاية، ولا تكفى سوى رضيع واحد.. أما رب الأسرة، فكان له رأى آخر، يعكس معاناته مع التوءم، الذى رزق به، ويجد معاناة حقيقة فى توفير اللبن لأحدهما، بعد أن قررت مراكز رعاية الأمومة والطفولة صرف اللبن لرضيع واحد، وكان عليه تدبير اللبن للرضيع الثاني. بدأت تجربتى مع اللبن الصناعي- كما يقول محمود محمد ( موظف ) ، منذ أن رزقنى الله بتوءم فى يوليو الماضي، حيث وجهنى الأطباء للاستعانة باللبن الصناعى لإرضاعهما، لعدم استطاعة الأم إشباعهما من خلال الرضاعة الطبيعية، وبالفعل توجهت إلى مكتب الرعاية التابع لوزارة الصحة ، مقدما طلبا مشفوعا بشهادات الميلاد، إلا أن مسئولة مكتب الرعاية لم تعتمد إلا طفلا واحدا منهما، متعللة بأن الطفل الآخر يمكن إرضاعه طبيعيا ، وقاموا باستخراج كارت باسم الطفل الأول، ويتم صرف 4 عبوات له فقط شهريا بقيمة 13 جنيها، وتمت زيادة الكمية إلى 6 عبوات بقيمة 19 جنيها ، وبوصول عمر الطفل إلى 4 أشهر قاموا بتخفيض الكمية إلى 4 عبوات مرة أخرى فى الشهر الخامس، متعللين بنقص الكمية، وعدم صرف الوزارة الكميات الكافية. وحتى أستطيع صرف الكمية، - والكلام مازال على لسان محمود محمد- لابد أن أذهب عدة مرات للسؤال عن وصول اللبن المدعم لمكتب الرعاية حيث يأتى الرد على سؤالى دائما بعدم وصول الكمية من الوزارة ، علما بأن لبن الأم قد توقف منذ الشهر الثالث لمشاكل طبية، ولم يعد بإمكانها إرضاع الطفل الآخر، الأمر الذى اضطرنى إلى المرور على الصيدليات صباحا ومساء، لأن عبوة اللبن المدعم لا تكفى الطفلين أكثر من يوم ونصف اليوم(بمعدل عبوة لكل 36ساعة ) ، وبالتوجه للصيدليات اكتشفت أن سعر العبوة المدعمة من حليب (A) لسن أقل من 6 أشهر تباع ب 17 جنيها، ورغم دخلى البسيط الذى يكفى بالكاد لتغطية أعباء أسرتى ، فإننى تحملت هذه النفقات آسفا ، وبدأت معاناتى فى البحث عن اللبن المدعم بالصيدليات، فاكتشفت الواقع المرير، بأنه غير متوافر ، وأن الصيدليات تقوم ببيعه للمعارف والزبائن الدائمين لديها ، وفى الأيام القليلة القادمة، كما يقول محمود، سيبدأ أطفالى فى استخدام اللبن فئه «B» (لعمر أكثر من ستة أشهر ) ، و يتردد فى الصيدليات والصحة، أن هذا النوع المناسب لمرحلتهم العمرية غير متوافر أصلاً، ولا اعلم من أين سأقوم بتوفيره . وأخيرا، انتعشت تجارة اللبن الحر المستورد- كما يقول الدكتور أحمد فاروق رئيس لجنة الصيدليات بالنقابة العامة للصيادلة- ، وقامت العديد من الشركات ومكاتب الاستيراد، بمضاعفة أسعار اللبن ، استغلالا للأزمة الموجودة فى اللبن المدعم، ومن ثم ضاعفت أسعارها لأكثر من 3 مرات خلال عام، وبطبيعة الحال يجد المواطن نفسه أمام أزمة كبيرة، فاللبن المدعم لا يكفي، ما يضطره إلى شراء اللبن المتاح بالصيدليات بالسعر الحر، الأمر الذى يشكل عبئا ماليا عليه، ولا يقوى على احتماله، خاصة فى ظل محدودية الدخل، وارتفاع أسعار بقية السلع والمنتجات، حيث يبلغ متوسط سعر العلبة