مصطفى بكري: عضوية اتحاد القبائل العربية تجاوزت ال 10 آلاف خلال يومين    البابا تواضروس في قداس القيامة: الكنيسة تصلي لأجل سلام البلاد    أحمد موسى: 64 مليون مواطن يصرفون سلعًا تموينية.. والسكر ب 12 جنيهًا    مراعاة للأغنياء.. الحكومة تؤجل ضريبة أرباح البورصة للسنة العاشرة    مجلس مدينة العريش يشن حملة لإزالة المباني المخالفة    نميرة نجم: هناك محاولات لتقويض أحكام الجنائية الدولية ضد قادة إسرائيل    روسيا تعلن تدمير قاعدتين للمسلحين في سوريا    عضو إدارة بركان: نرحب بالزمالك في المغرب.. ومواجهة الأبيض تكون قوية    عمر وردة: تزوجت من فتاة جزائرية منذ شهور لكي استقر    إصابة 3 أشخاص في حادث بالوادي الجديد    عمرها 60 سنة..مصرع عجوز دهسها قطار في سوهاج    مصرع سيدة صدمها قطار ب سوهاج    بتكلفة بناء وتشغيل 1.5 مليار دولار، المتحف المصري الكبير هدية مصر للعالم (فيديو)    قصواء الخلالي: انتظروا حلقة الأحد وملف اللاجئين ومفاجآت وأخبار مفرحة    دعمتم مناقشة هذا الأمر | رمضان عبد المعز يوجه الشكر ل المتحدة    أسهل طريقة لعمل الطحينة بالفول السوداني في المنزل.. أساسية بشم النسيم    مختلف عليه..ما حكم أكل الفسيخ في الإسلام؟    أسامة كمال : حماس وإسرائيل لم يحققا أي أهداف من حرب غزة    قتل «طفل شبرا الخيمة».. أوراق القضية تكشف دور تاجر أعضاء في الواقعة    تعرف على شروط التقديم لمدرسة فريش الدولية للتكنولوجيا التطبيقية 2024-2025    71 مليار جنيه لقطاع التعليم المدرسي والجامعي خلال 24 /25    بدء قداس الاحتفال بعيد القيامة المجيد في المنيا (صور)    لجين عبد الله تفوز بكأس أفضل سباحة في البطولة الإفريقية بأنجولا    حكم الصلاة على الكرسي وضوابط الصلاة جالسًا.. اعرف الشروط والأحكام    محافظ القاهرة يشهد احتفال الطائفة الإنجيلية بعيد القيامة نائبا عن رئيس الوزراء    أسامة كمال يُحيي صحفيي غزة: المجد لمن دفعوا أعمارهم ثمنا لنقل الحقيقة    أحمد موسى عن شم النسيم: «باكل فسيخ لحد ما يغمى عليا.. وأديها بصل وليمون»    طارق إمام للشروق: المعارض الأدبية شديدة الأهمية لصناعة النشر.. ونجيب محفوظ المعلم الأكبر    مطران إيبارشية أسيوط يترأس صلاة قداس عيد القيامة المجيد 2024    طلاب إعلام جامعة القاهرة يطلقون حملة توعية بإيجابيات ومخاطر الذكاء الاصطناعي    تسويق مغلوط للأولويات سيكون له ما بعده..    وكيل صحة القليوبية: استقبال 180 شكوى خلال شهر أبريل    غدا وبعد غد.. تفاصيل حصول الموظفين على أجر مضاعف وفقا للقانون    دعاء يغفر الذنوب والكبائر.. الجأ إلى ربك بهذه الكلمات    المقاولون 2005 يفوز على أسيوط بثلاثية في دوري الجمهورية للناشئين    القس أندريه زكي يكتب: القيامة وبناء الشخصية.. بطرس.. من الخوف والتخبط إلى القيادة والتأثير    سفير فلسطين في تونس: مصر تقوم بدبلوماسية فاعلة تجاه القضية الفلسطينية    «صحة الفيوم»: قافلة طبية مجانية لمدة يومين بمركز طامية.. صرف الأدوية مجانا    السعودية تصدر بيان هام بشأن تصاريح موسم الحج للمقيمين    خاص| زاهي حواس يكشف تفاصيل جديدة عن مشروع تبليط هرم منكاورع    خبير اقتصادي: الدولة تستهدف التحول إلى اللامركزية بضخ استثمارات في مختلف المحافظات    وكيل صحة الشرقية يتفقد طب الأسرة بالروضة في الصالحية الجديدة    وزير الشباب يفتتح الملعب القانوني بنادي الرياضات البحرية في شرم الشيخ ..