صناعة السياحة فى مصر.. لم تعد تحتمل التجارب والتأرجح بين الفشل والنجاح.. فقد آن الأوان لأم الدنيا أن تحتل مكانتها الطبيعية على خريطة السياحة العالمية لما تتمتع به من مقومات طبيعية تحسدنا عليها الدول المنافسة.. ولن يتحقق ذلك إلا بالتخلى عن الفهلوة والأعتماد فقط على علوم التسويق والتنشيط السياحى الذى تحكمه آليات وادوات عديدة إستخدمتها دول كانت بالأمس القريب فى مؤخرة قائمة الدول السياحية فسبقتنا وتفوقت علينا ..وأقرب مثال على ذلك تركيا التى لا يتعدى موسمها السياحى أربعة أشهر ومع ذلك إستطاعت أن تجذب من السوق الألمانية فقط نحو 7 ملايين سائح..فى حين أن مصر حصلت فى أعظم سنواتها السياحية فى 2010 على 1.2 مليون سائح المانى. فى ضوء تلك الحقائق يكتسب حوارى مع الدكتور سعيد البطوطى أستاذ الاقتصاد الأخضر وإقتصاديات السياحة والتسويق السياحى فى جامعة فرانكفورت بألمانيا وعضو اللجنة الاقتصادية الأوروبية.. أهمية خاصة باعتباره خبيرا دوليا متخصص فى مجال التسويق السياحى وبحكم عمله يقييم باستمرار تجارب الدول المختلفة للتسويق لمقاصدها السياحية وفى نفس الوقت يلعب دور المراقب لجهود مكتبنا السياحى فى المانيا باعتباره مواطنا مصريا يعيش بالمانيا. وبداية يؤكد أنه على الرغم من أهمية السوق الألمانية إلا أن الخطط التسويقية التى تم وضعها للسوق الألمانى ويقوم على تنفيذها مكتبنا السياحى ببرلين لم تحقق حتى الأن الهدف المرجو منها وذلك لأنها استخدمت أدوات غير مناسبة وخاطبت جمهورا غير مستهدف مما أدى إلى ضياع الملايين التى أنفقت على شركات دعاية لم تفد السوق المصرية بشئ..مضيفا أن الجهود التسويقية والحملات الدعائية التى تقوم بها وزارة السياحة فى هذا السوق المحورى والمهم خلال الفترة الماضية لا ترقى للمستوى المطلوب وتتم بشكل عشوائى وصورى فقط، حيث ترتكز على الرحلات التعريفية المكررة، علاوة على الاعتماد بشكل رئيسى على وكالات الدعاية والعلاقات العامة ووضع إعلانات فى المجلات المتخصصة التى لا يقرأها الجمهور العادى المستهدف. أضف إلى ذلك الإعتماد الكلى فى الجولات التسويقية والدعائية على شركات بعينها من منظمى الرحلات السياحية والذين يسيطرون على جانب كبير من ميزانية الدعاية المخصصة لألمانيا وللأسف يتم استغلالها بشكل خاطئ فى كثير من الأحيان، فى حين أنه لا توجد أى أنشطة تسويقية فعالة تتناسب مع الظروف الراهنة فى مصر كوجهة سياحية مثل المخاطبة المباشرة للجمهور من المستهلكين السياحيين فى التجمعات السكنية والاتحادات والنقابات والتأثير فى الرأى العام. المانيا بوابة أوروبا ويقول الدكتور البطوطى أن المانيا تعتبر مفتاحا لكل دول أوروبا..وما يؤكد ذلك أنه عندما قامت المانيا بفرض حظر سفر على مصر تبعتها فى القرار كل دول أوروبا دون تفكير..ودعنى استخدم بعض الأرقام التى توضح أهمية المانيا التى تعتبر من أكبر الدول المصدرة للسياحة على مستوى العالم، فحسب الإحصائيات التى أصدرها الاتحاد الألمانى للسياحة DRV بلغ عدد الرحلات السياحية التى قام بها الألمان 70.7 مليون رحلة سياحية خلال عام 2013 أنفق الألمان خلالها نحو 134٫6 مليار يورو، ومتوسط مدة الإقامة للرحلة الواحدة 10٫5 ليلة. أرقام متواضعة ويؤكد د.البطوطى أنه إذا ألقينا نظرة سريعة على التطور فى أعداد السائحين القادمين من السوق الألمانية إلى مصر خلال الفترة الماضية يتضح أن العدد بلغ ذروته عام 2010 حيث بلغ 1٫3 مليون سائح، ثم انخفض إلى نحو 830 ألف عام 2011 ثم عاود الإرتفاع عام 2012 إلى 1٫1 مليون سائح ثم هبط مرة أخرى عام 2013 إلى 820 ألفا، أما العام الحالى فالبيانات المتوافرة تشير إلى أن العدد وصل إلى 541 ألفا خلال الثمانية اشهر الأولى من عام 2014.. وبمقارنة هذا العدد مع 57 مليون سائح ألمانى نجد أن نصيب مصر محدود جداً مقارنة بوجهات سياحية أخرى منافسة لا تحتوى إلا على نسبة ضئيلة من المقومات السياحية التى تمتلكها السوق المصرية، كما ان الحركة السياحية لهذه الدول مثل تركيا موسمية وليست على مدار العام مثل الحال بمصر، إضافة إلى ذلك فتلك النسبة لا تتناسب مطلقا مع عشق الألمان للوجهة السياحية المصرية وولعهم بالسفر إلى مصر. روشتة للسوق الألمانية ويضع د.