نحو 50 جنيها. وقد قمت والكلام مازال لرئيس لجنة الصيدليات بالنقابة العامة للصيادلة بإجراء حصر لألبان الأطفال التى تباع بالصيدليات خارج منظومة الدعم، فوجدت أن أسعارها قد ارتفعت بنسب تتراوح بين 30 و 40 % خلال عام، ومن ثم نطالب وزير الصحة بإصدار قرار بوضع الألبان تحت التسعير الجبرى ، كما فعلت المملكة العربية السعودية، لحماية المواطن المصرى من جشع بعض مستوردى الألبان، وتأصيلا لحرص وزارة الصحة على حفظ حقوق الوطن والمواطن. يتفق معه الدكتور محمد سعودى وكيل النقابة العامة للصيادلة، مؤكدا أن كل صيدلية تحصل على حصة لا تتجاوز 6 علب من اللبن المدعم شهريا، وهى لا تكفى بالطبع لتلبية الاحتياجات، مؤكدا أن أزمة لبن الأطفال المدعم مستمرة منذ سنوات طويلة، وستظل موجودة، ما لم تتدخل الحكومة لحلها بشكل جذري، حتى لا يقع المستهلك فريسة للبن المستورد الذى يشكل عبئا على المواطنين، ويفوق قدرتهم على احتمال الارتفاع المتزايد فى أسعار ألبان الأطفال التى تباع خارج منظومة الدعم، بسبب نقص الكميات المدعمة. ثلاث فئات وتنقسم ألبان الأطفال كما يقول الدكتور عبد الحى أحمد خلف صاحب صيدلية فى منطقة فيصل- إلى 3 أنواع هى A,B,C ، أما النوع الأول « A» للرضع من لحظة الميلاد وحتى سن 6 أشهر، والثانى B» « من سن 6 أشهر وحتى سنة فما فوق ، والنوع الثالث «C» فيبدأ من سن سنه فما فوق، وتتسلم كل صيدلية 6 علب من لبن الأطفال المدعم، ما بين 3 أو 4 مرات شهرياً، أى بمعدل كرتونة، وهذه الكمية لا تكفى لإطعام طفلين شهريا، حيث يحتاج الرضيع إلى علبة كل 3 أيام. ويفجر الدكتور عبد الحى أحمد خلف، قضية مصنع «لاكتو مصر» ، الذى تقرر إغلاقه بسبب تشغيله بطريقة خاطئة، أو عيوب فى الصناعة، وكان الأجدر بالحكومة أن تبحث عن حل آخر، بدلا من إغلاق المصنع، وكان ينبغى البحث عن أسباب المشكلة والعمل على تلافيها، بدلاً من إغلاق المصنع نهائيا، وتتحمل الدولة فاتورة عالية التكلفة فى استيراد لبن الأطفال من الخارج. لا توجد أزمة اللبن المدعم- على حد قول الدكتورة ولاء فاروق مدير إدارة الدعم نواقص الأدوية بوزارة الصحة - متوافر بجميع فئاته ، فى كل مراكز الامومة والطفولة، والوحدات الصحية ، وأن الأزمة تكمن فى عدم امكانية حصول بعض الأسر عليه ، لعدم توافرالشروط اللازمة لصرفه، تشجيعا للأمهات على الرضاعة الطبيعية، و يتم الصرف فى حالات محددة، مثل عدم قدرة الأم على الإرضاع بشكل طبيعي، أو لوفاتها أو عند ولادة توءم أو أكثر، اوعند إصابة الأم بمرض يمنعها من الرضاعة، فتجد نفسها مضطرة إلى تناول دواء، قد تفرزه فى لبنها الطبيعي، فيتم توقيع الكشف الطبى عليها، وقياس وزن الطفل، وبعدها تقررمركز الرعاية التابعة له، إذا ما كانت تستحق اللبن المدعم أم لا، مشيرة إلى وجود مخزون استراتيجى من اللبن المدعم، يكفى خمسة أشهر لدى المصرية المستوردة للألبان، كما أن مصر انضمت لاتفاقية الشرعة الدولية» التى تشجع على الرضاعة