يقول هنرى كيسنجروزير الخارجية الأمريكية الأسبق وهو من أصل يهودى : ( إذا أردتُ من العرب شيئا فإنى لا أتُعِب نفسى كثيرا ، بل أذهب إلى عمود الخيمة مباشرة ، فإن أسقطته سقطت الخيمة بأكملها ) . أى أنه إذا نجح فى إقناع فرد واحد ممثلا فى الشيخ أوالزعيم أومن يتبعه الناس ، فقد اكتسب رضا الجميع .ومن أخص خصائص العرب – كما أشار ابن خلدون فى مقدمته – أنهم لا يُفلحون ولا تقوم لهم قائمة إلا إذا اتحدوا وراء قائد أومبدأ أوفكرة . ولما اتحدوا وراء راية الاسلام كونوا خلال عشر سنوات أسرع امبراطورية فى التاريخ حاربت القوى العظمى كلها فى وقت واحد بعد أن كان العرب هملا لاقيمة لهم عند الفرس والروم ومملكتى الحيرة والغساسنة . وطبائع الأمور أن أى بناء لا يَصلُح بلا أعمدة لها قيمتها ووزنها ، فالأسرة بلا أب ، والمدرسة بلا معلم ، والجيش بلا قائد والمجتمع بلا داعية ربانى ، تكون النتيجة هى الفوضى التى أسمتها كوندليزا رايس وزيرة الخارجية الأمريكية أيام جورج بوش الابن ب( الفوضى الخلاقة !!! ) . وتُبدى الأيام ما قصدته عندما نُتَابع ما يجرى فى ليبيا واليمن والسودان ومصروالعراق وسوريا ، لا تجد شخصا – فى أى مجال - له رأى مسموع يلتف حوله الناس ويكون حكما فصلا بينهم ، وهذا هو عين ما تحدثت عنه ( بروتوكولات حكماء صهيون ) من عداوة واحتراب بين العامة أوالدهماء ومن يُرجع إليهم فى كل المجالات ، حتى تتحول البلاد إلى غابة يكون فيها الضعيف طعاما للقوى ، ويقتتل الكل . وقد أرشدنا الرسول صلى الله عليه وسلم إلى أن أعمدة المجتمع أمر مهم فى الدين بقوله : (ليس منَّا مَنْ لم يُجِلَّ كبيرَنا ، ويرحمْ صغيرَنا ، ويَعْرِفْ لعالِمِنا حقَّهُ)( الجامع الصغير للسيوطى ) . وأنبئنا عند حدوث الفتن بظهورهذه الحالة ( ...وإعجابَ كل ذى رأىٍ برأيه )( رواه أبو داود عن أبى ثعلبة الخشنى ) . ووصل بنا الحال أن جهابذة الأمة من علماء السلف والخلف يتعرضون للتسفيه من أى صحفى أومذيع فى فضائية أوممثل أوراقصة لا يتقن الواحد منهم قراءة فاتحة الكتاب على الوجه الصحيح ، ولا يستطيع أن يقرأ صفحة واحدة من صحيح البخارى وهو يمسك الصحيح فى يده !!! وكانت الأمة فى فترات كثيرة من حياتها إذا تكلم فيها علماء بأعينهم لم يكن يجرأ أحد أن يتكلم بعدهم ، إلى أن وصلنا إلى ما رواه أبو هريرة رضى الله عنه عن النبى صلى الله عليه وسلم : (والذي نَفْسِي بيدِهِ لَا تَقُومُ الساعةُ حتى يظهرَ الفحشُ والبخْلُ ويخوَّنَ الأمينُ ويؤْتَمَنَ الخائِنُ وتهلِكَ الوعولُ وتظهَرَ التحوتُ ) قالوا يا رسولَ اللهِ : وما الوعولُ وما التحوتُ قال : ( الوعولُ وجوهُ الناسِ وأشرافُهُم ، والتحوتُ الذين كانوا تحتَ أقدامِ الناسِ لَا يُعْلَمُ بِهِمْ )( مجمع الزوائد للهيثمى) . [email protected] لمزيد من مقالات عبدالفتاح البطة