بعد أكثر من مائة يوم على انتهاء العدوان الاسرائيلى على قطاع غزة فى نهاية شهر أغسطس الماضى , وبعد أن أعلنت حركة حماس أنها ألغت مهرجانها السنوى واحتفالها بذكرى انطلاقتها السابعة والعشرين , فوجئت غزة بعرض "كتائب القسام " الذراع العسكرية للحركة بعرض عضلاتها فى شوارع المدينة بزهو لا يخلو من استفزاز بحضور قادة الحركة , موجهة بذلك رسائل عدة إلى اسرائيل والمجتمع الدولى ومنافستها اللدود حركة فتح . حذرت "كتائب القسام" خلال هذا الاستعراض من انفجار الاوضاع فى قطاع غزة مجددا فى حال لم تتم عملية إعادة الإعمار للمنازل والمنشآت التى دمرتها اسرائيل إبان العدوان الأخير قبل نحو ثلاثة أشهر , ناشرة الآلاف من عناصرها المقنعين المدججين بأنواع الأسلحة المختلفة الخفيفة , ومدافع قاذفة وطائرة استطلاع من دون طيار , والصواريخ التى استخدمتها أثناء العدوان على غزة , وأخرى جديدة كتب عليها "قسام ؟؟" فى إشارة إلى رغبتها فى عدم الإعلان عنها حاليا علاوة على ضفادع بشرية ! فما المغزى من هذا الاستعراض ؟! وما الهدف الذى تريد الحركة تحقيقه بعدما دخلت فى مرحلة المصالحة الرسمية مع حركة فتح لتنضوى تحت لواء السلطة ؟! تلك المصالحة التى أحد أهم بنودها، الالتزام بالخط العام لسياسة السلطة الفلسطينية داخليا وخارجيا، وليست كقوة منفصلة بذاتها تعد العدة وتجيش المقاتلين وتلوح باستئناف الحرب دون التشاور مع باقى فصائل المقاومة التى تقف معها فى خندق المواجهة ضد المحتل جنبا إلى جنب فى حالة العدوان وشن الحروب على سكان قطاع غزة الذين وحدهم يدفعون ثمن الخلافات وصراع المصالح وانتهازية المواقف التى باتت تعج بها الساحة الفلسطينية مؤخرا، على حساب أمن وأمان وحياة المواطن البسيط ولقمة عيشه !! لم يكن هذا الاستعراض سوى رسالة تحذيرية للسلطة الفلسطينية وحركة فتح على حد سواء , بأن الحركة لن تتخلى عن السيطرة على قطاع غزة ! وأن المصالحة لن تسير إلا بشروط حماس ! وبعد تلبية مطالبها وفى مقدمتها دفع رواتب نحو 45 الف من موظفى حكومتها السابقة . "الزفة" التى استعرضت فيها كتائب القسام قدرتها وقوتها التسليحية، كما وصفها أحد قادة حماس الذين أصبحوا فى الجبهة المناوئة بعد نزيف الشارع الفلسطينى ولم يعد يسمح له ضميره بالتأييد الأعمى، هل يمكن لحماس أن تسمح بمثلها إذا طالبت بها حركة فتح، أم ستضع العصى لهم فى الدواليب كما يحدث دائما ؟ هذه الفعاليات لا تخدم سوى حماس نفسها على حساب باقى الفصائل التى احترمت الأوضاع المتردية وحالة المواطنيين البائسة والتحافهم العراء بعد أن خذلتهم وعود الاعمار كالعادة , فيما اصرت حماس عبر جناها العسكرى إلا أن تستعرض قوتها , لتقول للقاصى والدانى أنا هنا ولازلت احتفظ بقوتى وعلى أتم الاستعداد لأى مواجهة !! لكن هل سألت حماس نفسها من سيدفع الثمن مقدما ؟ والجرح لا يزال نازفا والدماء لا تزال لزجة طرية لم تجف بعد , والخراب يحيط بغزة وكأن زلزال قد دكها وسوٌاها بالارض , لا ينعق فيها سوى البوم , والكثير من الشواهد المتناثرة التى تحمل تحتها قصصا وحكايات بعضها راح غيلة وغدرا وبعضها دفن وسره معه , هل كلفت حماس نفسها وسألت شعبها الذى تدعى أنها راع عليه وترعى مصالحه إن كان باستطاعته تحمل حربا جديدة ؟ وهو الذى لا زال يدفع فاتورة فادحة من الأمراض النفسية , والتهجير القسرى فى العراء أو فى بيوت مهدمة , يأكلها صقيع الشتاء وتغرقها مياه الأمطار، لا أحد يسمع صفير بطونهم من شدة الجوع ولا يلتفت لآلامهم النفسية والجسدية التى خلفتها الحرب وفقدهم للغالى والنفيس !! وطالما أن حماس كما ذكرت على لسان عضو مكتبها السياسى "خليل الحية" تعرف جيدا كيف تلزم الاحتلال الاتفاقات السابقة والمقبلة ! فلماذا لا تعرف كيف تداوى جراح سكان غزة الأولى بالشفعة فى تلك الظروف شديدة الوطأة والقسوة عليهم , فقرا وجوعا وتجويعا لو كان حقيقة يهمها أمر المواطنين " الرعية " ؟! ويكفى أن يصرح أحد قياداتهم الدكتور "أحمد يوسف" الذى آثر الانسحاب احتجاجا , فقد طفح الكيل قائلا عبر حسابه على فيس بوك " "ارحمونا من كل هذه الفعاليات الحزبية وامنحونا مشهدا وطنيا يداوى الجراح .. لقد مللنا النداءات الحزبية والالوان الحزبية والحناجر الحزبية والاسلحة الحزبية , فهذا وطن الجميع ومشروعنا الوطنى واحد , فلا تحرفوا الحانه , فعشقنا لكل من فيه .. " حماس باستعراض قوتها عبر جناحها العسكرى "كتائب القسام" , تصر أن تمسك بزمام اللعبة وحدها دون سواها , ضاربة عرض الحائط تعهداتها , متجاهلة التزامها بالصف الوطنى الموحد , فالمقاومة حق مشروع للجميع طالما بقى الاحتلال , لكن برؤية موحدة لجميع فصائل المقاومة بما فيها السلطة الفلسطينية , ليس من حقها الانفراد بقرار الحرب ولا قرار التهدئة , حتى وإن كانت قوتها هى الأكبر والأوسع انتشارا , الشعب الفلسطينى فى غزة ذاق الأمرين فى بؤرة الصراع على السلطة , ولم يلتفت لمعاناته أى من المتصارعين , الباحثين عن دور يهيأهم للحكم على حساب جثث الأطفال والنساء والشيوخ وخيرة الشباب , كانت جسر مرورهم وقرابين فداء لنزواتهم ومغامراتهم , مقامرتهم بمصير شعب أعزل لا حول له ولا قوة , شعب مكلوم وحده الذى يدفع دوما الثمن دون سواه . لمزيد من مقالات جيهان فوزى