ارتفاع سعر السكر اليوم الجمعة 19 أبريل في مصر    إدارة بايدن تمنع مسؤوليها من التعليق على الضربة الإسرائيلية على إيران    الحامل تقدر ترقص للشهر الكام؟ فيفي عبده تكشف مفاجأة (فيديو)    محافظ قنا: بدء استصلاح وزراعة 400 فدان جديد بفول الصويا    «القومي للمرأة» ينظم عرض أزياء لحرفة التلي.. 24 قطعة متنوعة    مصطفى بكري: تعديل وزاري يشمل 15 منصبًا قريبا .. وحركة المحافظين على الأبواب    الأمم المتحدة: تقارير تشير لانتشار الأوبئة والأمراض بين الفلسطينيين في غزة    «التحالف الوطني» بالقليوبية يشارك في المرحلة ال6 من قوافل المساعدات لغزة    استشهاد امرأة فلسطينية إثر قصف طائرات إسرائيلية لرفح    «الجنائية الدولية» تنفي ل«الوطن» صدور مذكرة اعتقال بحق نتنياهو    كيف يعالج جوميز أزمة الظهيرين بالزمالك أمام دريمز بالكونفدرالية ؟    «ليفركوزن» عملاق أوروبي جديد يحلق من بعيد.. لقب تاريخي ورقم قياسي    مرموش يسجل في فوز آينتراخت على أوجسبورج بالدوري الألماني    عاجل.. مفاجأة في تقرير إبراهيم نور الدين لمباراة الأهلي والزمالك    البحث عن مجرم مزق جسد "أحمد" بشبرا الخيمة والنيابة تصرح بدفنه    أحمد فايق يخصص حلقات مراجعة نهائية لطلاب الثانوية العامة (فيديو)    التنمية المحلية: انتهاء كافة الاستعدادات لانطلاق الموجة الأخيرة لإزالة التعديات    تفاصيل اللحظات الأخيرة في حياة صلاح السعدني.. مات على سريره داخل منزله    أسرع طريقة لعمل الشيبسي في المنزل.. إليك سر القرمشة    حصل على بطاقة صفراء ثانية ولم يطرد.. مارتينيز يثير الجدل في موقعه ليل    افتتاح المؤتمر الدولي الثامن للأمانة العامة للصحة النفسية وعلاج الإدمان    محافظة الجيزة: قطع المياه عن منطقة منشية البكاري 6 ساعات    وزارة الهجرة تطلق فيلم "حلقة وصل" في إطار المبادرة الرئاسية "أتكلم عربي"    الحماية المدنية تسيطر على حريق في «مقابر زفتى» ب الغربية    إخماد حريق بمخزن خردة بالبدرشين دون إصابات    ضبط لص الدراجات النارية في الفيوم    الهنود يبدءون التصويت خلال أكبر انتخابات في العالم    مطار مرسى علم الدولي يستقبل 149 رحلة تقل 13 ألف سائح من دول أوروبا    التنسيق الحضاري ينهي أعمال المرحلة الخامسة من مشروع حكاية شارع بمناطق مصر الجديدة ومدينة نصر    مهرجان كان السينمائي يكشف عن ملصق النسخة 77    50 دعاء في يوم الجمعة.. متى تكون الساعة المستجابة    دعاء يوم الجمعة قبل الغروب.. أفضل أيام الأسبوع وأكثرها خير وبركة    11 جامعة مصرية تشارك في المؤتمر العاشر للبحوث الطلابية بكلية تمريض القناة    وزيرا خارجية مصر وجنوب أفريقيا يترأسان أعمال الدورة