في 5 بنوك.. سعر الريال السعودي مقابل الجنيه بأول أسبوع بعد إجازة العيد    ارتفاع أسعار الدواجن اليوم الجمعة في الأسواق (موقع رسمي)    الإسكان: 900 حملة لمنظومة الضبطية القضائية للتأكد من المستفيدين لوحداتهم السكنية    أوكرانيا: ارتفاع قتلى الجيش الروسي ل457830 جنديا منذ بدء الحرب    مسؤول إسرائيلي: الهجوم داخل إيران رسالة عن قدرات تل أبيب على ضرب عمق البلاد    "18 لاعبا".. شوبير يكشف أسماء مصابي منتخب مصر والعائدين منهم قبل تصفيات كأس العالم    "الزمالك مش أول مرة يكسب الأهلي".. إبراهيم سعيد يهاجم عمرو الجنايني    جنوب سيناء تتعرض لرياح شديدة محملة بالرمال- صور    بسبب سرعة الرياح.. وقف رحلات البالون الطائر في الأقصر    ميرنا نور الدين تخطف الأنظار بفستان قصير.. والجمهور يغازلها (صورة)    مراسلة «القاهرة الإخبارية» بالقدس: الضربة الإسرائيلية لإيران حملت رسائل سياسية    تعديلات على قانون المالية من نواب الحزب الديمقراطي    «القابضة للمياه» تطلق حملات توعية للمواطنين لترشيد الاستهلاك بالشرقية    ألونسو: مواجهة ريال مدريد وبايرن ميونخ ستكون مثيرة    مساجد شمال سيناء تتحدث عن منزلة التاجر الصدوق    المشاط: أكثر من 900 مليون دولار تمويلات تنموية ميسرة لدعم منظومة التأمين الصحي الشامل    "التعليم": "مشروع رأس المال" بمدارس التعليم الفني يستهدف إكساب الطلاب الجدارات المطلوبة بسوق العمل    أزمة نفسية.. تفاصيل إنهاء فتاة حياتها بحبة الغلة في أوسيم    إصابة جنديين إسرائيليين بجروح جراء اشتباكات مع فلسطينيين في طولكرم بالضفة الغربية    إيرادات قوية ل فيلم فاصل من اللحظات اللذيذة (مفاجأة)    مخرج «العتاولة» عن مصطفي أبوسريع :«كوميديان مهم والناس بتغني المال الحلال من أول رمضان»    طلب إحاطة لوزير الصحة بشأن استمرار نقص أدوية الأمراض المزمنة ولبن الأطفال    وزير المالية يعرض بيان الموازنة العامة الجديدة لعام 2024 /2025 أمام «النواب» الإثنين المقبل    انخفاض الأسهم الأوروبية مع تراجع أداء قطاعي البناء والصناعة    «التوعوية بأهمية تقنيات الذكاء الاصطناعي لذوي الهمم».. أبرز توصيات مؤتمر "تربية قناة السويس"    توقعات الأبراج اليوم الجمعة 19 أبريل 2024.. «الدلو» يشعر بصحة جيدة وخسائر مادية تنتظر «السرطان»    جدول مباريات اليوم.. ظهور مرموش.. افتتاح دوري "BAL" السلة.. ولقاء في الدوري المصري    أمريكا تعرب مجددا عن قلقها إزاء هجوم إسرائيلي محتمل على رفح    «العشرية الإصلاحية» وثوابت الدولة المصرية    بسبب ال«VAR»| الأهلي يخاطب «كاف» قبل مواجهة مازيمبي    الدولار على موعد مع التراجع    أخبار الأهلي : موقف مفاجئ من كولر مع موديست قبل مباراة الأهلي ومازيمبي    أحمد كريمة: مفيش حاجة اسمها دار إسلام وكفر.. البشرية جمعاء تأمن بأمن الله    طلب عاجل من ريال مدريد لرابطة الليجا    مخرج «العتاولة»: الجزء الثاني من المسلسل سيكون أقوى بكتير    شريحة منع الحمل: الوسيلة الفعالة للتنظيم الأسري وصحة المرأة    فاروق جويدة يحذر من «فوضى الفتاوى» وينتقد توزيع الجنة والنار: ليست اختصاص البشر    مسؤول أمريكي: إسرائيل شنت ضربات جوية داخل إيران | فيديو    منهم شم النسيم وعيد العمال.. 