صور    لوبتيجي مرشح لتدريب بايرن ميونيخ    مفاجأة- علي جمعة: عبارة "لا حياء في الدين" خاطئة.. وهذا هو الصواب    موعد ومكان عزاء الإذاعي أحمد أبو السعود    محمد يوسف ل«المصري اليوم» عن تقصير خالد بيبو: انظروا إلى كلوب    بطلها صلاح و«العميد».. مفاجأة بشأن معسكر منتخب مصر المقبل    جدول امتحانات الثانوية العامة 2024 والثانوي الأزهري    استعدادًا لفصل الصيف.. محافظ أسوان يوجه بالقضاء على ضعف وانقطاع المياه    الانتهاء من 45 مشروعًا فى قرى وادى الصعايدة بأسوان ضمن "حياة كريمة"    رويترز: قطر قد تغلق مكتب حماس كجزء من مراجعة وساطتها بالحرب    ما حكم تلوين البيض في عيد شم النسيم؟.. "الإفتاء" تُجيب    ماريان جرجس تكتب: بين العيد والحدود    التموين: توريد 1.5 مليون طن قمح محلي حتى الآن بنسبة 40% من المستهدف    القوات المسلحة تهنئ الإخوة المسيحيين بمناسبة عيد القيامة المجيد    هل بها شبهة ربا؟.. الإفتاء توضح حكم شراء سيارة بالتقسيط من البنك    برج «الحوت» تتضاعف حظوظه.. بشارات ل 5 أبراج فلكية اليوم السبت 4 مايو 2024    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بريد الجمعة : يكتبه : احمد البرى
الأميرة الحائرة!
نشر في الأهرام اليومي يوم 12 - 12 - 2014

أكتب إليك وأنا فى أمس الحاجة إليك لأنك الشخص الوحيد، الذى أتوسم فيه أن يشير علىّ بالرأى السديد، بعد وفاة أبى الذى كان ظلى وسندى وطبيبى وحكيمى فى الحياة، وأروى لك قصتى منذ البداية، فأقول أننى سيدة فى الخامسة والثلاثين من عمرى، أعمل فى وظيفة مرموقة بوزارة البترول، وعلى قدر كبير جدا من الجمال، كما يقول كل من يرانى، ويتحدث معى، وقد نشأت فى أسرة طيبة لأب جامعى يعمل فى وظيفة كبرى، وأم حنون تتمتع بالطيبة البالغة، وصفاء النفس الذى يلمسه من يتعامل معها لأول وهلة، وأنا الوسطى بين خمسة أشقاء، وأخت واحدة، وتربينا جميعا على الحب والتفاهم، وغرس فينا أبى المبادئ الإنسانية الرائعة، وصارت لنا مكانتنا الاجتماعية المتميزة.
وكنت الوحيدة المدللة عند والدىّ، وقد غمرنى أبى بكل ما تشتهيه أى فتاة من الغالى والنفيس، من الدول العربية والأجنبية التى كان يسافر إليها بحكم عمله، لدرجة أن أفراد عائلتى اطلقوا علىّ لقب «الأميرة»، من كثرة ما يوفره لى أبى من ملابس، وما يمنحنى إياه من هدايا، وبعد حصولى على الثانوية العامة، التحقت بإحدى كليات جامعة القاهرة، وبدأت مرحلة جديدة من حياتى تعرفت خلالها على شاب من عائلة ثرية جدا، وربطتنا علاقة حب قوية، وحكيت لأبوى كل شىء عنه، فأخبرانى أنهما على استعداد لمقابلته هو وعائلته لمزيد من التعارف، فنقلت ما قالاه لى إليه، وانتظرت رده، لكنه تجاهل الأمر، ولما سألته عن سبب تأخره فى إبلاغ أهله، ماطلنى بأسباب واهية، وشيئا فشيئا عرفت السبب الحقيقى لموقفه، وهو أن أهله يرفضوننى أنا وعائلتى، ويرون أن إبنهم مازال شابا طائشا لا يعرف مصلحته، وعندما أخبرت أبى بما