العاشرة للجنة المشتركة للتعاون بين البلدين    وزير الصحة يتفقد المركز الإفريقي لصحة المرأة ويوجه بتنفيذ تغييرات حفاظًا على التصميم الأثري للمبنى    حماة الوطن يهنئ أهالي أسيوط ب العيد القومي للمحافظة    إسلام الكتاتني: الإخوان واجهت الدولة في ثورة يونيو بتفكير مؤسسي وليس فرديًا    محاكمة عامل يتاجر في النقد الأجنبي بعابدين.. الأحد    مؤتمر أرتيتا: لم يتحدث أحد عن تدوير اللاعبين بعد برايتون.. وسيكون لديك مشكلة إذا تريد حافز    إعادة مشروع السياحة التدريبية بالمركز الأفريقي لصحة المرأة    بالإنفوجراف.. 29 معلومة عن امتحانات الثانوية العامة 2024    "مصريين بلا حدود" تنظم حوارا مجتمعيا لمكافحة التمييز وتعزيز المساواة    العمدة أهلاوي قديم.. الخطيب يحضر جنازة الفنان صلاح السعدني (صورة)    الكنيسة الأرثوذكسية تحيي ذكرى نياحة الأنبا إيساك    نصبت الموازين ونشرت الدواوين.. خطيب المسجد الحرام: عبادة الله حق واجب    انطلاق 10 قوافل دعوية.. وعلماء الأوقاف يؤكدون: الصدق طريق الفائزين    "التعليم": مشروع رأس المال الدائم يؤهل الطلاب كرواد أعمال في المستقبل    القاهرة الإخبارية: تخبط في حكومة نتنياهو بعد الرد الإسرائيلي على إيران    خالد جلال ناعيا صلاح السعدني: حفر اسمه في تاريخ الفن المصري    الصحة الفلسطينية: الاحتلال ارتكب 4 مجازر في غزة راح ضحيتها 42 شهيدا و63 مصابا    4 أبراج ما بتعرفش الفشل في الشغل.. الحمل جريء وطموح والقوس مغامر    طريقة تحضير بخاخ الجيوب الأنفية في المنزل    استشهاد شاب فلسطيني وإصابة اثنين بالرصاص خلال عدوان الاحتلال المستمر على مخيم "نور شمس" شمال الضفة    ضبط 14799 مخالفة مرورية متنوعة خلال 24 ساعة    اقتصادية قناة السويس تشارك ب "مؤتمر التعاون والتبادل بين مصر والصين (تشيجيانج)"    تعرف على موعد إجازة شم النسيم 2024 وعدد الإجازات المتبقية للمدارس في إبريل ومايو    ألونسو: مواجهة ريال مدريد وبايرن ميونخ ستكون مثيرة    دعاء السفر كتابة: اللّهُمّ إِنّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ وَعْثَاءِ السّفَرِ    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أستاذى حامد عمار
نشر في الأهرام اليومي يوم 21 - 12 - 2014

كان فى السادسة والثلاثين من عمره الحافل المجيد - الذى امتد حتى الثالثة والتسعين - حين التقيت به لأول مرة فى المدرج الرئيس لكلية التربية بجامعة عين شمس فى مبناها القديم بحى المنيرة، طالبًا يتلقى عنه علم أصول التربية فى عام 1957، وكان الالتحاق بكلية التربية بعد التخرج فى كلية دار العلوم بجامعة القاهرة شرطا ضروريا للتعيين مدرسًا للغة العربية.