13 يوم إجازة مدفوعة الأجر في مايو 2024 للموظفين (تفاصيل)    محمود عاشور يفتح النار على رئيس لجنة الحكام.. ويكشف كواليس إيقافه    #شاطئ_غزة يتصدر على (اكس) .. ومغردون: فرحة فلسطينية بدير البلح وحسرة صهيونية في "زيكيم"    انهيار منزل من طابقين بالطوب اللبن بقنا    تعديل ترتيب الأب.. محامية بالنقض تكشف مقترحات تعديلات قانون الرؤية الجديد    والد شاب يعاني من ضمور عضلات يناشد وزير الصحة علاج نجله (فيديو)    الإفتاء تحسم الجدل بشأن الاحتفال ب شم النسيم    الجامعة العربية توصي مجلس الأمن بالاعتراف بمجلس الأمن وضمها لعضوية المنظمة الدولية    أحمد الطاهري يروي كواليس لقاءه مع عبد الله كمال في مؤسسة روز اليوسف    سكرتير المنيا يشارك في مراسم تجليس الأنبا توماس أسقفا لدير البهنسا ببني مزار    بسبب معاكسة شقيقته.. المشدد 10 سنوات لمتهم شرع في قتل آخر بالمرج    دعاء السفر كتابة: اللّهُمّ إِنّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ وَعْثَاءِ السّفَرِ    دعاء للمريض في ساعة استجابة يوم الجمعة.. من أفضل الأوقات    جريمة ثاني أيام العيد.. حكاية مقتل بائع كبدة بسبب 10 جنيهات في السلام    إصابة 4 أشخاص فى انقلاب سيارة على الطريق الإقليمى بالمنوفية    وزير الخارجية الأسبق يكشف عن نقاط مهمة لحل القضية الفلسطينية    دعاء الضيق: بوابة الصبر والأمل في أوقات الاختناق    شعبة الخضر والفاكهة: إتاحة المنتجات بالأسواق ساهمت في تخفيض الأسعار    أخبار 24 ساعة.. مساعد وزير التموين: الفترة القادمة ستشهد استقرارا فى الأسعار    فحص 1332 مواطنا في قافلة طبية بقرية أبو سعادة الكبرى بدمياط    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حين تحقق حلم الحاكم العادل
نشر في الأهرام اليومي يوم 21 - 12 - 2014

بعد نشوب أول ثورة اجتماعية وسقوط أول دولة قومية- فى تاريخ مصر والإنسانية- كانت غضبة وحكمة وكلمة مفكرى مصر هى ما مهد لأن تشهد ميلاد فجر الضمير وأن تشرق شمس العدالة عليها مجددا، وأن تتحرر من نكبتها التاريخية الأولي. وكان هذا حين تحقق حُلم المُخَلِّص المُنَتَظر، أو الحاكم العادل الوطني، الذى أعاد بناء الدولة بقيادة الاصلاح الداخلى وطرد الغزاة الأجانب، والأهم؛ حين وجدت المثل العليا للعدالة سبيلها الى الحكومة والى كل طبقات الشعب.
والأمر- كما أوجز عن عالم المصريات الأمريكى المُدقِق والمُنصِف جيمس هنرى بريستد فى كتابه البحثى الرائد والفريد فجر الضمير- أن تيار تشاؤم ويأس مفكرى عصر النكبة قوبل بتيار مضاد ومعاصر له يحلم بالمثل العليا الاجتماعية، ويتوق لحاكم يحمى أهل بلده ويسحق الأشرار، ويدعو للعدالة الاجتماعية وسيادة القانون، قبل أكثر من أربعة آلاف سنة!! ومن مفكرين وحكماء اجتماعيين احتفظوا بتفاؤلهم، جاءت تحذيرات إيبور ونبوءات نفرر وصيحة الفلاح الفصيح أمثلة رائعة لهذه الدعوة، وكانت كتاباتهم هى أسلحة أقدم جماعة إنسانية قامت بالجهاد فى سبيل إصلاح النظام الإدارى والأخلاقى والاجتماعي!!
وكان إيبور، بين الحكماء الذين تأثروا تأثرا عميقا بالكارثة التى أحاقت بمصر، فتطلعوا الى ظهور الملك العادل, ونقرأ فى برديته: إن العدالة موجودة فى البلاد اسما فقط, وما يلقاه الناس حينما يلتجئون إليها هو العسف.. ليتنى رفعت صوتى فى ذلك الوقت.. الويل لى لأن البؤس عم فى هذا الزمان!! ويوازن بين الحاكم العادل والحكم الغاشم الذى كانت البلاد ترزح تحته فى عصره، فيقول: إنه يطفئ لهيب الحريق الاجتماعي، ويقال عنه إنه راعى كل الناس، ولا يحمل فى قلبه شرا!! وكان الأمل فى ظهور المُخَلِّص المُنَتَظر محققاً عنده، كما يدل قوله: "أين هو اليوم، هل هو بطريق المصادفة نائم؟ انظر إن بأسه لا يري"!!