علمته، طلب منى الابتعاد عنه، وعدم الحديث معه، فامتثلت لأوامره، وتحاشيت الحديث مع زميلى، فضغط على أهله لكى يخطبونى له، فوافقوا على زيارتنا، وعندما رآنى فى الكلية أبلغنى بموقفهم الجديد، وطلب منى تحديد موعد مع أهلى لطلب يدى، فاحسست بسعادة غامرة تسرى فى عروقى، ولا أستطيع أن أصف لك مدى شعورى بالفرحة، عندما زارونا وجلسوا مع أبى، إذ تصورت وقتها أن طائر السعادة يرفرف على بيتنا، وأن حلمى فى الزواج من الشاب الذى ارتحت إليه سوف يتحقق، وتابعت ما دار فى هذه الجلسة باهتمام شديد، وأنا اترقب اللحظة التى يعلن فيها أبى موافقته على خطبتى له، فإذا به يقول لهم، أعتذر عن تلبية طلبكم، فليس عندى بنات للزواج، فخرجوا غاضبين، وأنا أتصبب عرقا من هول الصدمة، وواجهنى أبى بما قالوه فى أثناء الجلسة، فلقد جرحوه بكلمات قاسية، وانتقصوا منى ومنه، ووصل الامر بهم إلى حد قولهم إنهم لا يتشرفون بهذا النسب، وقد حضروا إلينا لضغط ابنهم عليهم، ولم اقتنع بتبريره، وكسر هذا الصدام ما بينى وبين أبى من مودة، وظللت فى حيرة من أمرى، بين رفض أبى حبيبى الذى ارتبطت به عاطفيا، وقد أحزنه الموقف العصيب الذى عاشه واسرته فى منزلنا، واصرار أبى على شراء كرامتى، كما قال لى، وبصراحة شديدة، فإننى لم أقتنع برد فعل أبى، الذى خسرته لانه بتصرفه هذا كان يرد على موقف أسرته منذ البداية، وكل ما شغل تفكيرى وقتها، هو وأد علاقة حبى، وبعدها طلب منى فتاى أن نتزوج بعيدا عن أهلى، فرفضت بشدة من منطق المبادئ التى تربيت عليها، والتى لا تجيز للفتاة أن تخرج عن طاعة أهلها، ولم يتوقف رفضى عنده وحده، وإنما رفضت كل من تقدموا لى بلا سبب برغم أن أبى وافق على الإرتباط بعدد منهم، بل وزكى لدّى أحدهم، لكن أبلغته عدم ارتياحى له، وقد فعلت ذلك دون أى دراسة أو أن أعطى نفسى مهلة للتفكير لموقف أبى المعاند لفتاى، ثم طرق بابى شاب رفضه أبى، ولما عرفت بهذا الرفض، أصررت على الزواج منه، وكأننى أريد الانتقام، ويبدو أننى كنت غائبة عن الوعى، ولم أدرك أننى أنتقم من نفسى، واستغرب أبى لموقفى، وجلس معى وشرح لى أسباب رفضه له، لكنى صممت أذنىّ عن سماع أى مبررات أو أسباب لعدم قبوله، وتمسكت به، وأصابت أبى حالة ذهول من اصرارى عليه، ولم يجد بدا من الموافقة على زواجى منه، ثم فوجئت به ليلة الزفاف، وقد أحضر مصحفا، ووضعه أمامه، وأقسم عليه، بألا أعود إليهم غاضبة من زوجى، وأن البيت مفتوحا لى للزيارة فقط، ومضيت فى طريق الزواج وأنا أعلم تماما أننى سأتحمل نتيجة عنادى، وأزفت الأزفة، وانتقلت إلى عش الزوجية، وصرت تحت سقف واحد مع من لم أحمل له ذرة حب واحدة، واستمررت فى حياتى معه، وأنجبت منه ولدين، ولكن هيهات أن تتغير طباعه، فهو رجل عنيف فظ، من الممكن أن تسميه «جليدا» أو «جمادا» إذ لا تتحرك له مشاعر، ولا تنتفض له دمعة، غليظ، قاس، صلب، وقد عانيت الأمرين من أمه وأخته التى تكبرنى ببضع سنوات ولم تتزوج، وقاسيت ما لم تتعرض له أى سيدة ممن اعرفهن، حيث تتشاجران معى لأتفه الأسباب، وتفتعلان المشكلات من لا شىء، ولم أهنأ بيوم واحد سعيد فى هذا البيت، ففكرت فى الانفصال عن زوجى، لكنى تراجعت من أجل ابنى اللذين خفت عليهما من النشأة غير الطبيعية.
