الكتب المهمة مثل أشجار النخيل المعمرة.. تبقى مثمرة وطراحة لمئات السنين.. ويزيدها القدم رسوخا وقيمة.. ومن هذه الكتب كتاب كرم مطاوع.. فارس المسرح المصرى الذى صدر ككتاب تذكارى عن وحدة إصدارات المسرح بأكاديمية الفنون بعد رحيل كرم مطاوع فى التاسع من ديسمبر عام 1996.. حرر الكتاب الكاتب والباحث والمحاضر د. أحمد سخسوخ، الذى بذل فيه جهدا علميا كبيرا جعله يعبر حاجز المناسبة ليصبح مرجعا مهما عن واحد من أكبر مخرجى المسرح المصرى فى أزهى عصوره. وقدمه المؤلف المسرحى والمحاضر د. فوزى فهمي، الذى أوجز واختزل كرم مطاوع فى كلمات: «كان كرم دائما يراهن على الإبداع.. مدركا أن جهده يصب على أرضية الحياة العامة.. لقد امتلك كرم مطاوع طاقة التميز.. وامتلك أيضا الوعى بذلك، لذا كانت مشاعره انتاجا موثوقا يتحرك عبر عناصر فن المسرح من الخط واللون والفراغ والعمق والنتوء والإضاءة والحركة والنطق والنغمة لتخرج لنا عملا يتعدى كل ما نعرفه ويتجاوز كل المعطيات.. إنه عالم كرم مطاوع الخاص». كان نجمنا الراحل مخرجا وممثلا وأستاذا جامعيا ومديرا وجمع النجاح فى كل هذه الأعمال ولعل أشهر مواقفه كمدير استقالته من المسرح القومى اعتراضا على بعض قرارات وزير الثقافة د. ثروت عكاشة آنذاك، وهى الاستقالة الجماعية التى شاركه فيها الكبار جلال الشرقاوى وسعد أردش وأحمد عبدالحليم.. وفى الكتاب شهادات للرفقاء الثلاثة يروون تفاصيل القصة معا، كما يضم الكتاب مجموعة من الحوارات القيمة أجراها مع كرم مطاوع د. على الراعى والمخرج د. عبدالرحمن عرنوس ود. أشرف زكي، كما يضم حوارا عن مهرجان قرطاج المسرحى نشر فى مجلة المسرح بتاريخ يناير 1984 وضمنه د. سخسوخ الى فصول الكتاب، بالإضافة لمجموعة من الدراسات القيمة فى أعمال وأسلوب كرم مطاوع قدمها د. صبرى عبدالعزيز والمخرج أحمد زكي، والمخرج الدكتور هناء عبدالفتاح ووحيد النقاش ود. محمد عنانى ود. أمين العيوطى وأ. جلال العشرى وأ.فاروق عبدالوهاب ود. سميرة محسن، كما يضم الكتاب قائمة بجميع أعمال كرم مطاوع الإخراجية، نذكر منها الفرافير ليوسف إدريس، وحسن ونعيمة لشوقى عبدالحكيم، والفتى مهران لعبدالرحمن الشرقاوي، وشهر زاد لتوفيق الحكيم، وكوابيس فى الكواليس لسعد الدين وهبة، ويا بهية وخبرينى لنجيب سرور، وليلة مصرع جيفارا لميخائيل رومان، ووطنى عكا لعبدالرحمن الشرقاوي، ومسرحية تحمل عنوان 28 سبتمبر الساعة 5 مساء، عرضت فى عام 1970 لميخائيل رومان، وواضح من العنوان أنها ترثى رحيل الزعيم جمال عبدالناصر، كما قدم تجربة فى مسرح تحية كاريوكا الخاص بعنوان ياسين ولدي، وهو أوبريت من تأليف فايز حلاوة، وثأرالله لعبدالرحمن الشرقاوى وعرض آخر لفرقة الفنانين المتحدين من تأليف نعمان عاشور بعنوان وكالة نحن معك، وأوبريت حب وفركشة للشاعر صلاح جاهين من انتاج فرقة انغام الشباب، ودنيا البيانولا لمحمود دياب فى المسرح الغنائى وأمسية البوصيري، وإيزيس لتوفيق الحكيم، وأنشودة الدم لمصطفى محمود وعودة الأرض لألفريد فرج، وآخر أعماله ديوان البقر لمحمد أبوالعلا السلامونى بمسرح الهناجر. ويتضح لنا من ذكر بعض الأعمال حجم التنوع الرهيب فى اختيارات كرم مطاوع وعدم رفضه لمسرح القطاع الخاص، شرط احترام عقلية المشاهد ووقته، كما يتجلى لنا تعدد الكتاب الكبار انعدام فكرة الشللية والفريق الواحد التى يستخدمها البعض لتمرير مصالح وقتية على حساب فن المسرح.. وبرغم كثرة الدراسات وعمقها إلا أننا نكتشف دائما مع كرم مطاوع أننا أمام بحر عميق نغوص فيه بمقدار قدرتنا على الغوص لا بمقدار عمق ذلك الفنان العملاق.