الطبيعية، وتفادى المخاطر الناجمة عن اللبن الصناعي، وبالتالى يجب العمل على تنفيذ تلك الاتفاقية، ولذلك يتم صرف اللبن المدعم وفقا للقواعد والشروط المقررة، كما أن نحو 6% فقط من المواليد سنويا هم الذين يستحقون صرف اللبن المدعم. الرضاعة الطبيعية فى حين يؤكد الدكتور محمد نور مدير عام الإدارة العامة لمراكز رعاية الأمومة والطفولة بوزارة الصحة، وهى الإدارة المختصة بالإشراف على تلك المراكز، أنه يتم صرف اللبن لحالات محددة وفقا للشروط المقررة، بهدف تشجيع الأم على الرضاعة الطبيعية ،حرصا على صحة الرضيع، مشيرا إلى أن الدعم يقدر بنحو 23 جنيها للعلبة الواحدة، كما أن نحو 29% من أطفال مصر يعانون التقزم ، نتيجة إهمال الرضاعة الطبيعية، وهو ما يعطى ذريعة لمنظمة الصحة العالمية لإبداء ملاحظات بسبب استخدام الألبان الصناعية للرضع فى مصر، ومع ذلك لا نتوانى فى صرف اللبن المدعم لمن تستحقه من الأمهات، بعد توقيع الكشف عليها، وتطابق الشروط المقررة وقد فحصنا شكاوى عديدة من قبل، وعند الفحص نتأكد من عدم استحقاق الشاكية فى صرف اللبن المدعم، ونستجيب فورا لأى شكوى إذا كنت صاحبتها على حق. ولمن لا يتذكر- والكلام مازال ل مدير عام الإدارة العامة لمراكزرعاية الأمومة والطفولة بوزارة الصحة فإن اللبن المدعم كان يباع بالصيدليات، لكنه كان يتسرب لغير مستحقيه، وتستخدمه مصانع الحلويات والآيس كريم، عندها قرر الدكتور حاتم الجبلى وزير الصحة الأسبق، تنظيم صرفه عن طريق مراكز رعاية الأمومة والطفولة، ويبلغ عددها نحو 600 مركز على مستوى الجمهورية، للقضاء على ظاهرة سوء استخدامه، وتسربه للمصانع، ولذلك يتم الصرف وفقا للقواعد المقررة، فمن مصلحة الرضيع أن يبتعد قدر الإمكان عن اللبن الصناعي، والرضاعة الطبيعية هى الأفضل بالنسبة له ، حيث تجعله متمتعا بصحة أفضل من الإرضاع باللبن الصناعي. الكميات المستوردة وحينما سألنا الدكتور محمد حسنين رئيس مجلس إدارة الشركة المصرية للأدوية، المستوردة للألبان المدعمة، عن الأزمة، أكد ل « تحقيقات الأهرام» أنه تم استيراد 19 مليون علبة لبن فى مناقصة عام 2013/2014، بواقع 7 ملايين علبه ذات اللون الأحمر، وجرى توزيعها على مراكز رعاية الأمومة والطفولة، و8 ملايين علبة ذات اللون الأخصر لتوزيعها على الصيدليات الأهلية ، إضافة إلى 4 ملايين علبة ذات اللون الأزرق للصيدليات الأهلية أيضاً، فيما تقرر فى مناقصة عام 2014/2015، استيراد 23 مليون علبه بزيادة 4 ملايين علبة عن مناقصة العام الماضي، بواقع بواقع 7 ملايين علبه ذات اللون الأحمر، لمراكز رعاية الأمومة والطفولة، و7 ملايين علبة ذات اللون الأخضر لتوزيعها على الصيدليات الأهلية ، بالإضافة إلى 9 ملايين علبة ذات اللون الأزرق للمرحلة العمرية الثانية لتوزيعها على الصيدليات الأهلية أيضا، مشيرا إلى أن الدعم المخصص لاستيراد لبن الأطفال تمت زيادته من 300 مليون جنيه العام الماضى إلى 500 مليون جنيه.