ولقد تحملت ما لم تتحمله أنثى فى مثل عمرى، وفى كل زيارة إلى أسرتى تتأرجح الدموع فى عينىّ، وأحس بعتاب أبى لى كلما نظر إلىّ، ولسان حاله يقوله «أنت من تشبثت بالزواج ممن لم يقدرك».. فو الله يا سيدى كنت اتحمل الكثير من اهانات زوجى، وتجريحه، واهماله لى، برغم أننى لم ارتكب خطأ، أو أفعل شيئا يضايقه، وقد حاولت أن ألفت نظره إلى موقفه غير المفهوم منى، وطلبت منه صراحة أن يقول لى كلمة حلوة، أو يتيح لى بضع دقائق من الحنان، ولكن هيهات أن يفعلها!.. تخيل يا سيدى انه لم يقل لى كلمة «أحبك» على مدى خمسة عشر عاما، برغم أننى طلبتها منه، ولا تربطنى به إلا «العلاقة اللعينة» التى اكرهها، وأشعر فيها أننى «بهيمة أنثى» لعدة دقائق، وقد فعلت المستحيل، لكى يحس بإنسانة تكرس له كل حياتها، ولست آلة تدور فى البيت، فهو لا يتكلم معى، إلا فى الطعام والشراب، وشراء ملابس الأولاد ومدارسهم، كما أننى أصرف مرتبى بالكامل فى متطلبات المعيشة إذ أن دخله لا يكفى لتلبية ما نحتاجه، ولا تجد معى ربع جنيه خاصا بي، ولم يشفع لى كل ذلك بأن يكون لطيفا معى أنا وولديه، وقد غلبتنى دموعى أمام أبي، فأفضيت إليه ببعض ما أعانيه، وحدثته عن العناء الكبير الذى أتحمله من اهانات زوجى وأهله، وقسوته علينا، فهو لا يعرف طريقة للتفاهم والتربية سوى الضرب، ولم يشأ أبى أن يكرر على مسامعى أننى التى أخترته بإرادتي، أو أن يذكرنى بموقفه عندما أصررت على الزواج منه، وإنما أخذ يهديء من روعي، ويبث فى نفسى كلمات الصبر، ويعوضنى أنا وأبنّى عن الحب والحنان اللذين نفتقدهما تماما.. وصار أبى الملاذ الوحيد لنا، فكلما ضاق صدرى بما أعيشه من متاعب وآلام أهرع إليه، فأجد لديه التعويض الرائع، ويا لها من لمسة جميلة حينما يربت على كتفي، إذ أشعر بأن متاعب الدنيا قد زالت تماما، وأخرج من تحت يديه، وأنا ليس بى شيء..
لكن الأشياء الجميلة لا تدوم يا سيدي، إذ توفى أبي، وكانت وفاته صدمة زلزلت كياني، وأرتبكت حياة ابنّى اللذين ارتبطا به ارتباطا لم يحله إلا موته، ولن أنسى أبدا المشهد المؤثر عندما طلب أبى ابنّى الصغير قبل أن يدخل فى غيبوبة الموت، وقبّل يده، وقال لى إن أولادى هم أولاده.. ومات القلب الحانى الذى كنا نهرع إليه من صحراء الجفاف والقسوة، فنجد لديه أنهار الحنان والرحمة والحب.
