تمر ذكرى انتصار مصر على العدوان الثلاثي عام 1956 اليوم، ويحيط بها كثير من الملامح السياسية التي كانت سائدة في ذلك الوقت. فالانتصار الذي نبعت قيمته من قوة الإرادة والعزيمة، وتكاتف الشعب المصري مع قائده الزعيم الراحل جمال عبدالناصر، والأهم الضربة القاصمة التي لقيتها كل من بريطانيا وفرنسا. وكانت معركة بورسعيد الباسلة بداية حقيقية لنهاية هاتين الإمبراطوريتين. خبراء كثيرون تابعوا تطورات الخريطة الإقليمية والدولية، ولسان حالهم يقول "ما أشبه الليلة بالبارحة"، حيث تغلبت مصر خلال الأعوام القليلة الماضية على أصعب مؤامرة، حيكت لها في العصر الحديث، أرادت لها أن ترضخ وتنحني لرغبات قوى، سعت إلى تكبيلها، بل والعمل من وراء ستار، لإخضاعها لنفوذ جماعة تملكتها حسابات ضيقة. لكن تكاتف الشعب ومؤسساته الوطنية فوت الفرصة عليهم جميعا. خرجت مصر منتصرة بما يضاهي، وربما يفوق، ما تحقق من نصر يوم 23 ديسمبر عام 1956. ففي المرة الأولى كانت النتيجة النهائية مقصورة على النواحي السياسية، فقد فشلت القوى الاستعمارية في كسر إرادة عبدالناصر وإثنائه عن قرار تأميم قناة السويس، وفي الوقت الراهن، يقود الرئيس السيسي السفينة بحنكة واقتدار، جعلاه يفوت الفرصة على كل المتربصين به وبمشروعه الوطني، وتجلى الانتصار في أعظم صوره، السياسية والعسكرية والاجتماعية والاقتصادية أيضا عندما شرع الرئيس في وضع اللبنات الأساسية لمصر الجديدة . كما كانت المرة الأولى مقدمة لنهاية حقبة استعمارية بغيضة، وبداية لحركات تحرر وطنى على نطاق واسع، وبزوغ قوى دولية جديدة، فمن المرجح أن تتمدد تداعيات التطورات الحالية، التي تقودها مصر، إلى قضايا مشابهة في المستقبل القريب، عبر تجمعات إقليمية، تستهدف أمن واستقرار المنطقة. مصر التي قطعت الطريق على جزء معتبر من السيناريوهات الغامضة، فتحته لإنهاء عهد ظواهر سلبية سادت على الساحة الدولية، درج أصحابها ومن وقفوا خلفها، على الإمساك بزمام كثير من الأمور، لتصورات تتعلق بمصالح عدد محدود من القوى المسيطرة، بل مهدت مصر الفضاء لتكريس صعود قوى أخرى، نجحت في أن تخترق الصفوف خلال فترة وجيزة، لكنها لم تتمكن من المشاركة بفاعلية مطلقة في التوازنات الدولية. وتبدو الفرصة الآن مهيأة لممارسة دورها المنتظر. لعل الزيارة التي يقوم بها الرئيس عبد الفتاح السيسي للصين، وتلك التي من المتوقع أن يقوم بها الرئيس الروسي بوتين للقاهرة الشهر المقبل، تصبان في هذا الاتجاه، لتؤكدا بوضوح أن مصر التي قهرت العدوان الثلاثي من قبل، وفتحت المجال لوقف زحف صوره القديمة، تستطيع ممارسة أدوار مؤثرة، بالتعاون مع القوى الصاعدة، وتعديل دفة كثير من المعادلات، التي أدى اختلالها إلى نكبات كثيرة في المنطقة العربية. لمزيد من مقالات رأى الاهرام