فى الساعة الخامسة وخمس وثلاثين دقيقة, ومع أذان مغرب يوم 27 سبتمبر 2008.. شب الحريق, وظل على مدي ساعتين لم تستطع 30 سيارة أطفاء, أن تنقذ المبنى العتيق من براثن ألسنة اللهب.. منذ 6 سنوات احترق المسرح القومى بالعتبة.. ومنذ أيام قليلة جرى افتتاحه بعد ترميمه. فى منطقة يرجع تاريخها إلى القرن الخامس عشر.. منطقة القاهرة المملوكية التي كانت مقرا للقصور، وأماكن السمر حول بحيرة عرفت فيما بعد باسم الأزبكية.. وضع حجر أساس للفنون بألوانها المختلفة, واستمر حتى قدوم الحملة الفرنسية فى القرن الثامن عشر.. حين شاهد نابليون بونابرت لاعبي خيال الظل يقدمون فنونهم حول البحيرة، فقرر إنشاء مسرح للترفيه عن جنوده، ظل هذا المسرح يقدم عروضه حتى بعد رحيل نابليون وجنده.. وجاء محمد علي باشا، الذى أمر بتجفيف البركة وتحويلها إلى حديقة عامة، فتوقفت العروض حتى قام الخديو إسماعيل.. فى أثناء التجهيزات الضخمة التى جرت لافتتاح قناة السويس عام 1869 بإنشاء مبنى فى الطرف الجنوبى لحديقة الأزبكية.. أطلق عليه اسم المسرح الكوميدى الفرنسى «الكوميدى فرانسيز».. فى مواجهة مبنى الأوبرا الذى أنشيء فى العام نفسه لاستقبال الوفود المشاركة فى احتفالات افتتاح القناة. ظل المسرح حتى عام 1885.. ليتغير شكله واسمه، فيصبح «تياترو الأزبكية».. أول مسرح مصرى افتتحت عروضه بفرقة أبو خليل القبانى، تلتها فرقة اسكندر فرح وبطلها سلامة حجازى عام 1891. وفى عام 1905 افتتح الموسم بفرقة سلامة حجازى.. ومع تصاعد المطالبات بخروج الاحتلال الانجليزى, تزايدت الدعوة لإنشاء مسرح وطنى.. وقد كان, «المسرح الوطنى» عام 1921 فى نفس المكان ليقدم أربع مسرحيات يومية.. حتى شهد العام 1935 إنشاء «الفرقة القومية المصرية» وتولي ادارتها الشاعر خليل مطران, التى ما لبثت أن تم حلها عام 1942 لمناهضتها الاحتلال الانجليزى. وبقيام ثورة 23 يوليو عام 1952 تحول اسمه إلى «المسرح القومى»، ليشهد ميلاد فرقتين: «الفرقة القومية المصرية»، و«فرقة المسرح المصرى الحديث».. لتعد فترة ذهبية فى عمر هذا المسرح.. بما قدمه مبدعو تلك المرحلة: يوسف إدريس، نعمان عاشور، سعد الدين وهبة، ألفريد فرج، لطفى الخولى، عبد الرحيم الزرقانى، سعد أردش، نبيل الألفى، كرم مطاوع، سميحة أيوب، عبد الله غيث، حمدى غيث، شفيق نور الدين، حمدى أحمد، وغيرهم. مبنى المسرح القومى يغلب الخشب على مواد بنائه، تميزت عمارته بجمال التصميم الداخلى وروعة الديكور.. يتكون من قاعة كبيرة حملت اسم جورج أبيض أحد رواد المسرح المصرى، وقاعة صغيرة تحمل اسم المخرج المسرحى والممثل عبد الرحيم الزرقانى. قاعة صغيرة خاصة بالملابس وأجهزة الإضاءة، مكاتب إدارية خاصة بهيئة رئاسة المسرح، ومسرح الشباب أيضا. بعد 6 سنوات.. عادت المسرح القومى يفتح أبوابه ويضىء مصابيحه من جديد.. ويبدو أن عودته هذه المرة نهائية، فالعزم معقود على ألا تطفأ مصابيحه مرة أخرى.