وبعد رحيله بقليل، تعرفت على زميل لى فى العمل، تودد إليّ بشكل كبير، ووجدته يعرف عنى كل كبيرة وصغيرة، وأبلغنى أنه ظل عامين كاملين يخفى حبه لى فى صدره، ولم يبح لأحد به، وقد جمع معلومات عنى كثيرة ليقف على حقيقة وضعى الاجتماعي، ولديه معرفة بالمشكلات المستمرة بينى وبين زوجي، والتى على أثرها حدث الطلاق مرتين ثم عودتى إلى عصمته من أجل مصلحة أبنّي، وهذا ما حدث بالفعل، فمن كثرة مشاجراته، والمشادات بيننا كان يلقى عليّ يمين الطلاق، فأغضب عند أسرتي، لعدة أيام، ثم يأتى إلينا طالبا الصلح من جديد، فأوافق عليه، وبالطبع إذا تكرر الطلاق للمرة الثالثة فلن أعود إليه بحكم الدين، وواصل زميلى كلامه قائلا: أنه يرغب فى الزواج منى بعد انفصالى عن زوجي، فنهرته بشدة، بأنه لا يصح أبدا ما يقوله، لكنه استمر فى ملاحقتي، مؤكدا أننى أظلم نفسى وابنّى واننى إذا ارتبطت به، فسوف تتغير حياتنا وسيصبح أبا لهما، وسأكون أنا أما لولديه، فلقد ماتت زوجته، وتركت له ولدين، ولم تتوقف ملاحقاته لي، ومع صباح كل يوم يأتينى بإغراءات جديدة دون كلل أو ملل، ووصل الأمر لدرجة أنه قام بتسجيل فيلا بالشهر العقارى باسمى أنا وولدى، واشترى لى سيارة فارهة باسمي، وسيارة باسمى أيضا لابنّي، وقال لى إنه فعل ذلك دون أى ارتباط بيننا لكى يقنعنى بمدى حبه لي، وتأمين مستقبلي، ومستقبل ولدّي، فرفضت اغراءاته المادية، لأنها لا تعنينى فى شيء، فما يشغلنى ويسيطر على حياتى هو أننى أفتقد الحب والحنان والرأفة فى زوجي، وأفتقد تقديره لي، واحساسه بي، فأنا مثل أى امرأة أحتاج إلى كلمة حلوة، وإلى جو نفسى هاديء، وخال من المشكلات والضغوط العصبية التى لا يمر يوم بدونها وبغير أن يسلط زوجى لسعات لسانه علينا، فلقد تعود ألا ينادى ابنينا باسميهما حيث ينادى على الكبير يا «بغل»، والصغير يا «جحش»، ناهيك عن الضرب الذى يجعلنا نتشاجر كل يوم حتى فاض بى الأمر، ولم أعد أتحمل كل هذا الجفاء والعنف، وقد وصلت إلى مرحلة «اللحظات الأخيرة» من التفكير فى الحل النهائى لما أنا فيه، ويتنازعنى الآن اختياران لا ثالث لهما: الأول هو الانفصال ليس للزواج من هذا الشخص الذى قدم لى اغراءات يسيل لها اللعاب، فلقد رفضته بشكل قاطع، وتوقف عن ملاحقتي، وإنما أفكر فى الانفصال وأنا أعرف أنه لا سبيل لعودتى إليه هذه المرة، لأننى على حافة الانهيار العصبى بسبب الضغط بلا توقف، وأجد فى طلاقى منه للمرة الثالثة خلاصا نهائيا من الألم النفسى والحسي، فطوال سنوات زواجى منه لم أجد منه لمسة حانية، أو حتى كلمة «كتر خيرك» على تحمل عصبيته ووقوفى إلى جانبه، فهو الوحيد الذى لا يرى أى مميزات فيّ، أنا التى كل من يرانى يحسده عليّ، ويقول له: زوجتك لا يوجد مثلها. لكنه يسمع الكلام ويصمت، وأننى أخشى على ابنّى إذا أستمرا فى هذه المعيشة فربما يتحولان إلى شخصين غير سويين.
وأما الاختيار الثانى فهو أن أظل أسيرة هذا الارتباط اللعين، وهو ما أحتاج إلى رأيك فيه، فإذا وقع اختيارك، على هذا الحل فإننى أرجوك أن تكتب لزوجى بأن يغير أسلوب تعامله معى أنا وولدينا، لعل الله يجعل الحل على يديك خاصة أنه من قرائك، ويقتنع بردودك، فلقد فاض بى الكيل وانسدت كل السبل أمامي، والحمد لله رب العالمين.
