بين عشية وضحاها تفجرت أزمة غير مسبوقة بين مصر وبعض الدول، مثل كندا وانجلترا واستراليا، حول حماية سفاراتها المعتمدة في القاهرة.. وكما ينص قانون القنصليات، فإن من حق هذه السفارات أن تطلب مضاعفة الحراسة المسئولة عن حمايتها.. بل وأن توقف الخدمات التي تقدمها لمواطنيها.. هذا يحدث في الأمور العادية.. أما في هذه الأوضاع التي تؤكد فيها مصر، أنها قادرة علي دحر الإرهاب الذي بات آفة عالمية وليس حكرا علي مصر التي تنتظر موسما سياحيا مكتظا من الدول الأوروبية والغربية عموما. بمعني آخر، إن هذه السفارات طالبت بإغلاق بعض الأحياء القاهرية، وهو ما شرعت الخارجية المصرية في مناقشته دون أن تضحي بالمواطنين الذين يسكنون هذه الأحياء.. لكن ما لفت الانتباه، أن هذه المنشآت الدبلوماسية الأجنبية قد ألقت بنفسها طرفا في بحر متلاطم من الخلافات، أو بالأحري شاركت في التآمر علي استقرار مصر، لأن إعلانها رسميا بأنها تعتزم اغلاق مكاتبها الخدمية في وجه مواطنيها، بدعوي أن هناك تهديدات إرهابية جاءتها من هذه الجهة أو تلك، إنما ترجم بطريق غير مباشر القول بأن مصر غير آمنة.. وهذا غير صحيح! ناهيك عن أن مصر لا تزعم أنها خالية من العناصر الإرهابية.. لكن الإرهاب الذي يضرب بعض محافظاتها النائية مثل دمياط وسيناء لا يختلف عن الإرهاب الذي يضرب إسبانيا واليابان وألمانيا وفرنسا.. ثانيا أن مصر لا تنكر أنها تعيش حربا ضد الإرهاب الشامل، لكن كل العناصر التخريبية تحت السيطرة.. فلماذا إذن هذا الانزعاج الذي عبرت عنه بعض السفارات التي سعت ببياناتها الرسمية إلي تضخم الأحداث واستخدام لإلقاء الرعب في قلوب السائحين المتوقع قدومهم الي مصر في الموسم السياحي المقبل.. ولجوء بعض السفارات الي توجيه النصح لأبنائها بالإحجام عن زيارة مصر، أو الابتعاد عن بعض مناطق فيها، إنما يجعل هذه الدول عونا للإرهاب وليس عونا لمصر.. وهذا الموقف ليس غريبا، فدولة في حجم أمريكا سمحت نفسها أن تمنع عن مصر المعونة.. وهي تعلم أن مصر تعيش حربا ضد الإرهاب المتمثل في العناصر الإخوانية التخريبية. والغريب أن أوروبا منعت بدورها المساعدات الأوروبية تلقائيا، وهي تعلم أن المساعدات المنصوص عليها في اتفاقيات «ميدا» المتوسطية بها قطع غيار لأدوات تستخدم في مكافحة الإرهاب، معني ذلك أن هذه الدول التي تزعم محاربتها للإرهاب ضيقت علي مصر من قبلا محاربتها لظاهرة الإرهاب. واليوم تقوم دول أخري مثل كندا واستراليا وبريطانيا بنفس الهدف، ولكن بطريقة أخري. الثابت عملا أن مصر دولة آمنة.. والإرهاب الذي تواجهه من عناصر الإخوان.. أو النصرة .. أو حتي داعش، تحاربه الدول الأخري كما تحاربه مصر.. لكن أحنق هذه الدول أن مصر تسعي بجانب ذلك الي التنمية الشاملة، والمثال الصارخ علي ذلك تطوير إقليم قناة السويس، واستصلاح الأراضي، وشبكة الطرق والكباري.. ثم التحول الديمقراطي الذي تقوده.. وخريطة الطريق التي تسير عليها وبدأت بالدستور ثم الانتخابات الرئاسية التي شهد لها العالم بالنزاهة والموضوعية.. وها نحن نستعد للانتخابات البرلمانية.. أيا كان الأمر.. من حق هذه السفارات أن تطلب تشديد الحراسة حولها.. لكن ليس من حقها تلويث سمعة مصر الدولية بعد أن استعادتها بنجاح منقطع النظير، ومثال زيارة الرئيس السيسي لأوروبا قبل أيام.. خير دليل علي ذلك. لمزيد من مقالات د. سعيد اللاوندي