ولفت انتباهنا واهتمامنا من اللحظة الأولى علمه الغزير فى تخصصه ومعرفته الموسوعية التى تتكئ على وعيه بعلوم التربية والتاريخ والاجتماع، بالإضافة إلى تواضعه الجم وبساطته المذهلة وحرصه على إشعارنا بأنه زميل لنا - نحن طلابه - فى رحلة البحث عن المعرفة، وأنه يطوّر نفسه بالحوار معنا، والإنصات العميق لما نثيره من قضايا ومداخلات. ولم يكن يكتفى بالمحاضرات الجامعية المقررة، بل كان يصحبنا فى رحلات شهرية إلى المركز الدولى لتنمية المجتمع فى العالم العربى بسرس الليان، وقد كان رئيسًا لقسم التدريب فيه بين عاميْ 1955 و 1968. بالإضافة إلى عمله الأكاديمى أستاذًا رائدًا بعد حصوله على ليسانس الآداب من جامعة القاهرة، قسم التاريخ عام 1941، ودبلومة التربية من معهد التربية للمعلمين عام 1942 والماجستير فى التاريخ من جامعة القاهرة عام 1945 ودبلوم المعلمين من معهد التربية بجامعة لندن عام 1947 والماجستير فى التربية من معهد التربية. بجامعة لندن عام 1949 والدكتوراه فى اجتماعيات التربية من معهد التربية بجامعة لندن عام 1952، وبالإضافة - أيضًا - إلى رئاسته لقسم الدراسات التربوية بمعهد البحوث والدراسات العربية، بالمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم منذ عام 2003 حتى رحيله عنا فى الأسبوع الماضي.
وعلى مدار حياته الحافلة والثرية كانت له إسهاماته وجهوده الدائبة فى تأسيس المركز الدولى للتربية الأساسية الذى تحوّل إلى تنمية المجتمع، ثم محو الأمية وتعليم الكبار منذ عام 1952 حتى 1986 وتأسيس معهد الخدمة الاجتماعية بالأردن وبرامج مكتب اليونيسيف الإقليمى فى أبو ظبى وتأسيس مركز التدريب على العمل الاجتماعى فى سلطنة عمان وفى الأردن، والإسهام فى وثيقة إنشاء الصندوق العربى للعمل الاجتماعى التابع للمجلس القومى للطفولة والأمومة وإنشاء قسم الدراسات التربوية فى معهد الدراسات والبحوث العربية التابع للمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، وأخيرًا فى موقعه مستشارًا للدار المصرية اللبنانية.
هذا العالم المتفرد، شيخ التربويين المصريين والعرب، تلخصت حياته العلمية والإنسانية فى قضية واحدة هى قضية التعليم، أعطاها عمره وجهده واهتماماته ومشاركاته - فى مصر وعلى اتساع الوطن العربى - من أجل أن يكون لدينا تعليم يليق بهذا الوطن، ويكون أساسًا لنهضته وتقدمه وتبوّئه لمكانته بين الأمم. وكان أشد ما يؤلمه ويثير غضبه وحزنه - معًا - رؤيته - عن كثب - للواقع المتردى فى التعليم، فى كل جوانب العملية التعليمية ومفرداتها.
وربما كانت آراؤه العميقة المخلصة، التى أطلقها فى العديد من مقالاته ودراساته وأبحاثه ومؤلفاته، وراء استبعاده طويلاً عن موقع المسئولية عن هذا التعليم، وتكليف عديمى الخبرة والمعرفة وشطار الزلفى والتملق ومجيدى التسلق والمداهنة لدى كثير من هؤلاء الذين أكثروا من إقامة المؤتمرات والملتقيات بدعوى إصلاح حال التعليم وإحداث نهضة فيه تكون مفتاحًا لنهضة قومية، ثم يتمخض هذا كله عن صخب وقتى لا يغنى ولا يفيد، ويبقى الحال على ما هو عليه، بل ينحدر من عام إلى عام. وكثيرًا ما كنت أتلفت حولى وأبحث عن اسْم حامد عمار بين منظومة هؤلاء المختارين المحظوظين، وفى قوائم الحكومات المتتابعة. لكن عصور الفساد والتراجع والتخلف لم تكن لتسمح لمثله بأن يعتلى قمة المسئولية عن هذا التعليم، الذى شخّص أعراض مرضه ومختلف سلبياته، ورسم منهج استنقاذه وسبل إحيائه وإطلاق إمكاناته.
