تناولنا فى الأسبوع الفائت حسابات التصالح مع قطر، ونكمل ما بدأناه بالتعرض لنقطتين جوهريتين، الأولى محورها فرضية حدوث تغيير يعتد به فى السياسة القطرية حيال مصر وما يدور فيها من تحولات وتعديل مسارات، والثانية ترتبط بما خرجنا به من دروس من تجربة الشقاق مع القطريين. بخصوص النقطة الأولى نلاحظ أن الغيوم وظلال الشك تحيط بإرهاصات وبوادر التقارب المصرى القطري، الذى بدأت تتضح قسماته ومعالمه، منذ الأسبوع الماضي، وبدا أن الاتجاه الغالب بين الكثيرين من معلقينا ونخبتنا المثقفة تميل ناحية أن محصلة ما نتابعه حاليا من تطورات بين البلدين ستظل محصورة فى خانة الحد الأدني، وأنه يصعب على الدوحة التحول عن سياساتها المناهضة والمخاصمة لمجريات الأحداث فى المحروسة، ولا تتوقف آلتنا الإعلامية عن اطلاق دفعات متتالية من المطالب الواجب على السلطات القطرية الالتزام بها، اثباتا لحسن نواياها وجديتها فى طى صفحة الماضى القريب مع مصر. وبعيدا عن مناخ ثورة الشك المكبلة لفرص إحداث اختراقات ملموسة فى الملف المصرى القطري، فإن القضية الحاسمة الفاصلة فى هذا السياق تتصل بمدى استعدادنا لإعطاء قطر فرصة كافية مكتملة الاركان للتدليل على أنها حقا وصدقا تود إعادة علاقاتها مع مصر للمنطقة الدافئة التى تخدم مصالحهما المشتركة، وأمنهما القومي، ومعهما البلدان العربية؟ يلحق بالتساؤل السالف أخر يتعلق بنمط تفكيرنا وتعاملنا مع الخلاف المصرى القطري، وما إذا كنا سنتعاطى معه بالمنطق العقلانى أم الغوغائي، وكلنا يعلم أن الشطر الأخير كان هو الشائع خلال الأشهر الماضية؟ عمليا، فإن قطر تستحق إعطاءها فرصة كاملة قبل الحكم على نواياها وخطواتها، وبعدها نصدر حكمنا الفصل القاطع فى التصالح معها من عدمه، ويرجع ذلك إلى أنها أظهرت حتى الآن نية طيبة تجاهنا - على الأقل ظاهريا – وكان قرار اغلاق قناة الجزيرة مباشر مصر احد العلامات الايجابية على هذا التوجه. ستصل إلى مسامعك أصوات تصرخ محذرة من الخداع القطري، وأن النيات ليست خالصة، ويسوقون أدلة وحيثيات تؤكد صحة ما ذهبوا إليه بهذا الخصوص، وتتمحور حول أن اختفاء مباشر مصر لا يعنى انتهاء التحريض الإعلامى القطرى على أرض الكنانة، وأن الدوحة لديها بدائل أخرى توظفها وتوجهها للقيام بنفس المهمة الخبيثة، وأن العائلة الحاكمة فى قطر لا تزال تحتضن قادة جماعة الإخوان الإرهابية الذين ينعمون بالملاذ الأمن وبالأموال التى ترسل لعناصر الجماعة ومن يؤيدهم من الجماعات الإرهابية، لشن هجمات ضد المنشآت العامة، وعناصر القوات المسلحة والشرطة، وأن الدوحة تشارك فى تنفيذ أجندة التآمر الأمريكية الهادفة لتفتيت دول المنطقة وتحويلها لكيانات منزوعة القوة مهمتها فى الحياة تلبية ما تقرره وتخططه الولاياتالمتحدة. ونحسب أن هذه الجوانب تحتاج لتمحيصها بعقل منفتح لا يتأثر بزفة الصياح والتشكيك المزمن، فيما يخص الآلية الإعلامية القطرية فإنها تعمل بكفاءة منقطعة النظير ولم يصلها قطار التغيير بعد، فهى تشوش وتشكك فى كل خطوة نخطوها لإعادة بناء البلاد واقتصادها، وتتكلم عن الشرعية والديمقراطية الغائبة، ولكن هل هذه الآلية من القوة بحيث تهز دولة بحجم وقامة مصر، وأنا هنا اتحدث عن الدولة المصرية وليس عن الأفراد والجماعة الصحفية والإعلامية؟ بدون شك فإن الدولة اوعى من أن تنزلق إلى فخ الاهتزاز، ثم أن لدينا ما يفوق ما تمتلكه قطر وغيرها من وسائل إعلامية تستطيع أن تفند الحقائق وتكشف الأكاذيب التى تروج عبر الجزيرة وغيرها بأسلوب راق متحضر، وإن أحسنّا استخدامها فإنها كفيلة بابتلاع ما لدى قطر. وبالنسبة لكارت الإخوان فإنه محروق ولن يفيد الحكومة القطرية مستقبلا، فإن عدنا بالذاكرة للوراء قليلا سنعرف أن قطر احتضنت الإخوان وقربتهم إليها إبان عهد حسنى مبارك لأنهم كانوا حينئذ أقوى الجهات المعارضة لنظامه، وساد الاعتقاد بأن الجماعة قادرة على تقويض ركائز وقواعد نظام مبارك، وإن وصلوا إلى السلطة سيكون لهم تأثير على الحكام الجدد، وأن ذلك يمنح الدوحة وضعا متميزا كبلد يسعى ليكون البديل الجاهز والأفضل لمصر كقوة اقليمية يحسب لها ألف حساب آنذاك بفضل حالة الترهل وتراجع الدور الاقليمى المصرى نتيجة سوء إدارة مبارك وحاشيته للبلاد. واستفاد الإخوان من فكرة المظلومية وأنهم أصحاب رصيد كبير بين الناس، حتى يحصلوا على العطف والدعم المالى ، إلى أن ظهرت وانكشفت حقيقتهم، عندما اختطفوا كرسى الحكم لعام فى مصر، وأنهم لا يكترثون سوى بالسلطة ومنافعها وثمارها الحلوة، وأنهم دعاة عنف وتحريض على الإرهاب، مما دفع بالمصريين للفظهم وكشفهم بعد أن تأكدوا من عملهم ضد الوطن ومصلحته ومحاولتهم اسقاط الدولة، وباتت قدرتهم على الحشد فى الشارع وتسخينه ضعيفة لأبعد حد من الممكن تصوره. وإن فكرت قطر مليا بشأن ما الذى يمكن للإخوان تقديمه لها أكثر من السعى لتهييج واثارة الناس للخروج فى مظاهرات بائسة يشارك فيها العشرات وتنفض بمجرد ظهور قوات الأمن، بخلاف أن الشواهد الماثلة أكدت أن الإخوان لا عهد لهم وينقلبون بسرعة البرق على الجميع بمن فيهم من ساندهم وساعدهم، فهم ورقة محروقة لا نفع منها بالمعيار السياسى والعملي. ولعل هذا ما حدا بقطر لتوجيه تعليمات وأوامر مباشرة لأقطاب الإخوان والجماعة الإسلامية لديها بعدم التعليق على ما يجرى فى مصر، والا يتكلموا فى السياسة. ونشدد على ان هذا التفسير ليس مرادفا للتخلى عن الحيطة والحذر من جهتنا، فالإخوان مثل الحرباء تجيد التلون والتخفي، وجل ما أود بيانه أنه على القطريين مراجعة أنفسهم جيدا إن ظنوا أن الإخوان سيكونون ورقة مفيدة لهم يضغطون بها على مصر وبصدد الدروس المستفادة فإن أهمها على الاطلاق أنه يتعين على وسائل إعلامنا مراعاة مصالح البلد قبل أن تهيل التراب فوق رأس من نختلف معه فى الداخل أو الخارج، لا مانع من التحليل والتفسير واظهار الحقيقة، لكن لا يصح التجاوز، واطلاق الاتهامات بدون دليل، ولفت نظرى أنه فى الوقت الذى كنا نعدد فيه أخطاء الإعلام القطرى فى حقنا لم نهتم بمكاشفة أنفسنا بأخطائنا. الخلاصة أن قطر ستحصل على فرصتها وبناء عليه سنحدد ما إذا كنا سنمضى على طريق المصالحة أم الخصام. لمزيد من مقالات محمد إبراهيم الدسوقي