البطوطى روشتة لمضاعفة أعداد السائحين إلى مصر..ويلخصها فى عدة نقاط وهي: وضع ضوابط صارمة ورقابة حقيقية على «الحملات الدعائية المشتركة» التى تتم بالتعاون مع منظمى الرحلات السياحية أو شركات الدعاية والعلاقات العامة لوقف الاستغلال السيئ الذى يتم الآن لبعض منظمى الرحلات السياحية للمبالغ المخصصة لدعم الحملات الدعائية المشتركة أو دعم الطيران العارض فى التدنى بالأسعار والمضاربة ليس إلا، حيث الموضوع بالكامل يشوبه العديد من علامات الاستفهام خاصة بما يتعلق بصحة الفواتير التى قدمونها ومصدرها، وبالتالى تكون المحصلة النهائية أن السائح الذى يرسلونه إلى مصر لا يفيد إقتصاد الدولة فى شئ بل فى بعض الأحيان يكون بالخسارة حيث يتعدى مبلغ الدعم المبلغ الذى تم إنفاقه على الرحلة، علاوة ما يسببه التدنى بالأسعار لتلك الدرجة من إساءة شديدة للمنتج السياحى المصرى والوجهة السياحية المصرية بشكل عام. وضع استراتيجية تتفق مع الظروف السياسية والاقتصادية السائدة وأن يقوم على إعدادها وتنفيذها ومتابعتها وتقييمها أشخاص محترفون فى التسويق السياحي. ان تعتمد الأنشطة الترويجية على إستخدام القنوات المناسبة بكثافة للتأثير على الجمهور من المستهلكين السياحيين بمختلف شرائحهم الاجتماعية والمخاطبة المباشرة لقادة الرأى فى ألمانيا من خلال التعامل مع مصدر موثوق به للمعلومات بالنسبة للجمهور بالمانيا وتلك الدول. التنسيق المستمر مع مديرى ومسئولى تشكيل وصياغة البرامج السياحية وتخطيط الطيران فى الشركات السياحية وشركات الطيران العارض فى ألمانيا، من أجل دعم الأنماط السياحية المطلوب تنميتها. التركيز على تنشيط بعض الأنماط السياحية التى تتسم بمعدلات نمو عالية مثل السياحة البيئية «السياحية الخضراء» والتى وصل معدل النمو السنوى فى الطلب عليها العام الماضى 20% مقابل 4 – 6%، للأنواع الأخري. قوافل لصالح شركات بعينها اجراء اتصالات مباشرة مع الشركات الملاحية العالمية التى تمتلك وتدير السفن السياحية واليخوت وتحفيزهم على زيادة تعاملاتهم مع مصر وتخطيط البرامج معهم من أجل وضع الموانئ المصرية فى البرامج بشكل أكبر وأشمل وزيادة مدة بقاء اسطول السفن واليخوت فى الموانئ المصرية لتعظيم العائد وزيادة معدلات إنفاق السائحين ركاب تلك السفن. استخدام وسائل الدعاية والتسويق الإلكترونى بأشكاله المختلفة شاملة أنظمة الحجز والتوزيع ومحركات البحث ووسائل الإعلام الاجتماعية والسياحة الإلكترونية. الجولات الترويجية والندوات التسويقية، والتى يجب أن تتعلق المحاضرات والمواد الدعائية المعروضة خلالها بالكامل بمصر كوجهة سياحية وتحفيز الطلب عليها وليس كما يتم حاليا أن تكون لصالح شركات سياحية بعينها ويحضر مندوبو الهيئة أو مديرو المكاتب معهم لمجرد الأشراف ودفع الفواتير. مطلوب من مكتب ألمانيا ويؤكد الدكتور البطوطى أن الجهود التسويقية التى تتم فى السوق الألمانية لو أحسن تخطيطها وتنفيذها بشكل علمى ومهنى متقن مع إتباع المناهج الحديثة والفعالة للتسويق من خلال ذوى الخبرة الحقيقية والدراية بكافة تفاصيل هذه السوق وآلياتها ومحفزات كل شرائحها والمخاطبة المباشرة للرأى العام الالماني، وليس من خلال السماسرة وشركات السياحة، فسوف تكون النتيجة تضاعف الأعداد. وينهى البطوطى حواره مع «الأهرام» بتأكيد أن صناعة السياحة هى قضية أمن قومى وتعتبر من أهم القطاعات الإنتاجية فى الاقتصاد، علاوة على الدور المهم الذى تلعبه فى تنشيط موارد النقد الاجنبى وايجاد فرص العمل، وهذا ما يدعونا للتعامل معها بحرفية وإستراتجية لا تعرف الفشل.