لم يستطع أي إنسان لم يخض تجربة الفقد لعزيز لديه أن يتصور شعور الأم المكلومة حين تفقد طفلها بين الجموع، تلك اللحظات الأولي مابين لحظة الفقد واللحظة التي تتأكد فيها أنها لن تراه بعد الآن.. مرحلة عدم التصديق، والتشويش الضاغط علي خلايا مخها.. ذلك الشعور الذي يكاد يقتل هذه الأم، وتتمني حينها لو أنها تعرف هل خُطف ابنها أم أنه يتجول قريباً منها وسيعود لأحضانها بعد قليل، وأنها كانت تبالغ في قلقها. تواري طفل ذو العشرة أعوام عن الأنظار من أمام منزله بمدينة السلام بالقاهرة، بعدما قاده حظه وساقته أقداره للوقوع بين يديّ أناس كل همهم الحصول علي المال، فقاموا باستدراج المجني عليه الطفل ذى ال10 سنوات وخطفوه، وتوجهوا به داخل سيارة تابعة لهم طمعا في ثراء والده، الذي كان يمتلك أحد مراكز الصيانة الخاصة بالسيارات، غير عابئين بشعور والدي الطفل، ولا بشعور الطفل ذاته بعد أن حرموه من أحضان أبويه وحنانهما، بل وأفقدوه الأمن والأمان، وتركوه في شقة تابعة لهم لمدة 3 أيام ولم يرحموا طفولته، ولم تلن قلوبهم لتوسلاته، وبكائه المتواصل كي يعوده لأحضان أبويه. رفض الطفل المختطف أن يتناول أي طعام طيلة الأيام الثلاثة، ولم يكف عن البكاء خلالها لحظة واحدة، ولسانه لم يردد سوي"عايز أشوف بابا وماما".. "ماما زمانها بتعيط علشاني"..ظل يردد تلك العبارات ولم يعلم حينها مصيره المجهول هل سيرد سالما لبيته أم سينتهي أجله علي أيدي هؤلاء المجرمين في أي لحظة؟. تمنت الأم المكلومة في تلك اللحظة لو أنها تتجاوز هذه اللحظات المريرة لتعرف هل فقدت ابنها الوحيد الذي لم تنجب غيره أم لا؟، كي تعطي اللحظة حقها من الاهتمام وتعرف كيف تتصرف بحسب خطورة الوضع، في الوقت الذي تمنت فيه أن يذهب تفكيرها إلي أن ابنها قد "تاه" في الطرقات وربما يعثر عليه "أولاد الحلال" وسيردونه لأحضانها ثانية، لكن ظل عقلها رافضا أن يتوقع سيناريو أن يكون ابنها قد خطفته عصابة مقابل الحصول علي أموال، لكن سرعان ماكان يرتد فكرها الحائر مرات أخري ليغوص في براثن الرعب فيما لا تتمني حدوثه وهو أن يكون قد أصاب ابنها مكروها ربما لم تستطع بعده أن تراه مرة أخري أمام عينيها. ظل الغموض الذي أحاط بظروف اختفاء الطفل الصغير من أمام منزله، عائقا صعب علي والد الطفل أن يتهم شخصا بعينه باختطاف نجله، كما صعب مهمة الأجهزة الأمنية في العثور عليه، حتي ظهر الخيط الأول للوصول للجناة بعد أن ورد إلي والد الطفل المختطف اتصال تليفونى من مجهول أفاد خلاله بأنه اختطف الطفل وطلب فدية مليون جنيه مقابل إطلاق سراح الطفل وإعادته لمنزله في وقت لاحق. وعلي الفور أبلغ والد الطفل مباحث القاهرة برقم المتصل وبقيمة الفدية كي يتم تتبع الجناة وضبطهم، حينها استشعر والد ووالدة الطفل المكلومين أن هناك بارقة أمل ممزوجة بالخوف والرعب قد تصحب معها صغيرهم الوحيد، الذي تغيب عنهما ثلاثة أيام لم يذقا خلالها طعم النوم ولا الراحة، إلي أحضانهما أو لمصير غير معلوم. كثف رجال المباحث جهودهم برئاسه العميد عبد العزيز خضر رئيس مباحث قطاع شرق القاهره لضبط الجناة وإعادة الطفل لوالديه، وتمكنوا من الوصول إلي مدبر ومنفذ عملية اختطاف الطفل، وتم تحديد مكان الطفل المختطف وتمكن العقيد محمحد فتحي مفتش مباحث فرقه السلام والمقدم محمد راسخ رئيس مباحث السلام من ضبط الجاني، وكانت الطامة الكبري عندما حضر والد الطفل إلي قسم شرطة مدينة السلام، ليكتشف أن من قام باختطاف فلذة كبده ونجله الوحيد ليس زعيم عصابة، ولا مسجل خطر، بل هو صديق العمر والذي يعمل في مجال السيارات ويمتلك محلا لقطع غيار السيارات بمنطقة بولاق الدكرور، واعترف بأنه اشترك مع شقيقه في خطف نجل صديقه لمروره بضائقة مالية فاضطر للجوء لهذه الحيلة مقابل الحصول علي مليون جنيه كفدية، دون مراعاة العشرة و"العيش والملح". اختلطت مشاعر الأم وبدت منهارة تماماً، عندما رأت ابنها بعد اختطافه ثلاثة أيام، وهي تتفحص جسد طفلها، وملامح وجهه ورأسه، وهي غير مصدقة أنه لازال علي قيد الحياة، وأنه بين يديها مرة أخري ولم يصبه مكروها فيما يحاول أقاربهم تهدئة الأم التي أخذت تضم ابنها وتبكي بكاءً هيستيريا لم تصدق أن ابنها عاد إليها مرة أخري.بينما ارتمي الطفل البري بين احضان امه ليستدفي بانفاسها وينعم بامانها الذي سلبه منه صديق والده ثلاثه ايام مرت عليه كالدهر. علمونا في الصغر أن الثراء لا يقاس بالمال وإنما يقاس بالأصدقاء، لكن ربما لم يحذرونا من أن صديق اليوم من الممكن أن يصبح عدو الغد، وأن الطمع سيجلب لنا أصدقاء المصلحة وحينها تدور علينا الدوائر.. تلك الواقعة تدق ناقوس الخطر وتذكرنا أن هناك العشرات من الأطفال المختطفين ولم يعلم آباؤهم عنهم شيئا لشهور بل ولسنوات ومازالوا يبحثون عنهم ولم يفقدوا الأمل في العثور عليهم بأي مقابل ولن تطويهم صفحات النسيان.