فى استعراضه لسيرته الذاتية فى آخر كتبه: «خطى اجتزناها». الذى جعل له عنوانًا فرعيًّا هو: «من الفقر والمصادفة إلى حرم الجامعة»، لم يخجل حامد عمار من ذكر اضطراره منذ صباه إلى تقديم شهادة فقر كل عام مع شهادة التفوق الدراسى للحصول على مجانية التعليم، ومدى ما كان يشعر به من ذل ومهانة، وهو الأمر الذى جعله يسعى إلى تسجيل أولى رسائله الجامعية عن «عدم تكافؤ فرص التعليم فى مصر». كما جعله فى مقدمة المدافعين عن مجانية التعليم - حين نادى البعض بإلغائها من أجل إصلاح التعليم - فكتب تحت عنوان «اغتصاب مجانية التعليم» مؤكدًا عددًا من المبادئ الإنسانية، منها أن التعليم بمختلف مراحله حق من حقوق الإنسان، وهذا الحق هو حق للجميع دون تمييز فى العرق أو النوع أو المعتقد الدينى أو السياسى أو الوضع الاقتصادي.
وحين أعود إلى العام الدراسى الذى حظيت فيه بالتلمذة عليه فى كلية التربية، أسترجع عطر ذلك الزمن البعيد الذى كان فيه المعلم - على مستوى المدرسة أو الجامعة - صاحب رسالة ومنشئ عقول وصانع أجيال، وأتذكر كيف كان يكلفنا بأبحاث ميدانية عن الشخصية المصرية والنمط الحضارى لهذه الشخصية بعد أن درَّس لنا نموذج الشخصية الأثينية - نسبة إلى أثينا - الذى ارتبط بالعقل والحكمة و التأمل، فى مقابل نموذج الشخصية الإسبرطية - نسبة إلى إسبرطة - الذى ارتبط بالحرب والقتال والتكوين العسكري. وكم كان سعيدًا وهو يتأمل ما خرج به طلابه من بحوثهم عن الشخصية المصرية وقد اتخذوا لها نموذجًا هو «الفهلوي» والكلمة من أصل فارسي، لكنها شاعت فى المجتمع دلالة على النصب والاحتيال واستخدام الذكاء - أو الفهلوة - فى الالتفاف على العقبات والتحديات وتحقيق الهدف مهما كان الأمر. ومن يومها، وكلمة «الفهلوي» ومعها «الفهلوة» تشيع فى الدراسات الاجتماعية - والتربوية منها بشكل خاص- فى مجال التوصيف الدقيق للشخصية المصرية فى الخمسينيات والستينيات والسبعينيات من القرن الماضي.
رحل حامد عمار. لكن هذا العقل الفريد المهموم بقضايا التعليم فى مصر، وهذا الوجدان الرحب المفعم بالقيم القومية والإنسانية، وهذا الالتزام الصارم بمناهج البحث العلمى - ومن بينها الفكر التحليلى النقدى - وهذا الانفتاح المستمر على تجارب العالم من حولنا وخبراته وإضافاته: كل ذلك يبقى ميراثا حيًّا فى تشكيل الضمير المصرى المعاصر، والتجديد التربوى للثقافة، والتوظيف الاجتماعى للتعليم، وتكامل المعرفة وتنمية رأس المال البشرى واستراتيجية تطوير أوضاع المرأة - فى المجتمعات العربية - والتنمية الشاملة، وقضايا الطفولة والأمومة فى مصر.
ولقد سعدت غاية السعادة، وأنا أقلب الآن فى عديد المصادر عن أستاذى حامد عمار، أن أجد على الشبكة الدولية اهتمامًا بسيرة حامد عمار وأعماله وآثاره، وهى تضيء كثيرًا من فقرات هذا المقال، فشكرًا لمن حرّر هذه المادة التى أنصفت حامد عمار، وردّت إليه اعتباره فى مجال الريادة والعبقرية، وصُنْع أجيال متتابعة من تلاميذه ومريديه، ومُتّخذيه قُدوةً وأبا روحيًّا فريدًا، لن ينسوه أبدًا.
لمزيد من مقالات فاروق شوشة


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.