ولكاتبة هذه الرسالة أقول:
آفة بعض الرجال أنهم لا يشعرون بالنعمة التى أنعم الله بها عليهم، فيتمادون فى غيهم، ويتفننون فى اضاعتها من بين أيديهم، ففى الحديث الشريف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال «خير ما يرزق به المرء زوجة صالحة، إذا نظر إليها سرته، وإذا أمرها، اطاعته، وإذا أقسم عليها أبرته، وإذا غاب عنها حفظته فى ماله وعرضه»، وأنت تتمتعين بهذه الصفات جميعا بجمالك الواضح من سردك قصتك، وامتثالك لما يطلبه منك، وحفاظك على نفسك وعدم انجرارك إلى الاغواءات الكثيرة، وأبرزها ما قدمه لك زميلك فى العمل. والذى لا أدرى كيف وصلت به الجرأة إلى حد أنه يلاحقك يوميا بطلب الطلاق، لكى يتزوجك، وقد أغراك بفيلا سجلها بإسمك، وأيضا بسيارتين فارهتين احداهما لك والأخرى لابنيك، والواقع أنه بتسجيلها فى الشهر العقارى تكون قد أصبحت ملكا لك، فهل هو بهذه السذاجة حتى يفعل ذلك دون أن يتأكد من موقفك من عرض الزواج به، أم أنه أصدر توكيلا بإسمك فى الفيلا والسيارتين للتصرف فيها، وبإمكانه إلغاء التوكيل فى أى وقت؟. ما أريد أن أقوله لك أنها لعبة وحيلة من جانب شخص لا ضمير له للإيقاع بك، إذ ماذا سيفعل الآن وقد صارت هذه الأشياء ملكا لك لو كان صادقا فيما قاله، وكيف سيستعيدها إذن؟ وهل سيطلب منك اعادة بيعها وتسجيلها له؟ عموما احمدى الله أن نجاك من الوقوع فى براثن هذا الشخص معدوم الضمير، وإذا كان التسجيل الذى حدثك عنه بالبيع واعطاك أوراقا تثبت ذلك، فأعيدى إليه أشياءه فورا، وأقطعى كل السبل عليه، بل وهدديه بفضح أمره إذا لم يبتعد عنك، وليعلم أن حسابه عند الله سيكون عسيراً، إذ كيف يسمح لنفسه بأن يلاحق إمرأة متزوجة فى كنف رجل آخر، فلقد نهى رسول الله «صلى الله عليه وسلم» عن أن يخطب المرء على خطبة أخيه، بمعنى لو أن فتاة مخطوبة لأحد الأشخاص، فلا يجوز لآخر أن يتقدم لخطبتها، فما بالنا بزوجة فى عصمة رجل آخر، إنه بفعلته هذه قد ارتكب إثما عظيما، وعليه أن يتقى الله ويبتعد عن هذا الطريق الذى سيورده موارد الهلاك.
ولا أدرى كيف عرف زميلك هذا بالمشكلات الواقعة بينك وبين زوجك، وأنك قد تعرضت للطلاق منه مرتين، فأغلب الظن أن كثيرين من زملائك وزميلاتك بالشركة التى تعملين بها يعرفون قصتك. ولذلك عليك الحذر من الحديث فى المسائل الشخصية أمام الآخرين، فمادام الأمر لم يصل إلى حد الانفصال النهائى، فمن الأفضل تدارك الخلافات داخل جدران منزلكم، إذ أن تدخل الآخرين يكون دائما نحو الهدم لا البناء، كما فعل هذا الشخص الانتهازى الذى حاول تخريب بيتكم طمعا فيك ورغبة فى الفوز بك، ولو على حساب أسرة تقع فيها خلافات مثل كل الأسر والبيوت، وربما يكون الاختلاف الوحيد، هو أن الآخرين يتداركونها سريعا، ولكن زوجك يتمادى فيها، وأحسب أنه بعد تطليقك مرتين، سيكون هذه المرة أكثر حذرا فى تعامله معك وابنيه، ولو أنه يفكر فى الزواج من أخرى لما أعادك إلى عصمته مرتين، ولو أنك تفكرين فى الارتباط بغيره، لانتهزت فرصة طلاقك فى الإفلات من جحيمه، والبحث عن شخص مناسب.. إذن كل منكما يحب الآخر ويحتاج إليه، لكنه يفتقد الوسيلة التى تقربه من شريك حياته، ومن هذا المنطلق أدعوه إلى تقليص الفجوات، وزيادة مساحات الاتفاق بينكما، ولعل «الحوار الإلحاحى» فى علاقتكما معا يسهم فى رأب الصدع، فتؤكدين حبك له، وأنه هو شغلك الشاغل، والشخص الوحيد الذى أصررت على الارتباط به، برغم تحفظات الآخرين، وتلينين له الجانب، وعليك ألا تجعلى علاقتك الخاصة به «علاقة لعينة» كما صورتيها، وإنما حوِّلى وقائعها إلى دقائق من السعادة، فيشعر بحنينك له ويدرك خطأه بمعاملته القاسية لك ولابنيك، فالتربية السليمة لا تقوم أبداً على الغلظة وإنما تتطلب بث الأخلاق الحميدة، والسلوك القويم فى نفوس الأبناء، وليعلم أيضاً أن الاسلوب الخشن فى التعامل مع الأطفال سوف ينعكس عليهم فى الكبر، ولعله يذكر المثل القائل «من شابه أباه، فما ظلم» فالأبناء يقلدون أباءهم، ولذلك يجب أن تقوم تربيتهم على الألفة، والمحبة، والتوجيه، والنصح ولا ترتكز على فرض الإملاءات، وإصدار الفرمانات.