ونجد الحكيم نِفرر، يصف البؤس والظلم الاجتماعى والخراب الاقتصادي، وعواقب تعطيل أعمال الرى العظيمة العامة وغياب التحوط للسنوات العجاف واغتصاب الأجانب لثروة الوطن، فيقول: أنصت يا قلبى وانعَ تلك الأرض التى فيها نشأت.. لقد أصبحت هذه البلاد خراباً، فلا من يهتم بها، ولا من يتكلم عنها، ولا من يذرف الدمع.. لقد أصبح نيل مصر جافاً؛ فيمكن للإنسان أن يخوضه بالقدم!! وصارت الحبوب شحيحة، وفى حين صار المكيال كبيراً وتكال الحبوب (للضرائب) حتى يطفح الكيل!! وقد نقصت الأرض وتضاعف حكامها، وظهر الأعداء فى مصر.. وصارت أملاك الرجل تغتصب منه وتعطى للأجنبي.. وصار المالك فى حاجة والأجنبى فى غني!!
وكانت فى ذهن الحكيم نِفرر شخصية الملك المنتظر، الذى سيخلص مصر مما حاق بها، وسيكون فاتحة العصر الجديد المرتقب، لأنه لم يتردد فى ذكر اسمه: إذ يقول: سيأتى ملك من الجنوب اسمه أميني، وهو ابن امرأة نوبية الأصل، وقد ولد فى الوجه القبلي، وسيتسلم التاج الأبيض، ويلبس التاج الأحمر، فيوحد التاج المزدوج، سينشر السلام فى الأرضين (مصر) على النحو الذى يحبه أهلها.. وستعود العدالة (ماعت) إلى مكانها، ويُنفَى الظلم من الأرض.. وسيَفرح أهلُ زمانه، وسيجعل أبن الإنسان اسمه باقياً أبد الآبدين. وأما الذين تآمروا على الشر ودبروا الفتنة فقد أطبقوا أفواههم خوفاً منه، والآسيويون سيقتلون بسيفه، والليبيون سيحرقون بلهيبه، والثوار سيستسلمون لنصائحه، والعصاة سيخضعون لبطشه..
واسم أميني، الذى استعمله نفرر اختصار للاسم الكامل أمنمحات، المؤسس العظيم للأسرة الثانية عشرة، والمصلح الذى أعاد توطيد سلطان مصر فى الدولة الوسطى حوالى سنة 2000 ق. م، وقد ذكر عنه فى نقش تاريخى بعد عصره بأجيال: أنه قد محا الظلم لأنه أحب العدل كثيراً!! وأما إعلان نفرر فيشمل قيام أمينى بعملين للشعب البائس فى مصر؛ وهما: أولاً، القضاء على المغيرين وأخذ العدة لدفع الغارات المقبلة، وثانياً، إصلاح النظام الداخلي. وقد كان أمنمحات بالفعل من كبار الإداريين فى العالم القديم، وكان نجاحه فى إعادة توحيد البلاد وإرجاع مجدها متوقعاً فى ضوء نجاحه حاكما لمقاطعة فى مصر العليا.
وقد استطاع أمنمحات بفطنة عظيمة أن يعيد نظام ماعت القديم بقدر ما سمحت له الأحوال، حيث حتمت الظروف عليه أن يتخذ أعوانه وموظفيه فى إدارة شئون الأمة من الرجال الذين ترعرعوا وشبوا فى عهد الانحطاط والفوضى والفساد، اللذين هوى إلى حضيضهما الشعب المصرى خلال أجيال بل قرون. وقد كانت آمال الذين ينتظرون ظهور المخلص مؤسسة على ظهور ملك عادل، فى حين أن آخرين، ممن امتازوا بالآراء العملية، وكانوا يريدون تغيير نظام المجتمع، أدركوا وبحق أن الملك العادل، قد يعجز عن أداء رسالته بدون مساعدة جيل جديد من الموظفين يتسمون بالكفاية والأمانة، تقوم على أكتافهم عملية بناء عصر جديد؛ تسوده العدالة الاجتماعية، وكان هذا هو المغزى العميق لقصة أو صيحة الفلاح الفصيح.
وفى خطاب يرجع الى الدولة الحديثة بعد قرون، نجد الدليل على أن روح العدالة الاجتماعية قد وصلت الى العرش ثم الحكومة، فنجد الملك يقول لوزيره: تبصر فى وظيفة الوزير الأعظم.. إنها الركن الركين لكل البلاد.. واعلم أن الوزارة ليست حُلوة المذاق، بل إنها مُرّة.. وليس الغرض منها أن يتخذ الوزير لنفسه عبيداً من الشعب.. واعلم أنك ستحقق الغرض من منصبك إذا جعلت العدل رائدك فى عملك.. فلا تتوانَ قط فى إقامة العدل.. وعليك أن تطمئن إلى أن كل شيء يجرى وفق القانون.. واعلم أنه جدير بالملك ألا يميل إلى المستكبِر أكثر من المستضعَف، وأن الخوف من الأمير يأتى من إقامته العدل!!
وأختم باستنتاج بريستد العظيم: لقد صار الضمير قوة اجتماعية ذات تأثير عظيم فى الحياة الاجتماعية لأول مرة فى التاريخ البشري، وجاء عصر الضمير الاجتماعي، الذى بحلوله بزغ عصر الأخلاق.
لمزيد من مقالات د. طه عبد العليم


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.