كان يوما حزينا حينما اختطفت يد الغدر والاهمال الطفلة البريئة التلميذة بالمرحلة الاعدادية ليتواري جسدها البريء خلف الثري نتيجة للفوضي واللامبالاة تلطخت "مريلتها" المدرسية بغيث دمائها الطاهرة، وتناثرت احلامها الوردية علي دروب رحيل الضمير وانطفأ آخر شعاع لشمس حياتها علي كراستها ودفاترها المدرسية، و تبعثرت أقلامها وتكسرت ، و تناثرت محتويات حقيبتها علي الأرض ، عندما ضلت الرحمة الطريق الي قلب السائق المتهور، وفي غفلة من ضميره وبقلب أقسي من الحجر لم يرحم جسدها النحيل وطفولتها الغضة ودهس الجرار " حنين " ابنة الثالثة عشرة والتلميذة في الصف الأول الإعدادي بلا اكتراث أو رحمة ، صدمها ورماها علي الرصيف، ثم مرر عجلاته علي صدرها ليتأكد أنها أصبحت جثة هامدة ، وبدلا من توجه البنت إلي مقر الدرس مع زميلاتها لطلب العلم ذهبت إلي المشرحة، ثم القبر في مشهد جلل وعصيب هز قرية الوسطاني التابعة لمركز كفر سعد بمحافظة دمياط، وجعلها تعيش مأتما كبيرا 0 حملت الصغيرة حقيبتها المدرسية المكدسة بالكراسات والكتب والاقلام ،وبداخلها املها للقاء المعلم لتسأله عن كل ماتعثرت فيه اثناء حل واجباته، وقادها حظها العثر الي السير في موقف القرية الرئيسي الذي تحول إلي غابة من التكاتك والموتيسكلات في محاولة منها لتقصير الطريق اعتقادا منها أنه آمن، لكن قدرا مشئوما كان في انتظارها حيث كان سائق متهور يقود الجرار بسرعة غير مبررة في مكان مزدحم ، وقال شهود العيان إن الأهالي أوسعوا السائق ضربا قبل أن يهرب منهم ، حيث انشغلوا بمحاولة إنقاذ حياة " حنين "عن ملاحقته حتي أمسكت به الشرطة، وتم تجديد حبسه في النيابة وسط مخاوف من أن يفلت من يد العدالة . الحادثة هزت قرية الوسطاني كلها ،وكان تشييع جثمان " حنين " حدثا جللا امتزجت فيه الدعوات بالرحمة للملاك الصغير باللعنات علي قاتلها ، وفي مدرسة الوسطاني الجديدة للتعليم الأساسي حيث تدرس " حنين " لم تصدق زميلاتها ومعلموها وإدارة المدرسة ما حدث ، وأصيبت الفتيات خاصة القريبات منها بحالة من الهلع والرعب، وتجمعت الطالبات في فصل أولي ثالث، والتفوا حول مقعدها ليصابوا بنوبة بكاء هستيري ، وهن ينادين علي زميلاتهن الراحلة بأعلي أصواتهن ورفضن ان يجلس احد مكانها، ووضعوا صورتها علي مقعدها ،بينما تغطت حوائط الفصل بصورها ،ولم تتوقف اصوات صراخهن إلا بعد أن جمعهم مدير المدرسة أسامة الباز، وألقي فيهم خطبة عن الإيمان بالقضاء والقدر وفضائل الصبر ، ثم تجمع طلاب وطالبات المدرسة مع إدارتها ومعلميها وذهبوا في طابور منظم إلي منزل " حنين " لتقديم واجب العزاء ومواساة أهلها . ويؤكد حازم مختار نائب مدير مدرسة الوسطاني أن " حنين " طالبة مثالية ومهذبة ومتفوقة دائما وحصلت علي العديد من شهادات التقدير، وهي مكافحة، وتحاول التغلب علي كل الظروف الاجتماعية الصعبة المحيطة بها بشجاعة وإصرار ، مشيرا إلي أن طالبات المدرسة يسعون مع الإدارة لعمل لافتة لتخليد " حنين " والتذكير بها كفتاة مجتهدة راحت ضحية الإهمال والغدر . ويطالب مدير المدرسة ونائبه بحل مشكلة تكدس آليات النقل والتكاتك والجرارات علي موقف القرية، وإعادة تنظيم السير فيه لمنع الكوارث . وفي منزل " حنين " كانت رائحة الموت تكسو المكان ، صمت مطبق وصدمة لاتوصف، ووجوم من كل أهل والدتها حيث تعيش هي وشقيقها حامد الأكبر منها بعام تقريبا ، ويبدو أن " حنين " ماتت مرة في السابق قبل أن تموت حيث انفصل والداها عندما كانت جنينا في بطن أمها، وفتحت عيناها علي قسوة الأيام، وغياب الأب الذي تزوج بأخري، بينما فضلت والدتها التي لا يزيد عمرها علي 29 عاما أن تهب حياتها لتربية بنتها وابنها ، وتصرخ الام الثكلي من قلبها علي زهرة شبابها وعمرها، وتقول ابنتي كانت ملائكية الاوصاف، في عينيها لمعة، وفي قلبها براءة، وعمر الزهور في ليونة قدها ،وريح عطره تعوي في انفاسها . وتقول والدتها المكلومة: إن حنين في هذا اليوم الأسود كان إيقاعها غريبا، فقد شكت من آلام في حنجرتها وتحدثت معي عن بطة صغيرة جميلة تحبها وراحت تشدو بلحن حاولت ان تعلمه لي، لكني لم أفهم فحواه، ولم يدر بخلدي انها تستعد للارتحال، وان سائقا أحمق سوف يغتال بيديه احلامها ، وتركت لي رسالة صوتية علي هاتفي المحمول توصيني بأن أتزوج لأن هذا حقي، وتضيف الام الثكلي ان حنين رفضت تناول الغداء قبل وصول أخيها، وكانت جائعة جدا ،لكنها لم تأكل إلا قليلا، ثم أسرعت إلي قدرها، ولم تعد إلي البيت ولن تعود إليه أبدا.