فى مأموية الضرائب يتطلع المحاسبون والمحاسبات إلى الممول الذى حضر مبكرا بنظرات ساخرة. يعبر الأرشيف إلى الحجرة الداخلية التى اتخذها رئيس الحسابات مكتبا ولكنه لم يجد رجب أفندى رئيس الحسابات على مكتبه لذلك يعود آسفا.. وتعلق إحدى المحاسبات. إنه الشاعر إياه، ويرد زميل لها: جاء يدفع ضريبة الخضرة والماء والوجه الحسن مرة أخرى؟! ها هو يذهب إلى المكتب المجاور. ويحضر الأستاذ رجب رئيس الحسابات ولما كان من عاداته أن يشرب قهوة الصباح بين الزملاء والزميلات فقد جلس بينهم حتى تحضر القهوة.. وعرف من الهمس أن الشاعر إياه قد عاد إلى المأمورية فرفع سبابته محذرا من هذر ذلك الملحوس الذى يبحث بين الدفاتر عن خانات عمن يذهب الحزن!! ويعود الشاعر من المكتب المجاور فما إن يرى رجب أفندى حتى يزفر من صدر كظيم وقبل أن يتفوه بكلمة يستوقفه رجب أفندى ثم يشير إلى المكتب الخالى ويقول له فى لهجة من ضاق صدره إن الدوسيه الذى يخصه مع الزميلة التى لم تصل بعد إلى المأمورية. وتضيف كبيرة المحاسبات: آه مع الزميلة قمر.. وهى توشك أن تحضر الآن . ويعلق الشاعر بصوت لفت اليه الأسماع فيقول إنه لن يتعامل مع من يتخذون العدة والكرباج أداة لجباية الضرائب!! وأهدر بمقاطع لم يسمعها الأستاذ رجب وهرول الأرشيف وتسمعه كبيرة المحاسبات فتبلغ الآخرين ضاحكة: يقول إنهم يهنئون بعضهم بعضا بظهوره فى المأمورية الأخرى وما كاد الأستاذ رجب وزملاؤه يهنئون بعضهم بعضا بخروج الشاعر من الأرشيف حتى دهمهم مرة أخرى وهو يمسك بيده خطابا من خطابات الاستدعاء (التى ترسلها المأمورية للممولين) ويضع الخطاب تحت عوينات الأستاذ رجب ثم يسأل بلهجة العتاب. تجعلون حسابى مع نمر مفترس لتتخلصوا منى؟!. ويرفع الأستاذ رجب رأسه مستفزا بينما يتساءل الزملاء (نمر) لا أحد هنا يدعى نمر!! وانتقل الشاعر الي كبيرة المحاسبات يستغيث بها فتفحص التوقيع علي الخطاب ثم صاحت متفكهة : - انه توقيع زميلتنا الجديدة قمر أسفل الخطاب. وطفق الاستاذ رجب يخفي عويناته بين الدوسيهات بينما تبادل المحاسبون والمحاسبات خطاب استدعاء وهم يتندرون على (القاف) التى طمست فتحولت (نون) بواسطة ماكينة الكتابة وبذلك انقلب اسم المحاسبة الحسناء من قمر إلى نمر مفترس. ويحضر باقى الزملاء والزميلات فيروعهم صياح الأستاذ رجب من الشاعر الذى لم ينشر فى حياته إلا قصيدة واحدة ومع ذلك يأتى ليعطل العمل فى مأموريتهم. وأخفى الجميع تفكههم عندما جابه الشاعر رئيس الحسابات فأقسم بأنهم يهينون بعضهم بعضا بظهوره فى المأمورية الأخيرة . ولكنهم لم يخفوا تفكههم عندما صرح بأن المأموريات الأخرى أولى منهم بالأعلاف والميرة!! وكان الأستاذ رجب يفسر لمرءوسيه (وقد ضاق صدره) كيف يحيلهم الملحوس إلى تاريخ جلب الضرائب فى العصور المظلمة حين وصلت المحاسبة قمر. ولدهشة الأستاذ رجب رأى كبيرة المحاسبات تشير إلى قمر كمن أصابتها لوثة الشاعر وهى تهتف بصوت كالفحيح. الآنسة قمر.. الأنسة قمر التى أرسلت لك الاستدعاء. والتفت الشاعر فما إن وقع بصره على المحاسبة الشابة حتى تهلل وجهه.. فبدا كمن عثر على ثالثة النعم التى يتلهف عليها ابن آدم وفغر فاه وهو يلوم غباءه أن حسب هذه الحورية (نمر) بينما حضورها بدون الخضرة والماء فى هذا المكان الكئيب يذهب الحزن! وقبل أن يفيق الحضور سمع صوت الشاعر وهو يشير إلى المحاسبة الشابة ويلهج. فديتك.. فديتك شقتى بعيد. ثم يشير إلى رجب وصحبته ويكمل: وأعدائى كثير وإشباعى لديك قليل!! وتملك الغل الأستاذ رجب عندما ارتفعت الضحكات وأصوات الاستحسان أعد.. أعد، فقرر أن يستدعى الحرس الذى يتولى ردع الممولين الذين يتملكهم الجنون بسبب التقدير الجزافى - وأخذ يدفع الشاعر إلى خارج الأرشيف بينما أخذ الشاعر يصيح متضرعا إلى صاحب القدرة أن يكشف الغمة عن المأمورية وزعق الأستاذ رجب (وقد طاش صوابه) فطلب ملف الملحوس ليستأصل شأفة جنونه فيفيض نهائيا من الضرائب باعتباره ممسوسا( تركبه العفاريت) لاتقبل له شهادة ويبلغ عن نشاط وهمى بإقرارات كاذبة بينما لم ينشر إلا مرة واحدة فى حياته فى جريدة ميته لا يقرؤها أحد. وطفق الشاعر يسأل المحاسبين والمحاسبات كيف يسمحون بهذه القسوة.. وهذا الصد وهو لم يعد عنهم بعيدا!! وعلقت إحداهن: والله إنه الوحيد الذى لايقرف من الحضور إلى المأمورية!! وجاش وجدان الشاعر فإذا به يناشدهم الرفق بمتيم أصبحت المأمورية قبلته. والجهة الوحيدة التى تعترف بشاعريته. وفوجىء به الموظفون عندما تهاوى على مقعد خال وبلهجة من يتحدى الروتين الثقيل اقسم وهو يتوسل للمحاسبة قمر اقسم يمين الله فقال: يمين الله أبرح قاعدا ولوقطعوا رأسى لديك وأوصالى