والرجل القوى هو الذى يخضع زوجته لإرادته دون أن يأمرها بذلك فهى إذا وجدت منه المعاملة الحسنة، والعشرة الطيبة، فإنها تلقائياً سوف تلغى إرادتها، وتصبح رهن إشارته بعد أن تكون قد إطمأنت إليه، وتأكدت من صدق حبه وإخلاصه لها، وهو عندما ينتهج هذا النهج، ويعاملها ككيان له وجود. فسوف تشعر بتأثيرها فى حياته، وتسعى إلى التكامل معه، لا الهروب منه، ولو أخطأت معه فى بعض الهنات البسيطة، فإنه مطالب بالتجاوز عنها، فالرجل الذى لا يغفر هفوات زوجته، هيهات أن ينعم بحبها، فالحب إحساس داخلى يتولد بالاخلاص والتواد والتراحم، وليس سلعة تباع وتشترى، ومن الواجب عليك ياسيدتى أن تتجاوزى عما ارتكبه زوجك فى حقك، وتلغيه من عقلك وتفكيرك، لأنك إذا تعمقت فى إثبات أخطائه فى حقك، وأخذت المسائل معه على الضد، فسوف تزيد «الوحشة» ويستمر الخصام، وهو أيضاً مطالب بنفس ماأطلبه منك، وهو أن يدرك أن أفعاله معك على نحو مايصنعه بك، سوف تزيد احتقان نفسك وقد يفقدك بسببها إلى الأبد.
ولا يفوتنى أن أؤكد لك بعد نظر أبيك رحمه الله فيما يتعلق بأمور الحياة، فلقد كان على حق عندما رفض تزويجك من زميلك بالجامعة، إذ كان الفشل هو مصير تلك الزيجة لو أكتملت لنظرة أهله الدونية لكم، ولو كنت قد ارتبطت به، لكان انتقام أهله منك هو النتيجة المتوقعة، ومن ثم فشل الزيجة، وهذا الدرس يجب أن تعيه كل البنات اللاتى يتعرضن لمثل هذه المواقف، فالحياة الزوجية مختلفة تماماً عن «حب الجامعة»، وكم من زيجات بنيت على هذا الحب الذى لم ينضج، وكان مصيرها فى النهاية هو الفشل..
صحيح أن لكل قاعدة استثناء، ولكن فى الغالب يكون مصير علاقات الجامعة هو الفشل، مالم تكن قائمة على التدقيق فى الاختيار، وإعطاء كل شاب وفتاة نفسيهما فسحة من الوقت للتأكد من مشاعرهما، ومدى توافق أسرتيهما مع بعضهما.
وأرجو أن تكون الصورة قد اكتملت لديك أنت وزوجك، فتمهدان الطريق أمامكما لمواصلة مشوار الحياة إلى النهاية على أسس متينة من التفاهم والحب، ولتعلما أن السعادة فى المنهج الوسط، فلا غلو، ولا جفاء، بمعنى الاعتدال فى أخذ الأمور والحكم على الأشياء دون زيادة أو نقصان، إذ يقول تعالى «فهدى الله الذين آمنوا لما اختلفوا فيه من الحق بإذنه، والله يهدى من يشاء إلى صراط مستقيم».
وإياك أن تيأسى من الفرج فكل الأمور بيده عز وجل، وتأملى قول الشاعر:
أتيأس أن ترى فرجا
فأين الله والقدر؟
نعم فمن يكون فى معية الله، لا تضيق نفسه، ولا يتسرب اليأس إليه، وإنى على يقين بأن زوجك سيعيد النظر فى موقفه، وسوف تبتسم لأسرتكم الحياة قريباً بإذن الله.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.