ظلت العلاقات المصرية- الصينية طوال الأربعين عاما الماضية تقريبا علاقات تقليدية طيبة، تستمد من رصيد الماضي أكثر مما تستشرف المستقبل. والحقيقة أن رصيد هذه العلاقات ثري ومتنوع، فمصر هي أول دولة في الشرق الأوسط أقامت تبادلا دبلوماسيا مع الصين في العصر الحديث عام 1928، ثم افتتاح الصين أول قنصلية لها في منطقة الشرق الأوسط في القاهرة في أول سبتمبر عام 1935. ومصر أيضا هي أول دولة عربية وأفريقية اعترفت بجمهورية الصين الشعبية في 30 يونيو عام 1956. ومصر هي أول دولة نامية وقعت الصين معها اتفاق شراكة استراتيجية، في عام 1999. وخلال مرحلة التحول السياسي التي شهدتها مصر في السنوات الثلاث الماضية أكدت الصين مرارا، قولا وفعلا، احترامها لإرادة الشعب المصري ورفضها أي تدخل خارجي في الشؤون الداخلية لمصر. ولم تتراجع الاستثمارات الصينية في مصر. على صعيد التبادلات الاقتصادية والتجارية، ارتفع حجم التبادل التجاري بين البلدين من 2ر12 مليون دولار أمريكي في عام 1954 إلى نحو عشرة مليارات دولار أمريكي في عام 2013، وبلغ خلال خلال الفترة من يناير حتى سبتمبر 2014 ما يقرب من تسعة مليارات دولار أمريكي، أي أنه تضاعف نحو ألف مرة خلال الستين عاما الماضية. على صعيد السياسة الخارجية، تتمسك كل من مصر والصين بمبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية لأي دولة، والسعي إلى حل النزاعات عبر الطرق السلمية والدعوة إلى إقامة نظام سياسي واقتصادي دولي عادل ونزيه. هذا يؤكد أن العلاقات المصرية- الصينية تقوم على أسس ومبادئ ثابتة يحرص الجانبان على الالتزام بها، ولكنها أيضا علاقات محصورة في إطار تقليدي لم تحاول الخروج منه خلال العقود الأربعة الماضية، ولعل هذا يفسر بطء الحركة في ملفات عديدة مشتركة بين الجانبين، ومن أمثلة ذلك مشروع منطقة التعاون المصري- الصيني في خليج السويس، فهذه المنطقة لم يتم الانتهاء من تطويرها حتى الآن بعد مرور نحو خمس عشرة سنة منذ أن تم الاتفاق على إنشائها في عام 1999؛ كما يفسر الخلل البيّن في ميزان التبادل التجاري الذي يميل بشدة لصالح الصين، والضعف النسبي للاستثمارات الصينية في مصر، وانخفاظ التدفق السياحي المتبادل بين البلدين، ناهيك عن الفجوة المعرفية لدى الشعبين الصيني والمصري تجاه بعضهما البعض. تواجه الصين ومصر في المرحلة الحالية تحديات ومهاماً تكاد تكون متشابهة وأحيانا متماسة، يشمل ذلك تحديات اجتماعية واقتصادية وأمنية وثقافية وسياسية. وبشكل أكثر تفصيلا، فإن البلدين وبرغم تباين موقعهما على سلم التنمية الاقتصادية، يواجهان قضايا تنموية متشابهة إلى حد كبير، ومنها التأثيرات الاجتماعية لعملية الإصلاح الاقتصادي وتفاوت الدخل بين الأفراد والمناطق والحاجة إلى إعادة النظر في توزيع عوائد التنمية لتكون أكثر عدالة، وتعديل نمط التنمية التقليدي. وقد شرع البلدان في اتخاذ خطوات في هذا الاتجاه، فالصين توجه ثقل تنميتها إلى المناطق الغربية الأقل تنمية وتتخذ إجراءات لحماية الفئات الاجتماعية الضعيفة وتشن حملة ضارية على الفساد لا تستثني أحدا، وأدخلت إصلاحات جوهرية على منظومة العدالة القضائية بكافة درجاتها. ومصر اتخذت إجراءات صعبة ولكنها ضرورية في قضية الدعم الحكومي للوقود والغذاء ودشنت سلسلة من المشروعات الكبرى التي تخدم المناطق التي ظلت محرومة من التنمية لسنوات، ومنها مشروع المثلث الذهبي الذي يستفيد منه صعيد مصر، إضافة إلى مشروع محور تنمية قناة السويس ومشروع تنمية الساحل الشمالي الغربي والمركز اللوجيستي العالمي للحبوب والغلال في ميناء دمياط. هذا إضافة إلى مشروع إنشاء شبكة جديدة من الطرق ستضاعف طول شبكة الطرق الموجودة حاليا، وغيرها من المشروعات التي توفر المزيد من فرص العمل للشباب وتعزز التنمية الاجتماعية للمناطق التي تقام فيها وتجذب المزيد من الاستثمارات الخارجية. ولا شك أن الصين، في ظل استرتيجية “التوجه للخارج” الاستثمارية التي تنتهجها يمكن أن تكون شريكا فاعلا وقويا في هذه المشروعات المصرية. من ناحية أخرى، تواجه الصين ومصر تحديات أمنية تكاد تكون متشابهة، فالبلدان يواجهان أعمالا إرهابية بأساليب تكاد تكون متطابقة، وإن كانت كثافتها في مصر أعلى. هذه التحديات تتطلب من البلدين تعاونا أوثق لتبادل المعلومات والخبرات. وأتصور أن البلدين قد دخلا بالفعل في هذا التعاون، فعندما زار السيد منغ جيان تشو، المبعوث الخاص للرئيس شي جين بينغ، مصر التقى مع وزير الداخلية المصري محمد إبراهيم وبحث معه التعاون الأمني بين البلدين، فمصر لديها خبرة طويلة في مكافحة الإرهاب، بينما تتمتع الصين بقدرة عالية في مجال أمن المعلومات ومكافحة جرائم الإنترنت بكافة أنواعها. كل ذلك يجعلنا نقول إن العلاقات المصرية- الصينية ينبغي أن تتجه نحو المستقبل، مدعومة برصيد ماضيها الكبير ومتطلعة إلى آفاق تعاون أرحب.